خبراء ومحللون: هجمات دارفور تهدف إلى إضعاف الحكومة الانتقالية

ترحيب بقرار حمدوك إرسال قوات إلى الإقليم

TT

خبراء ومحللون: هجمات دارفور تهدف إلى إضعاف الحكومة الانتقالية

يرى خبراء ومحللون أن الهجمات الأخيرة في دارفور، في غرب السودان، تهدف إلى إضعاف الحكومة الانتقالية في الخرطوم التي تخوض مفاوضات من أجل إرساء السلام في الإقليم المضطرب. ويقول مدير الأبحاث في المركز الوطني للبحث العلمي (سي إن آر إس) مارك لافرنيي، الخبير في شؤون السودان، لوكالة الصحافة الفرنسية، «إنها رسالة إلى الخارج تهدف إلى القول إن الحكومة تسيطر فقط على الخرطوم»، معتبراً أن مثل هذا الهجوم الذي وقع الأحد يشكل «تهديداً لاستقرار البلاد». ويضيف: «هجوم 500 رجل مسلح في سيارات ذات دفع رباعي تسير على طرق وعرة حتى تصل إلى قرية كبيرة في ولاية غرب دارفور أمر يتطلب تنسيقاً وتنظيماً حقيقياً».
وحسب الأمم المتحدة، هاجم نحو 500 مسلّح، السبت، قرية مستيري الواقعة على مسافة 48 كيلو متراً من مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وقتلوا أكثر من 60 شخصاً، غالبيتهم من قبيلة المساليت، وجرحوا 60 آخرين. وتمّ نهب عدد كبير من المنازل في شمال القرية وجنوبها وشرقها، وإحراقها، كما تمّ تخريب نصف السوق المحلّية. ويقطن مزارعون متحدرون من قبيلة المساليت ذات الأصول الأفريقية، القرية، وهم يعملون في الزراعة. وشوهدت على مواقع التواصل الاجتماعي صور قدمت على أنها جثث الضحايا مغطاة بأقمشة متعددة الألوان، وبقايا منازل محترقة وحيوانات متفحمة. وقالت لجنة الأطباء المركزية في السودان، إن الهجوم استمر 9 ساعات، مشيرة إلى أن بين القتلى 8 نساء، وبين الجرحى 19 طفلاً وامرأة.
وجاء في بيان لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الخرطوم، أنّ الهجوم «يندرج في إطار سلسلة حوادث جرت الأسبوع الماضي وتُرجمت بإحراق قرى ومنازل وتخريب أسواق ومحال» في ولاية غرب دارفور. وقال البيان إن أحداثاً أخرى وقعت في الفترة من 19 إلى 26 يوليو (تموز) الحالي بمحلة الجنينة في غرب دارفور، وخلفت عشرات القتلى والجرحى.
ويشهد إقليم دارفور منذ عام 2003 نزاعاً بدأ عندما حملت مجموعات تنتمي إلى قبائل من أصل أفريقي السلاح ضد حكومة البشير بحجة تهميش الإقليم سياسياً واقتصادياً. واستعان الرئيس السابق عمر البشير بالقبائل العربية في النزاع الذي تسبّب، وفق الأمم المتحدة، بمقتل أكثر من 300 ألف شخص وفرار 2.5 مليون من منازلهم. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حق البشير بتهمة تنفيذ تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور. وأطاح الجيش بالبشير في أبريل (نيسان) 2019 تحت ضغط احتجاجات شعبية استمرت شهوراً، ما غيّر المعطيات على الأرض. وتحكم السودان حالياً حكومة انتقالية جعلت من المصالحة في المناطق المضطربة إحدى أولوياتها.
ويقول الكاتب عبد الله آدم خاطر، الخبير في شؤون دارفور، إن الموجة الأخيرة من العنف في دارفور «مرتبطة بسقوط نظام البشير. فخلال سنوات طويلة، مدّ النظام الميليشيات بالأسلحة، وأعطاها الحقّ في مصادرة الأراضي حتى فرض ضرائب على المزارعين». ويضيف: «بعد سقوط البشير، رفض المزارعون دفع الضرائب، بينما لا تزال أراضيهم التي فرّوا منها محتلة»، والمحتلون «يستخدمون القوة والترهيب» للحفاظ على وجودهم. ويعتبر أن الوضع «خارج عن السيطرة».
ويقول مارك لافرنيي من جهته: «بالنسبة إلى الميليشيات التي تقوم بالهجمات، المسألة وجودية»، مضيفاً: «في حال نجحت الحكومة الجديدة، وعاد الهدوء إلى دارفور، وتمكنّ الفارون من الرجوع إلى مزارعهم، ستصبح هذه الميليشيا في وضع لا يسمح لها بإثارة الرعب والقيام بعمليات النهب».
وتبلغ مساحة إقليم دارفور حوالي 400 ألف كيلو متر مربع، نصفها تقريباً صحراء، ويزرع المزارعون من أصل أفريقي الحبوب (الذرة والسمسم والفول السوداني)، إضافة إلى البرتقال على سفوح جبل مرة، السلسلة الجبلية التي تمتد في ولايات شمال ووسط وجنوب دارفور وهي خصبة وغنية بالمياه. ويعمل السكان من أصول عربية في الرعي، ويتنقلون مع حيواناتهم طلباً لمصادر المياه والعشب لإطعامها. وبالتالي، فأحد أسباب الصراع الرئيسية يتمحور حول الموارد.
ومنذ سبعة أشهر، تتفاوض الحكومة الانتقالية السودانية مع حركات مسلّحة في دارفور من أجل التوصّل إلى اتفاق للسلام، في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان. وتتناول المحادثات ملكيّة الأرض.
وأعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، الأحد، أن الخرطوم تعتزم إرسال قوات أمنية إلى إقليم دارفور «لحماية المدنيين والموسم الزراعي». ويصف خاطر القرار بأنه «مهمّ للغاية ويعكس لمواطني دارفور أن الحكومة الانتقالية تهتم بأمنهم واستقرارهم».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».