شاشة الناقد: الحديث عن الأشجارhttps://aawsat.com/home/article/2421131/%D8%B4%D8%A7%D8%B4%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D8%AC%D8%A7%D8%B1
الحديث عن الأشجار (ممتاز) إخراج: صهيب قسم الباري السودان - تشاد النوع: تسجيلي طويل
بدأ غياب صالات السينما في عالمنا العربي منذ سنوات طويلة. في بيروت كما في بغداد، وفي دمشق كما في تونس والخرطوم والجزائر والأردن، تقلص عدد صالات السينما خصوصاً تلك التي لا علاقة لها بالترويج للأفلام السائدة التي لا حاجة لها للترويج أساساً. «الحديث عن الأشجار» يتداول هذا الموضوع في طيّات موضوع محدد أكثر تخصصاً: فشل عدد من المخرجين السودانيين باستعادة زمام المبادرة وإحياء دار عرض لهواة الفن السابع. مثل هذه الدار، يعلمنا الفيلم، كانت موجودة في الخمسينات والستينات لكنها اضمحلت لاحقاً بسبب طغيان التديّن من ناحية والرقابة الصارمة من ناحية أخرى. والرقابة الصارمة ما زالت حاضرة (تقع الأحداث قبيل ثورة السودان الأخيرة). نراها عندما يلتمس المخرجون المتعاونون على تحقيق هذه المحاولة (منار الحلو وإبراهيم شدّاد والطيب المهدي وسليمان إبراهيمي) الإذن بعرض فيلم مختلف فينبري المسؤولون لوضع شروط مختلفة هدفها ماهية الفيلم ومصدره وما يسرده للتحقق ما إذا كان مسموحاً به لدواع أمنية كانت لا تزال سائدة منذ عقود. كل ذلك في سبيل عرض واحد. هنا يتركنا الفيلم أمام ما الذي يمكن لهؤلاء مجابهته من تحديات فيما لو كانت طموحاتهم تأسيس جمعية سينمائية فاعلة أو أن يحقق كل منهم (أو أحدهم على الأقل) فيلماً جديداً قبل فوات أوان العمر. يعكس العنوان المختار سخرية هذا الواقع. الحديث ليس عن الأشجار وليس عن حالة الطقس وليس عن الشقق والمنازل، بل عن السينما التي أُهملت طويلاً من بعد أن وعدت قبل أربعين سنة أو نحوها بعطاء هؤلاء المخرجين الذين درسوا في الخارج ونقلوا أفلامهم مثل «تمساح» لإبراهيم شدّاد و«المحطة» للطيب المهدي إلى المهرجانات الإقليمية والعالمية بنجاح (كذلك فعل هذا الفيلم). على أساس من الواقع يبدو الحديث الذي ابتدعه بعض الكتّاب (ولو بدافع التأييد) من أن الفيلم «يُبشر بولادة سينما سودانية جديدة» دخولا آخر في متاهة، فهو فيلم رثاء وليس فيلم تبشير. فيلم عن واقع قاس وليس فيلما عن نبوءات وتمنيات. للفيلم سرد ثابت في هدوئه وإيقاعه. ينتقل بمشاهديه صوب مقابلات مباشرة ويثري نفسه بمشاهد من أفلام سودانية قديمة وذكريات الماضي الذي توقف. كل ذلك والتحدي الكبير أمام تحقيق غاية نبيلة واحدة كعرض فيلم مختلف عن السائد (بل ربما عرض أي فيلم) بات من المهام الصعبة التي لا مجال للحلم بها فما البال بتحقيقها.
تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».
لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.
في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة
محمد رُضا (القاهرة)
روبن أوستلند يسخر من ركاب طائرة بلا ترفيهhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%B3%D9%8A%D9%86%D9%85%D8%A7/5076953-%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%86-%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%AA%D9%84%D9%86%D8%AF-%D9%8A%D8%B3%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%A8-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D9%8A%D9%87
يعود المخرج السويدي روبن أوستلند إلى الشاشات في العام المقبل بفيلم جديد عن الترفيه... أو - بالأحرى - عن عدمه.
الفيلم يحمل عنواناً دالاً «نظام الترفيه معطل» (The Entertainment System is Down)، وهو من بطولة مجموعة كبيرة من نجوم أميركا وأوروبا من بينهم وودي هارلسون وكيانو ريڤز وكريستين دانست وسامنتا مورتون ودانيال برول وجول إدجرتن.
بوصلة الفعل
العنوان هو إشارة لعبارة مطبوعة تظهر على شاشات الطائرات المتلفزة خلال الرحلات إذا ما أصاب عطل تقني البث في كل أقسام الطائرة.
الرحلة طويلة من غرب الولايات المتحدة إلى أوروبا، والركاب جميعاً تعوّدوا على مشاهدة ما تعرضه محطات الطائرة من أفلام وبرامج ترفيهية أو رياضية أو أخبار أو أغانٍ وموسيقى. هكذا اعتادوا وهكذا يتأمّلون في زمن قلّ فيه عدد من يعمد على الكتب ليقرأها. إنه الزمن نفسه الذي لم يعد بالإمكان مطالعة الصحف والمجلات فيه، لأنها محدودة أو ممنوعة في الرحلات الجويّة.
السؤال الظاهر الذي يطرحه الفيلم الجديد: ماذا سيفعل الركّاب في رحلة ستستغرق 10 ساعات أو أكثر ما بين عاصمتين متباعدتين.
