كيف سينتهي صراع الفنان مع الآلة الحديثة؟

أسئلة مثارة حول الرسم الرقـمي والفـن الإلكتروني

كيف سينتهي صراع الفنان مع الآلة الحديثة؟
TT

كيف سينتهي صراع الفنان مع الآلة الحديثة؟

كيف سينتهي صراع الفنان مع الآلة الحديثة؟

من التساؤل الأول لفهم الوجود يجيء الفـن كمنطقة مفتوحة للبحث والكشف والاقتناص عن طرق جديدة للتعبير والتفسير. فليس، مثلا، إيمان الفنان بأن هناك طرقا فنية أخرى لم تزل بحاجة إلى أن يجوب فيها الأماكن والأفكار باحثا عن عوالمها المعرفية والجمالية، إلا مستوى من مستويات بحثه الطويل عن الاختلاف الداخلي الذي يعيشه في عصر جديد وتقني مختلف.
وحينما نتحدث عن الرسم الرقمي، نكون قد دخلنا إلى منطقة أخرى، هي أقرب للمادية التقنية الجافة منها إلى الروحية الغائية التي كانت تبحث سابقا في جوهر الفن، إنها منطقة تعتمد على الحاسوب، من خلال استخدام الآلة الإلكترونية وبرامج الفوتوشوب، والماسح الضوئي، وبرامج التحريك البصري التي بدأ فيها فنان هذا النوع من الفن الجديد الاستغناء، إلى حد كبير، عن الريشة والفرشاة ورائحة الألوان التي رافقته زمنا طويلا.
وليس السؤال الفلسفي لوجودية هذا الفن والبحث في نشأته إلا طريقة مغايرة في التاريخية التي يسعى فنان هذا العصر غالبا إلى إخراجها من وعيه الفني الذي يختبئ بداخله إلى أشكال فنية مكشوفة تحكي عن المجتمع والحياة.
وبطريقة أكثر وعيا بالمستقبل، نصل إلى أنه لا نستطيع الآن تحديد الأطر التي يمكن من خلالها فهم مدلول مساهمة الرسم الرقمي في تطوير الساحة الفنية، لأن طبيعة المشهد التشكيلي العربي ما تزال تعيش اضطرابها الفني، الذي هو صورة أخرى لاضطراب الفنان مع أزمته الذاتية المتصلة بأزمة العصر وانعدام النخبة من المثقفين المتذوقين لهذه الأنواع الفنية الجديدة.
فالثورة المعلوماتية المتصلة بالإلكترونيك، من ظهور تقنيات وأسماء جديدة كالبلوتوث ورسائل msm وsms في الجوال، والشات، والإيميل، والماسنجر، وBB وغيرها من برامج التصوير الضوئي، وتعديل ملمح الصورة، ووسائل التواصل البصري كالـ«إنستغرام»، والـ«فيس بوك»، وغيرها جعلت فنان هذا العصر يعيش صراعه الجديد مع الآلة الحديثة ليخلق من خلالها طرقا جديدة للتعبير والتواصل والتي أخذت موقعها فيما بعد عالم الاحتراف الفني والكتابي.
إن خطورة الرسم الرقمي لا تكمن في حقيقته الإلكترونية بقدر ما تكمن في كونه فنا إبداعيا له من الرؤى الفنية ما للتشكيل من رؤى وأفكار، فهو فن مهم ويتصل بالرسوم الحديثة للأفلام الكارتونية في هوليود، وفي البرامج الدعائية، وفي الأفلام السينمائية القائمة على حركة الشخصيات والأضواء المنبعثة من تقنية عالية الجودة في التصميم الإخراجي للصورة.
ومن يتأمل الفنان التشكيلي السعودي مثلا، فسيدرك جيدا أن الذين تقبلوا هذا النوع من الفن ليسوا هم من الفنانين التشكيليين في الغالب، بل هم من احترف دورات الفوتوشوب سابقا واشتغل على برامج إلكترونية متنوعة قريبة من ثلاثية الأبعاد، ونظم البرمجة، وبرامج الـ«إكس ثري» وغيرها. الأمر الذي سيجعلنا نفكر طويلا في نوعية الفنان القادم عبر هذا النوع من الفن في كونه شخصا مختلفا عن الفنان الذي اعتدناه سابقا، مما يؤكد أن ذلك سيدخل في اختلاف الطريقة والرؤية التي سوف تكون عليها فنون المستقبل.
* ناقد تشكيلي سعودي



مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي
TT

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

مجلة «القافلة» السعودية: تراجع «القراءة العميقة» في العصر الرقمي

في عددها الجديد، نشرت مجلة «القافلة» الثقافية، التي تصدرها شركة «أرامكو السعودية»، مجموعة من الموضوعات الثقافية والعلمية، تناولت مفهوم الثقافة بالتساؤل عن معناها ومغزاها في ظل متغيرات عصر العولمة، وعرّجت على الدور الذي تضطلع به وزارة الثقافة السعودية في تفعيل المعاني الإيجابية التي تتصل بهذا المفهوم، منها إبراز الهويَّة والتواصل مع الآخر.

