لا يمت فيلم «الرواية الكاملة» بأي صلة للمؤلفة البريطانية أغاثا كريستي المعروفة بقصصها حول الجرائم الغامضة. كما أنه ليس واحداً من أعمال مخرج أفلام الرعب ألفرد هيتشكوك. فصحيح أن وقع اسمه يوحي أنه يندرج على لائحة الأفلام السينمائية من ذلك النوع، إلا أنه في الحقيقة ليس سوى وثائقي يلقي الضوء على قضية سرقة منزل نانسي عجرم التي جرت في 5 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.
يشكل فيلم «الرواية الكاملة» محطة مهمة في قضية سرقة منزل الفنانة نانسي عجرم. من يشاهده عبر المنصة الإلكترونية «شاهد في آي بي» المحصور عرضه بها، لا بدّ أن يستشعر خطورة الحادثة وتداعياتها السلبية على عائلتي نانسي والقتيل. في ليلة الخامس من يناير انقلبت حياة الفنانة اللبنانية رأساً على عقب. وكذلك الأمر بالنسبة لعائلة الشاب محمد حسن الموسى الذي دخل منزلها خلسة في منطقة السهيلة بهدف السرقة.
يروي الفيلم الذي يستغرق عرضه نحو 90 دقيقة القصة الكاملة لحادثة هزّت الرأي العام، وشغلت الناس والإعلام لفترة طويلة. فمقتل السارق على يد زوج عجرم طبيب الأسنان الدكتور فادي الهاشم، فتحت الأبواب على احتمالات وتساؤلات كثيرة لم تجد يومها الأجوبة الشافية. ويأتي «الرواية الكاملة» ليرد على هذه الأسئلة بموضوعية، لا سيما أنه يعرض تفاصيل الحادثة على لسان الهاشم وزوجته، ويقف في الوقت نفسه على رأي عائلة القتيل.
يرصد الفيلم الذي هو من إعداد وحوار الإعلامي جو معلوف، وإنتاج شركة «سكوب برودكشن» بكاميرا مخرجه رامي زين الدين، وقائع الحادثة من ألفها إلى يائها.
كيف دخل اللص فيلا عجرم؟ ما حقيقة شائعة معرفته السابقة بها وبزوجها؟ كيف خطّط لاقتحام المنزل؟ ما هي قصة انتشار صورته عارياً على الأرض؟ لماذا أطلق فادي الهاشم الرصاص على السارق، وفي أي ظروف؟ وغيرها من الأسئلة يردّ عليها الفيلم بموضوعية، بحيث يمكن لمشاهده أن يستشف الحقيقة كاملة.
ونكتشف في سياق القصة أنّ لحظة استعمال فادي الهاشم لمسدسه كانت الأكثر خطورة. فالرصاص كان يخرج من فوهة المسدس من دون استطاعة فادي تحديد مكان السارق. كان يطلقه وهو يختبئ خلف حائط الغرفة جاهلاً تماماً موقع السارق الذي يقف في العتمة. وبين هذه الرصاصات ما أصاب خطأ سرير إحدى بناته وقدم نانسي عجرم.
طيلة مدة الفيلم الذي تطل فيه نانسي وزوجها يتحدثان عن الواقعة، كل من وجهة نظره، من دون أي لقطات تظهرهما معا إلّا في دقائقه الأخيرة، كان يحاول جو معلوف لعب دور الإعلامي والمشاهد معاً. فهو لم يترك أي ثغرة أو احتمال إلّا وتناولهما، محاولاً بذلك قطع الشك باليقين. فطرح أسئلة تداولها الإعلام كما الناس العاديون. بحث وتواصل مع طرفي الحادثة كما مع محاميهما، بحيث جمع المعلومات والأدلة والشهادات التي استطاعت أن تخرج إلى النور فيلماً وثائقياً متكاملاً.
