لازاريفيتش حرر مقابل 20 مليون يورو وإطلاق خاطفيه

متمرد سابق من الطوارق قاد المفاوضات

صورة نشرتها شرطة مالي للمفرج عنه وجواز سفر مزور له
صورة نشرتها شرطة مالي للمفرج عنه وجواز سفر مزور له
TT

لازاريفيتش حرر مقابل 20 مليون يورو وإطلاق خاطفيه

صورة نشرتها شرطة مالي للمفرج عنه وجواز سفر مزور له
صورة نشرتها شرطة مالي للمفرج عنه وجواز سفر مزور له

على النقيض من موجة الفرح التي عمت فرنسا، وعاشتها على وجه الخصوص عائلة لازاريفيتش الصربية - الفرنسية، ساد الغضب الأوساط السياسية والحقوقية في العاصمة المالية باماكو، إثر إطلاق سراح بعض العرب والطوارق من الناشطين البارزين في التنظيمات المتشددة شمال البلاد مقابل حياة الرهينة الفرنسي السابق سيرج لازاريفيتش.
وأكد الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي المالي بالا كوناري وجود صفقة مزدوجة أدت للإفراج عن الرهينة الفرنسي، مشيرا إلى أن الحكومة المالية باتت محرجة أمام ردود الفعل.. «لكنها لم تصمد أمام الضغوط الفرنسية».
وقال كوناري في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من باماكو، إنه يبدو أن الفرنسيين ضغطوا على مالي لإطلاق سراح 4 معتقلين لديها من عناصر تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا».
وفي مقدمة المفرج عنهم محمد علي آغ دوحسين، الذي كان يتنقل بأوراق تحمل اسم «إبراهيم آغ سيدي محمد»، وهو المتهم الرئيسي في عملية اختطاف لازاريفيتش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.
ويتهم آغ دوحسين (32 عاما) بقتل اثنين من حراس السجن في باماكو خلال فراره يونيو (حزيران) الماضي، قبل أن يلقي الأمن القبض عليه مجددا.
وأشار كوناري الذي يرأس منظمة حقوقية إلى أن سلطات بلاده أطلقت سراح الهيبة آغ الشريف، وهو من الطوارق وناشط في الجماعات المتشددة، وشريك لآغ دوحسين، كما أفرجت عن اثنين من عرب الشمال هما أسامة ولد الغزي وحبيب ولد مولود. وقال أستاذ الحقوق في جامعة باماكو، إن القضاء أصدر «قرارات شكلية» للإفراج عن المجموعة مطلع الشهر الحالي.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد دفع الفرنسيون مبلغ 20 مليون يورو (16 مليار فرنك غرب أفريقي) للقاعدة عبر الوسطاء، بحسب ما أوردت صحيفة «لينديكاتير دو رونوفو»، وأكده كوناري، ومصادر أخرى.
وردا على أسئلة لـ«الشرق الأوسط» قال مسؤول عسكري مالي، إن تحرير الرهينة الفرنسي جاء نتيجة لمفاوضات شاقة وطويلة، خصوصا منذ ظهوره في شريط فيديو منتصف نوفمبر الماضي، ذكرى مرور 3 سنوات على اختطافه.
ولم يشأ المسؤول الخوض في تفاصيل حول سجناء «القاعدة» المفرج عنهم، لكنه قال: «في مثل هذه الحالات قد نضطر لتنازلات مؤلمة». وقال إنه لا يملك معلومات حول دفع فدية مالية.
ونقل موقع «مالي آكتو» الإلكتروني عن مصادر متطابقة في شمال البلاد تأكيدها دفع فدية قدرها 20 مليون يورو ضمن صفقة التبادل. وقال أحد المصادر إنه من المستحيل أن تطلق «القاعدة» في مالي سراح رهينة دون فدية.. «لأن ذلك هو مصدر تمويلها الأساسي».
