لبنان: منطقة فقرا الجبلية ملاذ الأثرياء بعيداً عن الأزمة المعيشية الخانقة (صور)

لبنانيون يتناولون الغداء في مطعم بنادي فقرا الفاخر في الجبال شمال بيروت (أ.ف.ب)
لبنانيون يتناولون الغداء في مطعم بنادي فقرا الفاخر في الجبال شمال بيروت (أ.ف.ب)
TT

لبنان: منطقة فقرا الجبلية ملاذ الأثرياء بعيداً عن الأزمة المعيشية الخانقة (صور)

لبنانيون يتناولون الغداء في مطعم بنادي فقرا الفاخر في الجبال شمال بيروت (أ.ف.ب)
لبنانيون يتناولون الغداء في مطعم بنادي فقرا الفاخر في الجبال شمال بيروت (أ.ف.ب)

في منطقة فقرا الجبلية في وسط لبنان، سيارات فارهة وشبان وشابات يمضون عطلة نهاية أسبوع في مياه مسبح أو في مقاه منتشرة يمنة ويساراً... لوهلة، تبدو الأزمة الاقتصادية التي يعيشها البلد بعيدة عن هذا المكان.
وتقول زينة وهي تجلس في أحد مطاعم «نادي فقرا» الشهير أمام طبق من السلطة الطازجة وإلى جانبها فطيرة مقرمشة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «الجو في بيروت بات كئيباً جداً... هناك، نغرق في الواقع المرّ... أما هنا، نشعر كأننا في بلد آخر».

وتغرق البلاد منذ نحو عام في دوامة انهيار اقتصادي متسارع قضى على الطبقة المتوسطة. ولا تلوح في الأفق أي حلول لانتشال اللبنانيين من أزمتهم، بعدما بات نصفهم تقريباً يعيشون تحت خط الفقر.
إنما في هذا المنتجع، لم تحل ساعة الانهيار المالي بعد. وتجد قرابة مائتي عائلة من الطبقة الميسورة فيه سبيلاً للترفيه بعيداً عن الأخبار المقلقة.
ولطالما شكل «نادي فقرا» الأنيق وجهة للعائلات الثرية، سواء أكانوا من هواة التزلج شتاء أو الباحثين عن هواء منعش صيفاً. ويضم مساكن يملكها أغنياء وبينهم سياسيون.
وتقول زينة، الوالدة لأربعة أولاد، «نقضي عادة فترة الصيف في الخارج، لكننا لم نستطع العام الحالي السفر لأسباب مالية وجراء وباء (كوفيد - 19)».

وضرب الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث العملة الوطنية التي خسرت أكثر من 80 في المائة من قيمتها أمام الدولار. ووجد اللبنانيون أنفسهم بين ليلة وضحاها يخضعون لقيود مصرفية مشددة تحول دون حصولهم على الدولار حتى من ودائعهم بهذه العملة. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم خلال الأشهر الأخيرة.
وفاقمت إجراءات الإغلاق جراء فيروس «كورونا» المستجد التي فرضتها الحكومة اللبنانية لأسابيع عدة، الوضع الاقتصادي سوءاً.
وخلال الأشهر الماضية، أغلقت مئات المطاعم أبوابها. وقرّرت مؤسسات ومحال تجارية الإقفال مؤقتاً لعدم قدرتها على تحديد أسعار جديدة في خضم تدهور قيمة الليرة وتغيّر سعر الصرف يومياً. واضطر لبنانيون إلى مقايضة ثيابهم ومقتنياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعلب حليب وأكياس حفاضات لأطفالهم.
أما في فقرا، يتنقّل الزوار بين ملاعب كرة المضرب والصالات الرياضية وحلبات ركوب الخيل والمسبح حتى السينما التساعية الأبعاد. وللأطفال حصتهم أيضاً من مراكز الترفيه والألعاب.
حول بار على جانب المسبح، يتبادل زوار الأحاديث وتعلو ضحكاتهم على إيقاع الموسيقى، بينما تتمدد شابات تحت أشعة الشمس الحارقة.

وتضحك سارة (26 عاماً) لدى سؤالها عن انطباعها. وتقول المحامية لوكالة الصحافة الفرنسية: «الحياة يجب أن تستمر، لن نبقى في بيوتنا».
وفتحت مطاعم ومتاجر عدّة فروعا مؤقتة لها في النادي مؤخراً في محاولة لتعويض خسائر تكبّدتها في مناطق أخرى. وتنتشر أكشاك يمنة ويساراً تبيع الطعام أو ملابس البحر أو حتى العباءات التقليدية.
ويبدي سليم حلاوة، وهو مدير متجر للمشروبات، رضاه عن الموسم السياحي «المقبول» في فقرا. ويقول: «الزبائن هنا يعانون أقل من غيرهم جراء الأزمة الراهنة... غالبيتهم يعملون أو يملكون حسابات مصرفية في الخارج»، وبالتالي فإن أموالهم بالدولار الأميركي.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، بات من المستحيل حجز غرفة في «أوبرج فقرا»، أبرز فنادق النادي حيث تكلفة الليلة الواحدة تقارب 800 ألف ليرة لبنانية، أي أكثر من 500 دولار، بحسب سعر الصرف الرسمي ونحو مائة دولار، بحسب سعر السوق السوداء.
ويشرح أحد العاملين في الفندق «العديد من زبائننا يملكون الدولار، وبالتالي باتت تكلفة الليلة الواحدة بالنسبة إليهم منخفضة» الثمن.

ويثير هذا الفارق الشاسع في مستوى العيش بين مرتادي فقرا وأماكن أخرى مماثلة، ومعظم اللبنانيين، امتعاض كثيرين، خصوصاً بعد تداول مستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي الشهر الحالي مقطع فيديو يُظهر مراهقاً يقف خلف مراسلة تلفزيونية بينما كانت على الهواء مباشرة وهو يتباهى بعملة ورقية من فئة الدولار.
وتبدي زينة التي تدير منظمة غير حكومية لتعليم الأطفال، امتعاضها من التعليقات حول نمط الحياة في فقرا. وتقول: «ليس خطأ أن يحاول الواحد منّا تحريك الاقتصاد وتحريك الحياة قليلاً»، معتبرة أنه «لا يجب أن يُنظر بطريقة سلبية» إلى من يحاول عيش حياته كما يرغب.
ويؤيد شريف زكا (38 عاماً)، وهو مغترب استأجر أحد الشاليهات في نادي فقرا مقابل 2500 دولار في الشهر، كلام زينة. ويقول: «أن نكون موجودين هنا لا يعني أننا منفصلون عن الواقع... أصدقاؤنا وأقاربنا، كلهم تأثروا بالأزمة، وهذا ينعكس علينا».
وترى مالكة النادي ليليان رحمة أن الإقبال على فقرا أسهم في «الحفاظ على وظائف أكثر من مائتي شخص غالبيتهم من الطلاب». وتقول: «لا نريد أن نموت... اللبنانيون يحبون الحياة وهذه طريقتنا في المقاومة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.