ويقول معلوف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «اعتدت في برامجي فتح ملفات كثيرة والغوص فيها حتى النهاية لاكتشاف الحقيقة، ولا بدّ لمشاهد الفيلم أن يلمسها، لأنّ الأمر نفسه اتبعته في (الرواية الكاملة). لقد قمت بواجبي، وأجريت تحقيقاتي وتحرياتي الخاصة حول الموضوع قبل تصوير الفيلم، وحاورت جميع أطراف الحادثة. وانطلاقاً من ائتماني إلى ضرورة كشف الحقيقة تأكدت من كل معلومة بحوزتي، كي أقوم بدوري في الفيلم على أكمل وجه».
الشركة المنتجة للفيلم، هي من اختارت معلوف للقيام بهذه المهمة، وتعاونت معه لإقناع عائلة نانسي، كما عائلة القتيل، بالتحدث في الفيلم. «الموضوع استغرق مني جهداً كبيراً للوصول إلى نتيجة إيجابية، أتاحت لي تنفيذ الحوار كما اشتهيت تماماً. فلم أرغب في تغييب أي طرف له علاقة بالحادثة. وكانت بدايتي مع عائلة القتيل. وتم هذا الأمر عبر مفاوضات أجريت معهم من خلال المحامين والمقربين منهم. وأصررت على محاورتهم والوقوف على أقوالهم ورأيهم بالموضوع من باب شمولية الموقف. كما أنّ مرور بعض الوقت على الحادثة أسهم في بلورة أمور كثيرة وانقشاع الرؤية أمام أهل القتيل، كما أمام نانسي وزوجها». وبالفعل يلمس المشاهد طراوة في موقف والد القتيل وعتباً من قبل والدته. «كان وقع الحادث عليهما كبيراً، لا سيما أّنهما لم يريا ابنهما منذ نحو 8 سنوات، ليعود إلى أحضانهما جثة هامدة. فالأمر كان صعباً جداً عليهما. برأيي فإنّ الطرفين ضحايا، وأنا شخصياً أتعاطف مع الاثنين معاً»، يعلق جو معلوف.
يأخذنا الفيلم إلى منزل نانسي، ونستطلع خلاله عدد مداخله ومخارجه، وكيفية دخول الشاب محمد إليه. كما يسرد بالتفصيل وقائع الحادثة على لسان فادي الهاشم ونانسي عجرم. إعادة تمثيل الجريمة من قبل فادي، وكيفية تعاطي نانسي مع الحادثة في لحظتها، يبرزان خطورة الموقف الذي عايشاه. فالخوف والتوتر كانا سيدي الموقف، وفي بعض لحظات الفيلم تنقطع أنفاس المشاهد لشدة انجذابه لأحداث واقعية لا تزال تداعياتها السلبية ظاهرة بوضوح على نانسي.
«لعب عنصر الثقة دوراً كبيراً لدى الطرفين، فلمسا منا أننا نرغب في كشف الحقيقة كاملة. وكانت هناك وجهات نظر مختلفة لديهما، ولكننا حرصنا على تقديم المحتوى بالدقة المطلوبة»، يوضح معلوف في سياق حديثه. ويتابع: «صوّرنا نحو 10 ساعات اختصرناها بـ90 دقيقة، وكان ذلك واحداً من التحديات التي واجهتنا. أمر آخر تطلّب منا الجهد ألا وهو إيصال الحقيقة كما هي. أمّا التحدي الأكبر فكان يكمن في ضرورة تقديم مادة جديدة تختلف عما تم تداوله في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، إثر وقوع الحادثة».