وانتقدت منظمات غير حكومية في مالي من بينها منظمات حقوقية بارزة صفقة التبادل، رغم ترحيبها مبدئيا بتحرير الرهينة الفرنسي. وقالت في بيان شديد اللهجة إن إطلاق سراح «إرهابيين» بهذا الشكل يولد شعورا بـ«الإهانة» لدى الماليين. وعلى المنوال نفسه أجمعت منظمات حقوقية في النيجر على أن مثل هذه الصفقات ستشجع المتشددين على تنفيذ المزيد من عمليات الخطف.
أما الحكومة المالية فلم تؤكد أو تنفِ ما جرى تداوله حول دفع فدية مالية، ورفض متحدث باسم وزارة الإعلام الحديث حول الموضوع.
وجرت المفاوضات بإشراف الوزير النيجري السابق محمد أكوتي، في حين تولى المفاوضات المباشرة المقدم السابق في الجيش المالي إبراهيم إينولات وهو أحد المقربين من زعيم جماعة «أنصار الدين» إياد آغ غالي.
ويعد محمد أكوتي مهندس عملية التفاوض، وهو قائد سابق لإحدى مجموعات الطوارق المتمردة في النيجر، وقد تخلى عن السلاح أواخر 1995 في إطار اتفاق للسلام، وهو وزير سابق للبيئة ومكافحة التصحر في حكومة النيجر، واستقال من منصبه الوزاري عام 2008 ليترأس مجلس إدارة شركة «إيمورارين» التي تملك غالبية أسهمها مجموعة «إريفا» النووية الفرنسية العملاقة.
وينتمي أكوتي لمجموعة «إيفوغاس» من الطوارق، وهي التي ينحدر منها إياد آغ غالي، مما يسهل لأكوتي دور الوسيط، وخصوصا أن مصادر محلية تشير إلى أنه يحظى بثقة الفرنسيين والنيجريين، وكذلك أبناء عمومته من الطوارق.
وسبق لمحمد أكوتي أن كان ضمن الوسطاء في عدة عمليات سابقة، آخرها إطلاق سراح 4 موظفين في شركة «آرليت» أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي.
وفي عملية مماثلة لتحرير الفرنسي سبق لتنظيم القاعدة أن أصر على إطلاق سراح عمر ولد سيدي أحمد المعروف بـ«عمر الصحراوي» ضمن صفقة إطلاق إسبانيين اثنين هما ألبرت فيلالتا وروكي باسكوال، اختطفهما «الصحراوي» في الطريق بين العاصمة الموريتانية نواكشوط ومدينة نواذيبو شمال غربي البلاد، أواخر نوفمبر 2009، ومعهما سيدة أطلق التنظيم سراحها قبل زميليها الآخرين.
ونتيجة ضغوط إسبانية؛ أطلق سراح «الصحراوي» العضو السابق في «جبهة البوليساريو» الذي كانت وحدة من الجيش الموريتاني ألقت القبض عليه في عملية خاصة داخل الأراضي المالية، وحكم عليه بالسجن والأشغال الشاقة 12 عاما وسلم إلى مالي أغسطس (آب) 2010. وأظهرته صور لعملية التبادل بعد ذلك بأيام، وهو يقود سيارة رباعية الدفع ومعه الإسبانيان خلال إطلاق سراحهما.
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» في يوليو (تموز) الماضي عن أن فروع «القاعدة» عبر العالم استفادت من فدى بقيمة 125 مليون دولار، قدمتها الدول الأوروبية، منها 66 مليون دولار خلال العام الماضي وحده.
وحظي تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» بنصيب الأسد، حيث حصل على 90 مليون دولار منذ 2008. في وقت يطرح فيه أكثر من سؤال حول محاربة التنظيم على المستوى العسكري، وإمداده بالأموال التي تبقيه على قيد الحياة. إضافة إلى ما يثار أحيانا حول «عمولة» الوسطاء، الذين ينقذون أرواح الأوروبيين، ويجلبون الأموال إلى جيوب «القاعدة».



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».