كما أثارت المجلة في العدد الجديد لشهري نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول) 2024 (العدد 707)، نقاشاً يرصد آفاق تطور النقل العام في الحواضر الكُبرى، في ضوء الاستعدادات التي تعيشها العاصمة السعودية لاستقبال مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض».

وفي زاوية «بداية كلام» استطلعت المجلة موضوع «القراءة العميقة» وتراجعها في العصر الرقمي، باستضافة عدد من المشاركين ضمن النسخة التاسعة من مسابقة «اقرأ» السنوية، التي اختتمها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي «إثراء» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي السياق نفسه، تطرّق عبد الله الحواس في زاوية «قول في مقال» إلى الحديث عن هذه «المسابقة الكشافة»، التي تستمد حضورها من أهمية القراءة وأثرها في حياتنا.

في باب «أدب وفنون»، قدَّم قيس عبد اللطيف قراءة حول عدد من أفلام السينما السعودية لمخرجين شباب من المنطقة الشرقية من المملكة، مسلطاً الضوء على ما تتناوله من هموم الحياة اليومية؛ إذ يأتي ذلك بالتزامن مع الموسم الخامس لـ«الشرقية تُبدع»، مبادرة الشراكة المجتمعية التي تحتفي بـ«الإبداع من عمق الشرقية».

وفي «رأي ثقافي»، أوضح أستاذ السرديات وعضو جائزة «القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، د. حسن النعمي، دور الجائزة في صناعة مشهد مختلف، بينما حلَّ الشاعر عبد الله العنزي، والخطّاط حسن آل رضوان في ضيافة زاويتي «شعر» و«فرشاة وإزميل»، وتناول أحمد عبد اللطيف عالم «ما بعد الرواية» في الأدب الإسباني، بينما استذكر عبد السلام بنعبد العالي الدور الأكاديمي البارز للروائي والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي. أما علي فايع فكتب عن «المبدع الميّت في قبضة الأحياء»، متسائلاً بصوت مسموع عن مصير النتاج الأدبي بعد أن يرحل صاحبه عن عالم الضوء.

في باب «علوم وتكنولوجيا»، تناولت د. يمنى كفوري «تقنيات التحرير الجيني العلاجية»، وما تعِد به من إمكانية إحداث ثورة في رعاية المرضى، رغم ما تنطوي عليه أيضاً من تحديات أخلاقية وتنظيمية. وعن عالم الذرَّة، كتب د. محمد هويدي مستكشفاً تقنيات «مسرِّعات الجسيمات»، التي تستكمل بالفيزياء استكشاف ما بدأته الفلسفة.

كما تناول مازن عبد العزيز «أفكاراً خارجة عن المألوف يجمح إليها خيال الأوساط العلمية»، منها مشروع حجب الشمس الذي يسعى إلى إيجاد حل يعالج ظاهرة الاحتباس الحراري. أما غسّان مراد فعقد مقارنة بين ظاهرة انتقال الأفكار عبر «الميمات» الرقمية، وطريقة انتقال الصفات الوراثية عبر الجينات.

في باب «آفاق»، كتب عبد الرحمن الصايل عن دور المواسم الرياضية الكُبرى في الدفع باتجاه إعادة هندسة المدن وتطويرها، متأملاً الدروس المستفادة من ضوء تجارب عالمية في هذا المضمار. ويأخذنا مصلح جميل عبر «عين وعدسة» في جولة تستطلع معالم مدينة موسكو بين موسمي الشتاء والصيف. ويعود محمد الصالح وفريق «القافلة» إلى «الطبيعة»، لتسليط الضوء على أهمية الخدمات البيئية التي يقدِّمها إليها التنوع الحيوي. كما تناقش هند السليمان «المقاهي»، في ظل ما تأخذه من زخم ثقافي يحوِّلها إلى مساحات نابضة بالحياة في المملكة.

ومع اقتراب الموعد المرتقب لافتتاح قطار الأنفاق لمدينة الرياض ضمن مشروع «الملك عبد العزيز للنقل العام»، ناقشت «قضية العدد» موضوع النقل العام، إذ تناول د. عبد العزيز بن أحمد حنش وفريق التحرير الضرورات العصرية التي جعلت من النقل العام حاجة ملحة لا غنى عنها في الحواضر الكبرى والمدن العصرية؛ فيما فصَّل بيتر هاريغان الحديث عن شبكة النقل العام الجديدة في الرياض وارتباطها بمفهوم «التطوير الحضري الموجّه بالنقل».

وتناول «ملف العدد» موضوعاً عن «المركب»، وفيه تستطلع مهى قمر الدين ما يتسع له المجال من أوجه هذا الإبداع الإنساني الذي استمر أكثر من ستة آلاف سنة في تطوير وسائل ركوب البحر. وتتوقف بشكل خاص أمام المراكب الشراعية في الخليج العربي التي ميَّزت هذه المنطقة من العالم، وتحوَّلت إلى رمز من رموزها وإرثها الحضاري.