السؤال الضمني هو ماذا فعل حب الترفيه بنا بحيث لم نعد قادرين على الحياة من دونه؟
هذا السؤال من مخرج تخصّص في الأسئلة الصعبة، كما حاله في «الميدان» (The Square) سنة 2017. و«مثلّث الحزن» (Triangle of Sadness) في 2022. كلاهما نال السّعفة الذهبية من مهرجان «كان» العريق. كل منهما ألقى نظرة ساخرة على أنماط الحياة التي نعيشها اليوم.
في «الميدان» شاهدنا أوستلند ينبري في معالجة غير متوقعة لتقديم حكاية مشرف على متحف في ستوكهولم يتعرّض لسرقة محفظته وهاتفه المحمول وهو في طريقه لعمله. فهو في سبيل حضور احتفاء فني يدعو فيه الناس لتحمّل مسؤولياتهم حيال الفن والمجتمع. الفيلم، في جزءٍ منه، يدور حول كيف أننا قد نفقد بوصلة الفعل الصحيح حال وقوع حادث مفاجئ. بطل الفيلم (كليز بانغ) يتصرّف من دون وعي ويجد نفسه سريعاً مع مديري المتحف الذين صرفوا ميزانية كبيرة على هذا المشروع.
لم يسرد الفيلم حكايته بتسلسل متواصلٍ أو بمشاهد هي بالضرورة متتالية على منهج منظّم، بذلك هو، في غالبيّته، عبارة عن مشاهد غير مترابطة تشبه فن النقش أو مثل مرايا تحيط بالمكان الواحد ومن فيه، بحيث تعكس ما ترويه من زوايا متعددة وليس على نحو متتابع بخط جلي واحد.
طرفا نزاع
لفيلمه التالي، «مثلث الحزن» انتقل إلى سؤال آخر يوجهه إلى مشاهديه.
يدور الفيلم أساساً حول الشاب كارل الذي جرى قبوله للعمل عارض أزياء (هاريس ديكنسن) وصديقته يايا (شاريبي دين). يبدأ الفيلم بمشاهد ساخرة لعملية انتقاء المرشّحين للعمل عارض أزياء ثم ينتقل بكارل وصديقته إلى عشاء في مطعم. الطاولة ليست الوحيدة التي تفصل بينهما، بل أيضاً منهج تفكير يرمي لطرح موضوع التوازن الذي يبدو مفتعلاً في علاقات اليوم. فهو يصرّ على أن تدفع هي ثمن العشاء. عندما توافق بعد تردّد يصر على أن يدفع. بين الموقفين وتبعاتهما هناك ما يبدو نزعة غير ناضجة لتأكيد الذات الذكورية أو، بنظرة أكثر شمولاً، نزعة صوب فرض معاملة بالمثل يلجأ إليها الطرفان في عالم اليوم.
بعد ذلك هما على ظهر يخت في عرض البحر حيث سيستعرض المخرج شخصيات متعددة من ذوي الثراء. كارل ويايا لا ينتميان إلى تلك الزمرة، لكنهما لا يمانعان ممارسة حلم التقرّب والتماثل بما إنهما مدعوان (مجّاناً) لذلك. عبر هذا كله يرسم الفيلم صورة عن الطبقات وسوء التصرّفات حين الأزمات وكيف يعيش البعض منا في أوهام ترضيه.
الملل... الملل
الفيلم الجديد سيُعالج مسألة الملل إذا ما وقع ما هو غير متوقع في حياتنا اليومية. في فيلمه الأسبق، يتعرّض بطل الفيلم للسرقة فتنقلب حياته رأساً على عقب. في الثاني يجد بطلا الفيلم نفسيهما مثل حمامتين وسط الصقور. هنا السؤال حول كيف سنتصرّف إذا ما وجدنا أنفسنا بلا قدرة على ملء فراغ حياتنا بالترفيه.
بعض ركّاب تلك الطائرة معرّضون لحالة إفشاء الأسرار على العلن. من بينهم الزوجان كريستين دَانست ودانيال برول اللذان كانا يعيشان في شرنقة من الخداع العاطفي، فكل منهما خان الآخر في علاقات عاطفية جانبية.
من دون أن يكشف المخرج عن تفاصيل الحكاية ودور باقي الشخصيات فيها، فإن الفيلم (الذي يُصوّر حالياً في طائرة فعلية من دون مشاهد خارجية) هو عن عاصفة أخرى تضرب الطائرة ومن فيها.
على أن سرد الحكاية وحدها ليس من عادة المخرج أوستلند كما برهن سابقاً.
موضوع الترفيه (ذَ إنترتاينمنت) بوصفه وسيطاً بين الإنسان وعالم آخر يجذبه ولا يستطيع دخوله فعلياً هو أكثر من رمزٍ قائم لحالة أي منا قد يجد نفسه محروماً، لسبب أو أكثر، من متابعة الترفيه ليكون خطاً يسير متوازياً مع حياته الواقعية. بالتالي، قد نتعرّض، حين مشاهدة الفيلم، إلى السؤال الأصعب: ماذا لو أن السينما وأفلامها اختفت من الظهور؟ ماذا لو أدّى التقدّم التقني لتعطيل الإنترنت الذي بتنا نصرف عليه ساعات حياتنا الثمينة؟ إنهما سؤالان جديران بالطرح، وأوستلند يتولّى ذلك في «نظام الترفيه معطّل».