حسب الهاشم، كما ذكر في الوثائقي، كانت عنده ملاحظات عدة حول سير التحقيق في القضية. وممّا يقوله «لا أعلم كيف سُرّبت صورة القتيل، وهو عارٍ، وهو ما أثار فضولي. فالأجهزة المحمولة الخاصة بنا حُجزت من قبل القوى الأمنية بعد لحظات من حصول الحادثة. والقتيل عرّاه الطبيب الشرعي ليطّلع على إصابته من بعد أخذ أجهزتنا. كما تساءلت لماذا لم يحضر قاضي التحقيق إلى المنزل فور تبلغ القوى الأمنية بالحادثة. كان ذلك ليخفف الكثير من الشائعات التي دارت حول الموضوع، والتي شكّلت مادة دسمة ومسلية للبعض».
أمّا نانسي عجرم، فسردها لما حصل معها لحظة بلحظة إثر اقتحام السارق منزلها أعادها إلى نقطة الصفر. ولوحظ مدى تأثرها، خصوصاً عندما تروي كيفية سجن نفسها في الحمام لفترة. فكانت تصلها بعض أطراف الحديث بين محمد وزوجها من دون إمكانية مشاهدتها ما يجري بالفعل على الأرض. وممّا تقوله في الوثائقي: «رحت أسمع أزيز الرصاص، فخيّل لي أنّ زوجي مات، وأن بناتي أصبن، وأنّ هناك عصابة كبيرة تقف وراء كل ذلك. وبعدما اطمأننت على بناتي وتحدثت مع ميلا (ابنة العشر سنوات) التي هي عكس شقيقاتها استيقظت وسمعت ما حصل، رأيت زوجي سليماً معافى فرحت أتلمسه كي أتأكد أنه بخير وانهرت بكاء».
ولكن هل كان لنانسي وزوجها ملاحظات معينة على الفيلم؟ يردّ معلوف: «عندما أتمم واجباتي وأنهي العمل على ملف ما، عادة ما أقلب الصفحة لأبدأ البحث في ملف جديد. فمنذ تصوير الفيلم لم أتواصل مع نانسي وزوجها، ولا أعرف حقيقة انطباعهما حوله». وعمّا إذا كانت الشائعات التي تحدثت عن نيل عجرم أجراً مقابل القيام بهذا الفيلم يقول: «أؤكد أنّه لم تجر أي صفقة مالية مع الطرفين، ولم ينل أحد منهما أجراً مادياً في المقابل. شركة الإنتاج بالتأكيد دفعت كلفة إنتاج الفيلم، وهو المبلغ الوحيد الذي نستطيع أن نتحدث عنه. وعندما عرضته للبيع رسا الأمر على منصة (شاهد أي في بي)».
يلحظ مشاهد الفيلم، وأثناء إطلالة الزوجين مجتمعين لمرة واحدة فقط، اختلافاً في الرأي بينهما. فكان الاثنان يعلقان على الحادثة كل من وجهة نظره وعلى طريقته.
ويشرح معلوف: «لا شك أنّهما استرجعا تلك اللحظات العصيبة بجهد كبير، وهما ذكرا في الفيلم أنّهما كانا يجدان صعوبة في استذكار الحادثة والتكلم عنها. فكانت لحظات اختلافهما في رؤية الأمر لحظة تلفزيونية ذهبية. فهما كانا في الواقع يرغبان بمحو الحادثة من ذاكرتهما، لأنّها تشكل لهما منعطفاً خطيراً في حياتهما الزوجية. وفي استطاعتي القول إنّ أحداً لا يستطيع أن يعرف ماذا يجري داخل البيت الواحد. وممّا لا شك فيه، وحسب رؤيتي للموضوع، فإن عائلة نانسي عجرم تعرضت لمصاب كبير من الصّعب تجاوزه في فترة قصيرة. لقد ترك تداعياته وآثاره السلبية على جميع أفراد العائلة».
جو معلوف: «الرواية الكاملة»... ولا صفقة مالية مع نانسي عجرم أو زوجها
من يشاهد الفيلم يكتشف الحقيقة من وجهتي النظر
جو معلوف: «الرواية الكاملة»... ولا صفقة مالية مع نانسي عجرم أو زوجها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة