عندما تصيب الكآبة الأطفال وتحرمهم متعة الحياة

عدد الحالات النفسية في ألمانيا 12567 عام 2012

عندما تصيب الكآبة الأطفال وتحرمهم متعة الحياة
TT

عندما تصيب الكآبة الأطفال وتحرمهم متعة الحياة

عندما تصيب الكآبة الأطفال وتحرمهم متعة الحياة

مصافحة حانية، نظرة خجولة، انبعثت الكلمات من فم الفتاة أنابل بشكل خافت قائلة: "بدأ الأمر قبل عامين، لم يكن لدي أي رغبة في أي شيء، كنت أريد الرقاد في الفراش فقط، كنت شديدة الحزن". ثم انحرفت أنابل (تم تغيير الاسم)، بجسدها وتواصلت بنظرها فترة قصيرة مع مخاطبها ثم عادت تنظر للأرض، وضحت بشكل مرتبك ثم ساد السكون.
تبلغ أنابل من العمر 14 (سنة) وأصبح أمرها معروفا لدى زملائها وخيار أصدقائها وأمها التي كانت أول من تسر إليها أنابل بأمرها.
تقول أمها: "في البداية بررت حالتها ببلوغ سن المراهقة، ولكن تذبذب حالتها النفسية لم يعد أمرا عاديا". ثم بدأت الأم وابنتها قبل عام الاستعانة بطبيب نفسي.
تشير التقديرات إلى أن هناك تزايدا في الحالات التي تُشخّص بالاكتئاب لدى الفتيان والفتيات. وحسب الإحصاءات فإن واحدا من بين كل 20 فتى وفتاة في ألمانيا يعانون من هذا الاكتئاب. بل إن هذا العدد يرتفع إلى ستة أمثاله إذا أخذنا في الاعتبار أعداد المرضى النفسيين في المستشفيات المتخصصة.
بلغ عدد المصابين بالاكتئاب في ألمانيا 2145 حالة فقط عام 2000 ، وذلك حسب بيانات مكتب الإحصاء الألماني.
وأشار المكتب إلى أن هذا العدد ارتفع بعد 12 عاما إلى 12567 شابا يعالج في المستشفيات من أعراض الاكتئاب.
ترددت أنابل هي الأخرى على إحداها لمدة خمسة أشهر.
يرى الدكتور مارتن هولتمان في مستشفى مدينة هام الجامعي، أنه لا يمكن تفسير هذا التزايد في حالات الاكتئاب بمجرد تحسن أساليب التشخيص وتزايد استعداد المصابين للتعامل مع هذا المرض "فمن الممكن أن يساعد تعرض الشخص لمطالب مبالغ فيها من والديه بالتفوق في المدرسة وكذلك تغير تصور الإنسان في ألمانيا عما تعنيه الأسرة على الإصابة بالاكتئاب".
وتشير الجمعية الألمانية للطب النفسي للأطفال والشبيبة، إلى أن المراهقة المبكرة تزيد أيضا من احتمال الإصابة بالاكتئاب.
من النادر أن يعرف الأطباء سبب الاكتئاب بشكل دقيق، فغالبا ما يحدث الاكتئاب بسبب تداخل عدة عوامل يمكن أن تتراوح بين الضغط النفسي في المدرسة إلى انفصال الوالدين، حسبما أوضح البروفيسور هولتمان.
ولا تعرف الفتاة أنابل هي الأخرى سبب إصابتها بالاكتئاب "هي مدرسة وشخصية" حسبما قالت هامسة. ولم تبح أنابل بأكثر من ذلك.
حارت والدة أنابل في أمر ابنتها "أقول لها دائما إن عليها أن تخبرني بما تشعر به لأني لا أستطيع أن أضع نفسي مكانها".
ولكن أنابل تلتزم الصمت وتبوح لآخرين بحالها، كما أنها تحتاج في البداية لاكتساب الثقة في طبيبها النفسي الذي تتردد عليه مرة كل أسبوع وتتحدث معه عن مشاعرها، تتحدث معه عما يؤرقها، وأحيانا تكون أمها معها، لأن معالجة الأطفال نفسيا هي دائما معالجة أسرية، حسب خبرة البروفيسور هولتمان.
ولكن والدة أنابل تبقى غالبا عاجزة "عندما أعتقد أننا أصبحنا الآن على طريق جيد، تعود أنابل لتتعثر مرة أخرى في حفرة".
من الصعب على الأم وابنتها التعامل مع هذا الوضع "فكل مأزق يختلف عن الآخر"، حسبما قالت أنابل بنبرة أقرب للاعتذار، مضيفة أن الأمر يبدأ لديها بتعكر مزاجها ثم يسيطر عليها الاكتئاب، حسبما حاولت أنابل شرح حالتها.
قالت أنابل إن هذا الاكتئاب يبدأ أحيانا من بعض الأرق الذي يعتبر أحد أعراض مرض الاكتئاب إلى جانب مشاكل التركيز وفقدان الحافز على الحياة وتراجع الثقة بالنفس "حيث تظن أنابل أنها لا قيمة لها وأن الجميع تآمروا عليها"، حسبما تحكي أمها باندهاش.
ولا تعرف الأم مصدر هذه الأفكار التي تنتاب ابنتها وتخاف عليها ولا تعرف ما الذي يدور بخلدها.
ربما استفادت والدة أنابل من تبادل تجارب الآباء الآخرين الذين يعانون من مشاكل مشابهة مع أولادهم حسبما أوضحت يوليا ايبهارت، مديرة مشروع فيديو (مكافحة الاكتئاب على الانترنت)، وهو عبارة عن موقع إلكتروني لتبادل الآراء بشأن الاكتئاب بين المصابين وذويهم بشكل مجهول.
وتوضح ايبهارت أن "الكثير من الشباب يعانون من مشكلات مثل مشكلة التحرش من قبل أقرانهم ومشكلة تدني الأداء المدرسي والتعامل مع آبائهم".
لا تريد التلميذة أنابل التشاور مع غرباء بشأن حالتها النفسية لأنها تجد صعوبة في ذلك "وبدلا من ذلك فهي تتحدث مع غيرها من الشباب المصابين بالاكتئاب والذين تعرفت عليهم من خلال علاجها النفسي، هذا أمر لا يعجبني أبدا". حسبما أكدت أمها، مضيفة: "فأنا لا أعرف فيما يتحدث هؤلاء مع بعضهم البعض وما إذا كانوا يتطرقون إلى أفكار حمقاء".
هذه الأفكار الحمقاء هي الأفكار المتعلقة بالانتحار، وهو أمر ليس نادرا لدى الشباب المصابين بالاكتئاب، حسبما أوضح البروفيسور هولتمان المتخصص في الطب النفسي لدى الأطفال والشبيبة.
أما أنابل فالتزمت الصمت تجاه هذا الكلام واكتفت بهز رأسها مدافعة عن نفسها، ثم ابتسمت مرة أخيرة وصافحتني قبل أن تنسحب إلى غرفتها.



حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
TT

حزن في مصر لرحيل «القبطان» نبيل الحلفاوي... رجل «الأدوار الوطنية»

نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)
نبيل الحلفاوي في لقطة من مسلسل «رأفت الهجان» (يوتيوب)

سادت حالة من الحزن في الوسطين الفني والرسمي المصري، إثر الإعلان عن وفاة الفنان نبيل الحلفاوي، ظهر الأحد، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

وكان الحلفاوي قد نُقل إلى غرفة العناية المركزة في أحد المستشفيات، الثلاثاء الماضي، إثر تعرضه لوعكة صحية مفاجئة، وهو ما أشعل حالة من الدّعم والتضامن معه، عبر جميع منصات التواصل الاجتماعي.

ونعى رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الفنان الراحل، وقال في بيان: «كان الفقيد قامة فنية شامخة؛ إذ قدّم عبر سنوات إبداعه الطويلة أعمالاً فنية جادة، وساهم في تجسيد بطولات وطنية عظيمة، وتخليد شخوص مصرية حقيقية خالصة، وتظلّ أعماله ماثلة في وجدان المُشاهد المصري والعربي».

الفنان الراحل نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

وعبّر عددٌ من الفنانين والمشاهير عن صدمتهم من رحيل الحلفاوي. منهم الفنانة بشرى: «سنفتقدك جداً أيها المحترم المثقف الأستاذ»، مضيفة في منشور عبر «إنستغرام»: «هتوحشنا مواقفك اللي هتفضل محفورة في الذاكرة والتاريخ، الوداع لرجل نادرٍ في هذا الزمان».

وكتبت الفنانة حنان مطاوع: «رحل واحدٌ من أحب وأغلى الناس على قلبي، ربنا يرحمه ويصبّر قلب خالد ووليد وكل محبيه»، مرفقة التعليق بصورة تجمعها به عبر صفحتها على «إنستغرام».

الراحل مع أحفاده (حسابه على «إكس»)

وعدّ الناقد الفني طارق الشناوي الفنان الراحل بأنه «استعاد حضوره المكثف لدى الأجيال الجديدة من خلال منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتاد أن يتصدّر الترند في الكرة والسياسة والفن»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الحلفاوي رغم موهبته اللافتة المدهشة وتربيته الفنية الرّاسخة من خلال المعهد العالي للفنون المسرحية، لم يُحقّق نجوميةَ الصف الأول أو البطل المطلق».

وعبر منصة «إكس»، علّق الإعلامي اللبناني نيشان قائلاً: «وداعاً للقدير نبيل الحلفاوي. أثرى الشاشة برقِي ودمَغ في قلوبنا. فقدنا قامة فنية مصرية عربية عظيمة».

ووصف الناقد الفني محمد عبد الرحمن الفنان الراحل بأنه «صاحب بصمة خاصة، عنوانها (السهل الممتنع) عبر أدوار أيقونية عدّة، خصوصاً على مستوى المسلسلات التلفزيونية التي برع في كثير منها»، لافتاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السينما خسرت الحلفاوي ولم تستفِد من موهبته الفذّة إلا في أعمال قليلة، أبرزها فيلم (الطريق إلى إيلات)».

حنان مطاوع مع الحلفاوي (حسابها على «إنستغرام»)

وُلد نبيل الحلفاوي في حي السيدة زينب الشعبي عام 1947، وفور تخرجه في كلية التجارة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج فيه عام 1970، ومن ثَمّ اتجه لاحقاً إلى التلفزيون، وقدّم أول أعماله من خلال المسلسل الديني الشهير «لا إله إلا الله» عام 1980.

ومن أبرز أعمال الحلفاوي «رأفت الهجان» عام 1990 الذي اشتهر فيه بشخصية ضابط المخابرات المصري «نديم قلب الأسد» التي جسدها بأداءٍ يجمع بين النبرة الهادئة والصّرامة والجدية المخيفة، بجانب مسلسل «غوايش» و«الزيني بركات» 1995، و«زيزينيا» 1997، و«دهشة» 2014، و«ونوس» 2016.

مع الراحل سعد أردش (حسابه على «إكس»)

وتُعدّ تجربته في فيلم «الطريق إلى إيلات» إنتاج 1994 الأشهر في مسيرته السينمائية، التي جسّد فيها دور قبطانٍ بحريّ في الجيش المصري «العقيد محمود» إبان «حرب الاستنزاف» بين مصر وإسرائيل.

وبسبب شهرة هذا الدور، أطلق عليه كثيرون لقب «قبطان تويتر» نظراً لنشاطه المكثف عبر موقع «إكس»، الذي عوّض غيابه عن الأضواء في السنوات الأخيرة، وتميّز فيه بدفاعه المستميت عن النادي الأهلي المصري، حتى إن البعض أطلق عليه «كبير مشجعي الأهلاوية».

نبيل الحلفاوي (حسابه على «إكس»)

ووفق الناقد محمود عبد الشكور، فإن «مسيرة الحلفاوي اتّسمت بالجمع بين الموهبة والثقافة، مع دقة الاختيارات، وعدم اللهاث وراءَ أي دور لمجرد وجوده، وهو ما جعله يتميّز في الأدوار الوطنية وأدوار الشّر على حد سواء»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «لم يَنل ما يستحق على مستوى التكريم الرسمي، لكن رصيده من المحبة في قلوب الملايين من جميع الأجيال ومن المحيط إلى الخليج هو التعويض الأجمل عن التكريم الرسمي»، وفق تعبيره.