انتخابات مجلس الشعب السوري: إقبال متواضع وانعدام ثقة

لا مفاجآت بعد عقدين على تولي الأسد الابن السلطة

بشار وأسماء الأسد داخل مركز اقتراع في دمشق أمس (أ.ب)
بشار وأسماء الأسد داخل مركز اقتراع في دمشق أمس (أ.ب)
TT

انتخابات مجلس الشعب السوري: إقبال متواضع وانعدام ثقة

بشار وأسماء الأسد داخل مركز اقتراع في دمشق أمس (أ.ب)
بشار وأسماء الأسد داخل مركز اقتراع في دمشق أمس (أ.ب)

لم يسبق لدمشق أن شهدت حالة من اللامبالاة في انتخابات مجلس الشعب كتلك التي شهدتها أمس، إذ تأتي في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية منهكة تماماً، لم تفلح معها الإعلانات الطرقية الضخمة للمرشحين من رجال المال، في حث الشارع على الاقتراع، وطغت أنباء التفجيرات، ووفيات الإصابة بفيروس «كورونا»، والفقر، وارتفاع الأسعار، وجرائم القتل المروعة بهدف السرقة، على المشهد السوري. وضاعت وسط كل ذلك، صور المرشحين التي بدت غريبة عن المشهد العام، لما فيها من مبالغة في تحسين المظهر، كشخصيات أنيقة منعمة تتطلع إلى بناء مستقبل واعد في سوريا المنكوبة بملايين المنازل المدمرة وازدياد الفقر الذي لامس، وفق التقارير الأممية، 85 في المائة من السكان. هذا إضافة إلى معاناة 9.3 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقديرات «برنامج الأغذية العالمي».
يذكر أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لعام 2016 بلغت 57.56 في المائة من أصل 8.38 مليون ناخب، حسب الأرقام الرسمية آنذاك، وتوقع مراقبون أن تكون هذه الدورة أدنى بكثير، لأسباب كثيرة؛ أهمها انعدام الثقة بقدرة مجلس الشعب والحكومة المتهمين بالفساد، على وضع حد لمعاناة السوريين.
واشتدت الأزمة الاقتصادية خلال الأشهر الأخيرة مع فرض العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام، وبدء تطبيق «قانون قيصر» الشهر الماضي، الذي تُعد إجراءاته الأكثر صعوبة على سوريا.
وفي بلدة دوما بالغوطة الشرقية بدمشق حيث أسهم هجوم عنيف لقوات النظام، في طرد المسلحين عام 2018، تدلت لافتات المرشحين أمام أكوام الحطام والأسقف المنهارة والمباني المليئة بآثار الرصاص. وتزاحم عشرات الأشخاص في مركز اقتراع، حيث غطت صورة للأسد وهو يبتسم، جداراً، بحسب «رويترز».
ومن غير المتوقع حدوث أي مفاجآت في التصويت الذي ينعقد بعد مرور 20 عاماً على تولي الأسد السلطة، وذلك في ظل عدم وجود معارضة حقيقية لحزب البعث الحاكم وحلفائه. ووصف «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وهو تكتل معارض يحظى بدعم غربي، الانتخابات، بأنها «إجراءات مسرحية تتم تحت قبضة أمنية عسكرية، وكل ما تغير في الأمر اليوم هو أنها تجري وقد هجّر نصف الشعب».
وعشية الانتخابات، أفادت مصادر في درعا بقيام مجهولين بتفجير مركز اقتراع في بلدية بصر الحرير بمحافظ درعا، بالتزامن مع مقتل شخص وإصابة آخر بانفجار عبوتين قرب «جامع أنس بن مالك» في منطقة نهر عيشة جنوب دمشق، السبت، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) التي لم تذكر تفاصيل عن طبيعة الانفجارين. فيما ذكرت مصادر إعلامية معارضة أن الانفجارين استهدفا شقيقين من العاملين في جهاز المخابرات العامة بدمشق.
