فشل الوساطة الأفريقية لحل أزمة مالي

الرئيس النيجري محمدو إيسوفو يعلن عن قمة طارئة ثانية لحل الخلاف في مالي بين الحكومة والمعارضة (أ.ف.ب)
الرئيس النيجري محمدو إيسوفو يعلن عن قمة طارئة ثانية لحل الخلاف في مالي بين الحكومة والمعارضة (أ.ف.ب)
TT

فشل الوساطة الأفريقية لحل أزمة مالي

الرئيس النيجري محمدو إيسوفو يعلن عن قمة طارئة ثانية لحل الخلاف في مالي بين الحكومة والمعارضة (أ.ف.ب)
الرئيس النيجري محمدو إيسوفو يعلن عن قمة طارئة ثانية لحل الخلاف في مالي بين الحكومة والمعارضة (أ.ف.ب)

فشلت الوساطة الطارئة التي قامت بها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) في حل الأزمة السياسية التي تتخبط بها مالي والناجمة عن حراك احتجاجي يطالب الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا بالاستقالة وإصرار الأخير على البقاء في منصبه.
وحتى مساء الخميس، لم يرغب أي من الأطراف في تقديم تنازلات، مما أدى إلى توقف الوساطة. إلا أن الرئيس النيجري محمدو إيسوفو، الرئيس الدوري لمجموعة (إيكواس)، أعلن في ختام المهمة التي قادها مع أربعة من نظرائه الأفارقة في باماكو، أن قادة دول المجموعة سيعقدون الاثنين قمة أخرى طارئة عبر الفيديو لبحث سبل حل الأزمة المستمرة في مالي منذ يونيو (حزيران). وتثير الأزمة السياسية الحالية في مالي التي يشهد قسم واسع منها أعمال عنف أو نزاعات محلية، قلق حلفائها والدول المجاورة التي تخشى غرق البلاد في الفوضى مجدداً.
وقال إيسوفو للصحافيين، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية «لقد قررنا تقديم تقرير إلى جميع رؤساء دول إيكواس في إطار قمة استثنائية ستعقد يوم الاثنين» في 27 يوليو (تموز) الجاري. وأضاف أنه خلال هذه القمة التي ستعقد عبر الاتصال المرئي سيتم اتخاذ «تدابير قوية لدعم مالي».
وكانت قد التقت المجموعة أولا برئيس مالي، إبراهيم أبو بكر كيتا، وأعقب ذلك محادثات مع ائتلاف من جماعات المعارضة، التي تطالب باستقالة كيتا. وكان الإمام محمود ديكو الذي يعتبر من أبرز شخصيات الحراك الاحتجاجي نعى مهمة الوساطة بقوله مساء الخميس إنه «ليست هناك أي حلحلة في الوقت الراهن». وأضاف إثر لقائه الرؤساء الأفارقة الخمسة (النيجيري محمد بخاري والنيجري محمدو إيسوفو والعاجي الحسن وتارا والغاني نانا اكوفو - آدو والسنغالي ماكي سال) «إذا كانوا اجتمعوا حقاً لهذا السبب فأعتقد أنهم لم يفعلوا شيئا». وتابع الإمام البالغ من العمر 66 عاماً «أفضل أن أموت شهيداً على أن أموت خائناً. إن الشباب الذين فقدوا حياتهم لم يفقدوها من أجل لا شيء». ويحتج معارضو الرئيس كيتا الذي يحكم البلاد منذ 2013 على أمور شتى، من تدهور الوضع الأمني إلى عجز السلطات عن وقف العنف في البلاد والركود الاقتصادي وفشل خدمات الدولة والفساد في عدد من المؤسسات. ويتهم أنصار المعارضة، كيتا بممارسة التخويف على نطاق واسع وشراء الأصوات خلال انتخابات برلمانية مثيرة للجدل أجريت في أبريل (نيسان) الماضي، مما أعطى إدارة كيتا أغلبية قوية.
وفي 10 يوليو (تموز) تطورت ثالث تظاهرة احتجاجية كبرى في البلاد بدعوة من حركة 5 حزيران إلى ثلاثة أيام من الاضطرابات الدامية في باماكو، هي الأسوأ في العاصمة منذ 2012. وفي سياق متصل لقي جندي فرنسي حتفه خلال عمليات ضد متطرفين في مالي الخميس. وقالت الرئاسة الفرنسية (قصر الإليزيه) في باريس إن الجندي ينتمي لوحدة المظلات «تارب هاسار»، وإنه قتل إثر تفجير عبوة ناسفة أثناء مرور سيارة كانت تقله. وعبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تعازيه لذوي الجندي الراحل «وجميع زملائه» في الجيش، مشيرا إلى شجاعة وتصميم الجيش في مالي.
وقتل جندي فرنسي في مالي مطلع مايو (أيار). وتشارك فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة لمالي، بشكل رئيسي في القتال ضد مجموعات إسلامية متطرفة في غرب أفريقيا، مع التركيز على مالي. وتم تعزيز عملية برخان لمكافحة الإرهاب ليصل قوامها إلى حوالي 5100 جندي في فبراير (شباط). وتنشط جماعات مسلحة في دول منطقة الساحل، وهي منطقة تمتد جنوب الصحراء من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا. ويدين عدد من هذه الجماعات بالولاء لتنظيم داعش أو تنظيم القاعدة الإرهابي.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».