باشلار... من «جماليات المكان» إلى «شعرية النار»

جعل الشعر أسمى من الفلسفة والتاريخ

باشلار... من «جماليات المكان» إلى «شعرية النار»
TT

باشلار... من «جماليات المكان» إلى «شعرية النار»

باشلار... من «جماليات المكان» إلى «شعرية النار»

للنار في الشعر العربي حضور لافت، يكاد يشكل وثيقة فنية وجمالية مدهشة، محملة بدلالات متنوعة، خصوصاً في تراث الشعراء القدامى، فتارة نجدها رمزاً للحرب وتارة أخرى نجدها تعبيراً عن المشاعر الملتهبة، بينما تظهر في سياقات أخرى، وكأنها قوى خرافية تتسم بالهيمنة والغموض.
ولم يقتصر حضور النار ورمزيتها على الشعر الجاهلي فقط، لكنه امتد على مدار عصور متعاقبة للشعر العربي. لكن ماذا عن حضور النار في الشعر الغربي؟ وكيف تناولها الشعراء، وجعلوا منها أيقونة للخيال والمجاز، وما علاقة كل ذلك بأساطير مأخوذة من التراث العربي مثل طائري العنقاء والرخ؟
هذا الأسئلة، وما يرشح عنها من أفكار ورؤى، يتناولها كتاب «شذرات من شعرية النار» للفيلسوف الفرنسي جاستون باشلار، الصادر في القاهرة عن «المركز القومي للترجمة» بترجمة جديدة للشاعر والباحث محمد سيف.
يمهد المترجم بتعريف مقتضب عن باشلار، مشيراً إلى أنه يعد واحداً من أهم الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين، وأكثرهم حداثة، لكن المدهش أنه كرس جزءاً كبيراً من حياته لوضع تصوراته الجمالية عن الشعر وتوظيف الشعراء الغربيين لرموز وأساطير مختلفة. يأتي ذلك من منطلق محبة باشلار للشعر ورد الاعتبار إليه حتى أنه وضعه هو والفيلسوف الألماني مارتن هيدجر في مرتبة أسمى من التاريخ والفلسفة باعتباره «مخلوقاً لا يدرك إلا من خلال عملية الخلق».
ويذكر المترجم أن العديد من المساهمات المبتكرة لباشلار في مجال جدلية المعرفة الإنسانية «الإبستمولوجيا» تمثل إنجازاً لا يمكن تجاوزه، بل ترك آثاره واضحة في فلسفة معاصريه ومن جاء بعده، خصوصاً من الفلاسفة الفرنسيين، ومنهم فوكو ولويس ألتوسير ودومينيك وليكور وجاك دريدا، بالإضافة إلى عالم الاجتماع بيير بورديو.
ويذهب سيف إلى أن الموضوع الرئيسي عند باشلار أصبح في الجزء الثاني من حياته، هو التخيل أو عمل المخيلة، بعد أن كان العقل، فسعى إلى القيام بدراسة فلسفية شاملة للإبداع الشعري، مستسلماً لدافع كبير للتواصل مع القوى التي تخلق المعرفة لا التي تحصلها، والمجال الوحيد الذي يأمل أن يرى فيه تلك القوى وهي تعمل. من هنا وضع عدة مؤلفات تحمل أفكاره ومناهجه، سعياً للوصول إلى هذا المجال، ومنها «شذرات من شعرية النار»، حيث يبرهن في هذا الكتاب على أن الخيال، والمتخيل والتأمل الشارد تتمثل «جذر القوة الفعالة»، واللاعقلاني يمكن أن يكون بمثابة أساس لما هو عقلاني.
من ثم، يدعو باشلار إلى إعادة النظر في عناصر الواقع، أي الأرض والهواء والماء والنار. وتوضح ابنته سوزان في تقديمها للكتاب أنه في أعقاب نشر كتاب «جماليات المكان»، وتسليمه للناشر، ثم الانتهاء من مخطوطة كتابه «شعرية الهاجس»، شرع باشلار في تأليف كتاب جديد، مسكوناً بالرغبة التي ترافقه منذ زمن طويل في أن يجعل من النار موضوعاً لدراسة جديدة مختلفة، بنهج مفارق لما اتبعه في الدراستين السابقتين.