ماجد (موظف 40 عاماً) من سكان دمشق، أكد أنه شارك في الانتخابات من منطلق «مجبر (أخاك) لا بطل»، لأنه موظف حكومي. وقال: «دخلت المركز وأعطيت أمين الصندوق بطاقتي الشخصية، ولم أكلف نفسي عناء قراءة أسماء المرشحين في الورقة، لأن النتيجة تحصيل حاصل. المهم بالنسبة لي تأكيد حضوري بالبطاقة الشخصية».
هذا؛ وبدت المراكز الانتخابية في دمشق شبه فارغة مع الساعات الأولى لفتح الصناديق، وكادت أعداد الناخبين تقتصر على الموظفين في الدوائر الحكومية التي اختيرت مراكز اقتراع. ورد أحد وكلاء المرشحين بدمشق ضعف المشاركة، إلى ارتفاع الحرارة التي تجاوزت أمس 40 درجة مئوية، وأيضاً، الخوف من وباء «كورونا»، بعد أنباء مخيفة عن ازدياد أعداد المتوفين جراء الإصابة، فخلال أسبوع، علم بوفاة 3 أطباء معروفين و6 علماء دين من علماء دمشق، في حين أكدت وزارة الصحة أن العدد الأكبر من الإصابات يتركز في محافظتي دمشق وريف دمشق.
وظهر الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته أسماء، صباح الأحد، وهما يدليان بصوتيهما في مركز وزارة شؤون الرئاسة ويرتديان الكمامة، تطبيقاً لتعليمات الإجراءات الوقائية؛ إذ تم التعميم على المراكز كافة بضرورة الالتزام بارتداء الكمامات والتباعد، وجلب الناخب قلمه معه، وعدم تبادل الأقلام داخل المراكز، بالإضافة لتعقيم الأيدي.
يذكر أنه قد تم تأجيل موعد الانتخابات مرتين منذ أبريل (نيسان) الماضي، بسبب فرض الحظر الصحي بعد انتشار فيروس «كورونا»، وسجلت مناطق سيطرة الحكومة 496 إصابة، فيما أصيب حتى الآن 23 شخصاً في مناطق خارج سيطرتها.
وفتحت مراكز الاقتراع، البالغ عددها أكثر من 7400 في مناطق سيطرة النظام، عند الساعة السابعة صباحاً بتوقيت دمشق ولغاية السابعة مساءً، وخصصت مراكز اقتراع لنازحين من مناطق لا تزال خارج سيطرة النظام. ولا يمكن للسوريين خارج البلاد، وبينهم ملايين اللاجئين، المشاركة في الاقتراع. في حين لا يشارك في هذه الانتخابات اللاجئون السوريون الذين يتجاوز عددهم الخمسة ملايين لاجئ.
وقالت عضو اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضية هبة فطوم: «هناك صناديق في الغوطة الشرقية وريف إدلب، ومناطق أخرى لم تكن فيها مراكز انتخابية في الدورة الماضية». وبلغ عدد المرشحين لانتخابات مجلس الشعب 1658 مرشحّاً، في دورة تجرى كل 4 سنوات. ودائماً تفوز «قائمة الوحدة الوطنية» المؤلفة من حزب البعث الحاكم الذي يترأسه الرئيس بشار الأسد وعدد من الأحزاب التقليدية المتحالفة معه، وفق عملية استئناس حزبي. كما يتدخل حزب البعث في قوائم المرشحين المستقلين أو الأحزاب الأخرى، وقد أعلن رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب لدورات عدة سابقة محمد حمشو، «انسحابه» من الانتخابات قبل يومين من بدء الاقتراع.
ويضم مجلس الشعب 250 مقعداً، ومع أن نصفها مخصص للعمال والفلاحين، والنصف الآخر لباقي فئات الشعب، فإن غالبية المرشحين المستقلين هم من رجال الأعمال وأمراء الحرب.
وينتخب البرلمان المقبل في أول جلسة يعقدها، رئيساً له، وتتحول الحكومة عندها إلى حكومة تسيير أعمال، إلى حين تعيين الأسد رئيساً جديداً للوزراء يكلف تشكيل حكومة جديدة.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.