الفلسطينيون يتحدّون قرار إغلاق باب الرحمة: فُتح ولن يغلق

{حماس} تتهم إسرائيل بالسعي إلى تحويل المصلى لكنيس

مصلون في باحة المسجد الأقصى يراعون التباعد يوم الجمعة الماضي (أ.ب)
مصلون في باحة المسجد الأقصى يراعون التباعد يوم الجمعة الماضي (أ.ب)
TT

الفلسطينيون يتحدّون قرار إغلاق باب الرحمة: فُتح ولن يغلق

مصلون في باحة المسجد الأقصى يراعون التباعد يوم الجمعة الماضي (أ.ب)
مصلون في باحة المسجد الأقصى يراعون التباعد يوم الجمعة الماضي (أ.ب)

قال مسؤولون سياسيون ودينيون فلسطينيون، إن مصلى باب الرحمة سيبقى مفتوحاً رغم قرار محكمة إسرائيلية بإغلاقه، متحدين بذلك السلطات الإسرائيلية في المدينة، في خضم معركة مستمرة منذ العام الماضي.
وأكد الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى، أن مصلى باب الرحمة جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ولا يخضع لقرارات المحاكم الإسرائيلية، وبناء عليه سيبقى مفتوحاً، كما أعلن رئيس الهيئة الإسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري، من أن مصلى باب الرحمة فتح ولن يغلق ثانية.
جاء ذلك رداً على كتاب أرسلته مديرية شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس إلى دائرة الأوقاف الإسلامية، للتعامل مع قرار من محكمة إسرائيلية يقضي بإغلاق مصلى باب الرحمة بشكل نهائي. وقالت دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، إنها لا تتعاطى مع المحاكم الإسرائيلية «لأنها ليست ذات صلاحية وليست ذات اختصاص، وهذا ما قررته الهيئة الإسلامية العليا منذ شهر يونيو (حزيران) من عام 1967».
وقرار المحكمة الإسرائيلية هو الأحدث في سلسلة مناورات بين السلطات الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس، حول المصلى الذي فتحه مصلون بالقوة بداية العام الماضي بعد 16 عاماً من إغلاقه. وردت إسرائيل بحملة اعتقالات وإبعاد مسؤولين سياسيين ودينيين عن المسجد، وأصدرت قرارات بضرورة إغلاقه، وأمهلت الأوقاف أكثر من مرة من أجل تنفيذ القرار. لكن المملكة الأردنية بصفتها راعية المقدسات في القدس، رفضت فكرة الإغلاق نهائياً. وتشعل المسألة مخاوف من تدهور أمني وتصعيد على الأرض وأزمات سياسية كذلك. وأكدت حركة حماس، أمس، أن أي مساس بالمسجد الأقصى سيعني إشعال الحرب، وأن الاحتلال سيدفع ثمن تعدياته على المسجد المبارك.
وجاء في بيان لحماس، في الذكرى الثالثة لهبّة باب الأسباط في السادس عشر من يوليو (تموز) عام 2017، التي تمر مع قرار الاحتلال بإغلاق باب الرحمة، أن «هذا المخطط الخطير لن يمر ولن يمرره المقدسيون، موجهة التحية للمرابطين بالقدس والأقصى في مواجهة مخططات الاحتلال الرامية لإفراغ الأقصى من الفلسطينيين».
واتهمت حماس، إسرائيل، بالعمل على تحويل مصلى الرحمة لكنيس. وثمنت موقف المرجعيات والهيئات الإسلامية في المسجد الأقصى، التي أعلنت، أمس، أن مصلى باب الرحمة هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى الذي هو حق للمسلمين وحدهم، وأن هذه المرجعيات والهيئات لن تلجأ لمحاكم الاحتلال غير المعترف بها.
كما دعت الحركة، منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية إلى التحرك سريعاً لوقف الخطر الذي بات يتجول في جنبات الأقصى، واستخدام كل السبل للضرب على يد الاحتلال ومنعه من تحقيق مآربه.
وجاء بيان حماس، بعد بيان للأوقاف التابعة للسلطة الفلسطينية، استنكرت فيه، قرار محكمة الاحتلال بإغلاق مصلى باب الرحمة، ووصفته عدواناً واضحاً على الحريات الدينية للمسلمين وأماكن عبادتهم. ودعت الأوقاف المجتمع الدولي والأمتين العربية والإسلامية، إلى العمل على الحد من هذه الانتهاكات التي تنذر بخطر كبير قد يلقي بظله على المنطقة بأسرها. وقالت الهيئات الدينية المتمثلة في «دائرة قاضي القضاة، والهيئة الإسلامية العليا، ومجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، ودار الإفتاء في القدس، إن «الأقصى أسمى من أن يخضع لأي قرار صادر عن المحاكم على اختلاف درجاتها، أو أي قرار سياسي، وأن المسلمين لا يقرون ولا يعترفون بهذه القرارات الاحتلالية غير القانونية، وبالتالي لا يلتزمون بها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.