واشنطن تشدد على المفاوضات السياسية لحل الأزمة الليبية

تقرير أميركي يسلّط الضوء على علاقات أنقرة بإيران و«داعش»

TT

واشنطن تشدد على المفاوضات السياسية لحل الأزمة الليبية

أعربت عدة مصادر في الإدارة الأميركية عن قلقها من التصعيد العسكري، وتدهور الوضع في ليبيا، وأوضحت أن إدارة الرئيس الأميركي تحاول الدفع في مسار المفاوضات السياسية والاقتصادية، وتقليل التدخلات العسكرية، ونقل المرتزقة، وتهريب السلاح من عدة دول تعمل على تصعيد الاستفزازات، وتقويض التوصل إلى حلول.
وأوضح جود دير، المتحدث باسم البيت الأبيض، أن الرئيس دونالد ترمب ناقش مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي ضرورة وقف التصعيد الفوري في ليبيا، والمضي قدماً في مفاوضات اقتصادية وسياسية. مبرزاً أن ترمب ناقش أيضاً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سبل تخفيف حدة الوضع في ليبيا.
وجاء الاتصال بين ترمب والسيسي بعد 5 أيام من اتصال ترمب بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي ركز أيضاً على الوضع في ليبيا. كما تحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع نظيره الروسي حول ليبيا، بما يشير إلى تذبذب الموقف الأميركي حول الأطراف المتصارعة في ليبيا.
في هذا السياق، أوضح محللون أن الجانب الأميركي يتفهم التداعيات السلبية المتعلقة بالوضع في ليبيا، وتأثيرات ذلك على المنطقة، ويتفهم المخاوف المصرية. لكن واشنطن تبدو، حسبهم، غير مستعدة للقيام بتحركات جادة وعملية للتدخل في الأزمة بشكل مباشر، وضبط وتوجيه مسارها السياسي.
تقول ميريت مبروك، مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، إنه على الرغم من التوترات المتزايدة والتصريحات التصعيدية في كل من مصر وتركيا، فإن هناك أسباباً كثيرة للتفاؤل بشأن إمكانية تجنب التصعيد العسكري. مبرزة أنه «لطالما كان موقف مصر المعلن هو التوصل إلى حل دبلوماسي للحرب في ليبيا، وإعلان القاهرة الشهر الماضي هو مبادرة دبلوماسية تقنن وقف إطلاق النار، وإجراء مفاوضات سياسية، وضمان استقلالية الجيش الوطني الليبي بإلغاء اتفاقية عام 2015 بواسطة الأمم المتحدة، التي أدت لإنشاء حكومة الوفاق الوطني».
وتفسر مبروك وجود أسباب للأمل في تجنب تصعيد عسكري في ليبيا إلى أن تركيا لم تستثمر في نشر قوات تركية فعلية في ليبيا، وبالتالي فإن لديها القليل لتخسره، بينما تحرص مصر على حماية حدودها ومصالحها، لكن ليست لديها رغبة في الانجرار إلى مستقنع عسكري. مشددة على أنه «لا أحد يرى تصعيداً في ليبيا، وأن التهديد بالعنف المتصاعد مع إمكانية التحول إلى حرب بالوكالة قد يكون مجرد تحفيز للتسوية السياسية المطلوبة».
في غضون ذلك، حذر تقرير لفريق من الباحثين بجامعة كولومبيا من علاقات تركيا مع منظمات إرهابية كثيرة، وإذكاء التوترات في المنطقة، وأيضاً من طموح أنقرة لزيادة نفوذها في المنطقة، ومساندتها لتيارات «الإخوان المسلمين»؛ حيث سمح إردوغان لإرهابيي «داعش» بعبور الحدود التركية - السورية بسهولة. وطالب التقرير إدارة ترمب باتخاذ مواقف حاسمة، وممارسة حملة «ضغط قصوى» على الاقتصاد التركي، كما فعلت مع إيران. وحذر من أنه كلما طال الصمت على تركيا وتحركاتها كلما أصبح من الصعب تقييدها في المستقبل.
وتشير كالي يروبنسون، الباحثة بمجلس العلاقات الخارجية CFR بواشنطن، إلى أن الخطر الأكبر على ليبيا «هو أن تجد نفسها تواجه صراعاً موسعاً، يؤدي إلى تقسيم فعلي لليبيا في ظل تدفقات كبيرة للأسلحة والمرتزقة، وضعف الدعم الدولي لليبيين. كما أن مزيداً من تدويل الصراع سيؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الليبي وتشريد مئات الآلاف».
وطالبت الباحثة السياسية أن تعمل واشنطن مع بروكسل على إعطاء الأولوية للسيطرة على الأضرار المحتملة للتدخل التركي في المنطقة، موضحة أن تركيا تدرك أن الاتحاد الأوروبي هو «أسد بلا أنياب»، ولا يستطيع فرض الخطوط الحمراء، ويكافح لوضع نفسه كوسيط موثوق به للسلام. إلا أن كبح النفوذ الروسي يعد أولوية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا، ما يعني أن أوروبا قد ترغب في تجنب صفقة تركية - روسية، من شـأنها تقسيم ليبيا بالفعل. واقترحت الباحثة أن تقوم وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات حول انتهاكات حظر السلاح على روسيا وتركيا، وردع الأطراف الأجنبية عن نقل الأسلحة والمرتزقة، مبرزة أنه يمكن للبنتاغون نشر صور الأقمار الصناعية التي توضح انتهاكات الحظر الجوي من خلال «القيادة المركزية الأميركية في أفريقيا».



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».