وحول عنوان الكتاب، تقول: «انصرف أبي فيما بعد عن عنوان (النار المعيشة) لصالح عنوان (شعرية النار)، لكن دون أن ينصرف عن فكرته الأساسية، وهي استنباط الأفكار الفلسفية الكبرى من داخل القصائد، حتى أن اقتباساته من الشعراء تفوق اقتباساته من الفلاسفة. وفاق اهتمامه بهذا النوع من الكتابة أقرانه حتى أن هيدجر لم يتطرف في محاباته للشعر مثلما فعل باشلار، فكتبه في هذا السياق فاقت تلك التي وضعها هيدجر ابتداء من (جماليات المكان)، وانتهاءً بـ(الماء والأحلام - دراسة عن الخيال والمادة)، ثم (شعلة قنديل النار)».
عبر فصول الكتاب، يأخذنا باشلار في رحلة جمالية يستهلها بالحديث عن العنقاء، وهو اسم طائر خرافي تقول عنه الأساطير والحكايات إنه كان يعيش زمناً طويلاً، ثم إذا جاءه الموت يحرق نفسه بالنار ويستحيل رماداً، ثم يولد من جديد من رماده ويبعث حياً، وهكذا دواليك في دورة من الموت والحياة لا تنتهي. وقد ورد ذكر العنقاء في جميع حضارات العالم القديم كالصينية والإغريقية والمصرية والفينيقية. ويقال إن الفراعنة أخذوه عن الفينيق، حيث عرف عندهم بطائر الفينيق، ومنه اشتق الاسم اللاتيني؛ الفينيكس. وذكره هويمروس في ملحمتيه الأوديسة والإلياذة.
وحسب رؤية باشلار في الكتاب، فإن الشعراء يزودوننا بتنويعات حاذقة من الصور الشعرية التي تعين على إحياء أسطورة هذا الكائن الخرافي، لكن يجب أن «نمزج بين الحماس والحذر في تعاملنا مع أسطورة كهذه». وبعبارة أخرى، يقول لنا باشلار إننا حين نعجب بأسطورة العنقاء ينبغي أن نرفض الإيمان الأعمى بها، كما أننا يجب أن نتعامل مع العنقاء باعتبارها حالة، و«كائناً لغوياً رفيع القيمة».
وينتقل الكتاب بنا إلى أسطورة أخرى وثيقة الصلة بشعرية النار، وهي أسطورة برومثيوس التي تعد واحدة من أهم القصص في الميثولوجيا الغربية، إن لم تكن أهمها على الإطلاق، وهذه القصة ترمز لمضامين ودلالات هائلة في الفكر والتاريخ الغربي. ومن المعروف أن بروميثيوس، حسب الأسطورة، نذر نفسه لمساعدة البشر. ورأى أنهم يكافحون من أجل البقاء في حالة من الدفء وطهو الطعام، لذلك أحضر لهم سر النار من جبل أوليمبوس فلقب بـ«سارق النار». وعندما اكتشف زيوس كبير الآلهة ذلك، وحكم عليه بالتعذيب مقيداً إلى جبل القوقاز بسلاسل غير قابلة للكسر، حيث تأتي النسور كل يوم لتلتهم كبده الذي سرعان ما ينمو مرة أخرى في اليوم التالي، لتلتهمه النسور من جديد.
ويخرج الكتاب من إطار الأساطير إلى وقائع حقيقية مر بها بعض البشر، ليرصد لنا محطة جديدة من محطات علاقة الشعر بالنار. إنها صورة مختلفة هذه المرة، حيث تتعلق بفيلسوف وشاعر قديم راودته أحياناً فكرة الفناء في النار بأن يلقي بنفسه إلى فوهة أحد البراكين طامحاً لتحقيق الخلود والانصهار مع تلك القوة الغريبة. وهو أمبيقدوقل الذي ولد في عام 125م بالجزائر، وكان يسمي نفسه أحياناً «أبوليوس المادوري الأفلاطوني» و«الفيلسوف الأفلاطوني». ويعتبر صاحب أول رواية في التاريخ كتبت باللغة اللاتينية القديمة وهي رواية «التحولات»، وُيطلق عليها أيضاً «الحمار الذهبي». وقد كتبت في 11 جزءاً، بأسلوب طغت عليه المحسنات اللفظية.
يري جاستون باشلار أن قصة حياة أمبيقدوقل الذي ظل يتأمل فوهة البراكين طويلاً، تمنحنا صورة شعرية قاتمة عن بشاعة النهايات المحتملة للبشر، كما تجسد مؤلفاته شوق الإنسان للخلود وسعيه الدائم لأن يتذكره من يجيء لاحقاً.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.