الطرق التقليدية لتطهير مياه الصرف الصحي قد تزيد مقاومة البكتيريا الضارة

علماء «كاوست» يقترحون الأشعة فوق البنفسجية لإحباط فاعليتها

الطرق التقليدية لتطهير مياه الصرف الصحي قد تزيد مقاومة البكتيريا الضارة
TT

الطرق التقليدية لتطهير مياه الصرف الصحي قد تزيد مقاومة البكتيريا الضارة

الطرق التقليدية لتطهير مياه الصرف الصحي قد تزيد مقاومة البكتيريا الضارة

قد تؤدي الطريقة التقليدية لتطهير مياه الصرف الصحي باستخدام الكلور، إلى ازدياد مقاومة البكتيريا لمضادات الميكروبات، في حين أشارت دراسة أُجريت في مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها بـ«جامعة الملك عبد الله في للعلوم والتقنية (كاوست)» إلى أن معالجة بعض أنواع مياه الصرف باستخدام الأشعة فوق البنفسجية قد يكون جزءاً من الحل. ونشرت الدراسة في دورية «العلوم والتكنولوجيا البيئية» Environmental Science & Technology. وتُطوِّر البكتيريا آليات لتجنُّب آثار الأدوية المضادة للميكروبات سريعاً. وتهدد مقاومة البكتيريا هذه، الصحة العامة بشكل متزايد. وتتحمل المركبات الدوائية والبكتيريا المقاومة التي تصل إلى مياه الصرف المنزلي والزراعي جزءاً من اللوم في حدوث هذا. بل إن الباحثين وجدوا أن مقاومة مضادات الميكروبات تكون أعلى في البكتيريا التي تخرج من محطات المعالجة مقارنة بتلك الموجودة في مياه الصرف الصحي الخام التي تدخل المحطات.

بكتيريا مقاومة
وتظهر مقاومة مضادات الميكروبات عندما تتبدل الكائنات المجهرية (مثل الجراثيم والفطريات والفيروسات والطفيليات) لدى تعرضها للأدوية المضادة للميكروبات (مثل المضادات الحيوية ومضادات الفطريات ومضادات الفيروسات ومضادات الملاريا ومضادات الديدان). ونتيجة لذلك، تصبح تلك الأدوية غير ناجعة. وعند ذلك تصمد حالات العدوى بتلك الكائنات المجهرية المقاومة في الجسم، ويزداد خطر انتقالها إلى أشخاص آخرين وذلك حسب «منظمة الصحة العالمية». وجدير بالذكر أنه أثناء تطهير مياه الصرف الصحي، تخرج المادة الوراثية من البكتيريا إلى المياه المحيطة، والتي قد تحتوي على جينات مقاومة للميكروبات. يقول ديفيد مانتيلا - كالديرون، زميل ما بعد الدكتوراة في كاوست: «السؤال المهم هو: هل جينات المقاومة الموجودة خارج الخلية تمثّل أهمية للصحة العامة؟»، ويستكمل: «لا إجابة لدينا لهذا السؤال حتى الآن، لكن ولكي تكون هذه الجينات مصدر قلق، فالشرط الأول وجودها داخل خلية بكتيرية حية، وهو ما يمكن حدوثه فقط بعملية تُسمَّى التحول الطبيعي التي تسمح بامتصاص الحمض النووي من خارج الخلية ودمجه في الكروموسوم البكتيري».
وجد مانتيلا - كالديرون وزملاؤه في كاوست أن التحول الطبيعي حُفِّز في بكتيريا توجد عادة في الماء والتربة تُدعى بالراكدة البيلية (baylyi Acinetobacter)، في وجود الناتج الثانوي للكلور، حمض البرومو أسيتيك Bromoacetic acid، الذي تسبب في تلف الحمض النووي للبكتيريا، وحفّز مسار إصلاح الحمض النووي المعروف أيضاً بزيادة دمج الحمض النووي الخارجي في الجينوم الخاص بالبكتيريا. بعدها درس طالب الدكتوراة نيكولاس أوجسبرجر تأثير أشعة الشمس والأشعة فوق البنفسجية في التحول الطبيعي. ويوضّح أوجسبرجر: «أردنا معرفة ما إذا كانت هناك طريقة أكثر أماناً لتطهير مياه الصرف الصحي المعالجة، دون التسبب في حدوث زيادة في التحول الطبيعي للبكتيريا الموجودة في البيئة».

اشعة فوق بنفسجية
ومن المثير للاهتمام أن أوجسبرجر وزملاءه وجدوا أن أشعة الشمس، مثل حمض البرومو أسيتيك، عملت على زيادة عملية التحول الطبيعي أيضاً في الراكدة البيلية، بتحفيز مسار إصلاح الحمض النووي.
لكن ما يستدعي الدهشة، أنه رغم عمل الأشعة فوق البنفسجية أيضاً على زيادة إدخال الحمض النووي الموجود خارج الخلية إلى جينوم البكتيريا، فإن الجينات تضرَّرت إلى حد أنها لم تعد تؤدّ وظيفتها، على عكس تأثير ضوء الشمس وحمض البرومو أسيتيك.
يقول أوجسبرجر: «زادت أشعة الشمس من معدل دمج الحمض النووي الخارجي إلى الضعف، لكن ما أنقذ الموقف، أنه رغم زيادة الأشعة فوق البنفسجية أيضاً من دمج الحمض النووي الغريب - كما هو الحال في أشعة الشمس والناتج الثانوي لعملية التطهير - فإنها دمَّرت الحمض النووي الموجود خارج الخلية في مياه الصرف، إلى درجة لن تستطيع معها البكتيريا التعبير عن هذه الجينات حتى لو أدخلت الحمض النووي في جينومها».
وتوضح الدكتورة بيينج هونج، عالمة الميكروبيولوجي، وأستاذة العلوم والهندسة والبيئية المشارك، التي أشرفت على الدراسات: «دراساتنا تشكّك في اعتمادنا الحالي على استخدام الكلور باعتباره خطوة التطهير النهائية في معظم محطات معالجة مياه الصرف الصحي». وتستكمل: «يمكن وضع استراتيجية تطهير المياه منخفضة العكارة باستخدام الأشعة فوق البنفسجية في الاعتبار، ما قد يساعد على تقليل مساهمة مياه الصرف الصحي في مقاومة مضادات الميكروبات إلى الحد الأدنى».
ويدرس مختبر هونج حالياً كيف يمكن أن تتفاعل المؤثرات المختلفة من أجل التأثير في معدّلات امتصاص وإدخال الحمض النووي الموجود خارج الخلية إلى داخل البكتيريا.



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً