مفاوضات السد الإثيوبي تتعثر «أفريقياً»... وعودة مصرية منتظرة لمجلس الأمن

القاهرة تراقب أنباء ملء الخزان وتحذّر أديس أبابا من «إجراءات أحادية»

نشرت «أسوشيتد برس» الأميركية أمس صوراً جديدة بالأقمار الصناعية كشفت زيادة مياه الخزان الكامن وراء «سد النهضة» (أ.ب)
نشرت «أسوشيتد برس» الأميركية أمس صوراً جديدة بالأقمار الصناعية كشفت زيادة مياه الخزان الكامن وراء «سد النهضة» (أ.ب)
TT

مفاوضات السد الإثيوبي تتعثر «أفريقياً»... وعودة مصرية منتظرة لمجلس الأمن

نشرت «أسوشيتد برس» الأميركية أمس صوراً جديدة بالأقمار الصناعية كشفت زيادة مياه الخزان الكامن وراء «سد النهضة» (أ.ب)
نشرت «أسوشيتد برس» الأميركية أمس صوراً جديدة بالأقمار الصناعية كشفت زيادة مياه الخزان الكامن وراء «سد النهضة» (أ.ب)

في مشهد متكرر، تعثرت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان حيال «سد النهضة»، التي استؤنفت أخيراً، برعاية من الاتحاد الأفريقي. الأمر الذي يتوقع أن يُحيي مطلباً مصرياً سابقاً، بتدخل مجلس الأمن الدولي لوضع حد للنزاع، باعتباره «مهدداً للأمن والسلم الدوليين»، بحسب مراقبين.
تزامن التعثر «المتوقع» للمفاوضات، التي دامت نحو أسبوعين، مع نشر صور بدقة عالية للسد المقام على «النيل الأزرق»، أظهرت زيادة في مياه الخزان؛ حيث ترفض إثيوبيا التفاهم مع مصر والسودان على آلية ملئه. وقال مصدر مصري لـ«الشرق الأوسط» إنها «تراقب الموقف الراهن عن كثب، ومع قرب انتهاء الفيضان سوف يمكن التعرف على حقيقة تخزين المياه». فيما جدد وزير الخارجية المصري سامح شكري، تحذيره لإثيوبيا من اتخاذ أي «إجراءات أحادية».
واختتمت المحادثات التي رعاها الاتحاد الأفريقي بحضور وزراء المياه في الدول الثلاث، بالإضافة إلى مراقبين دوليين، أول من أمس، دون التوصل إلى اتفاق حول النقاط الفنية والقانونية العالقة. وقالت الحكومة المصرية إن المحادثات «عكست استمرار الخلافات حول القضايا الرئيسية بشأن قواعد ملء وتشغيل السد».
واتفقت الأطراف المشاركة، على قيام كل دولة برفع تقريرها النهائي عن مسار المفاوضات، إلى جنوب أفريقيا بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، تمهيداً لعقد قمة أفريقية مصغرة. وقال شكري، في تصريحات متلفزة، مساء الاثنين، إنه «ستكون هناك فرصة للرؤساء أن يتداولوا الأمر خلال الاجتماع القادم لقمة الاتحاد الأفريقي، ويقرروا ما يراه كل منهم مناسباً في إطار الخطوة القادمة»، مؤكداً أن «بلاده ملتزمة بعدم اتخاذ إجراءات أحادية»، وطالب الأطراف كافة «باحترام هذه التعهدات». وتخشى مصر من المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، وتطالب باتفاق حول ملفات، بينها أمان السد وتحديد قواعد ملئه في أوقات الجفاف والجفاف الممتد. بينما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر ولا السودان، وإن الهدف الأساسي للسد هو توليد الكهرباء.
ونشرت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية، أمس، صوراً جديدة للسد بالأقمار الصناعية كشفت زيادة مياه الخزان الكامن وراء السد. غير أن خبير المياه المصري، الدكتور عباس شراقي، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن ازدياد تجمع المياه أمام السد لا يشير بالضرورة إلى بدء إثيوبيا عملية الملء.

وأوضح شراقي أن «تجمع المياه ارتفع حتى منسوب 530 مليار متر مكعب واحد، مع استمرار تدفق المياه من خلال فتحات السد الأربع، وسوف يزداد هذا التجمع إلى أن يصل إلى منسوب 565 بنهاية يوليو (تموز) وأوائل أغسطس (آب)، وتظل هذه البحيرة المؤقتة إلى نهاية سبتمبر (أيلول) حيث تنخفض الأمطار، ومعها ينخفض منسوب البحيرة عن 565 حال استمرار البوابات الأربع مفتوحة، أو تظل محجوزة حال إغلاق البوابات الأربع، وفي هذه الحالة يعتبر تخزيناً». وأضاف: «المليارات الخمسة تجمع وتخزن طوال شهري أغسطس وسبتمبر، بعدها يتم معرفة هل هي تجمع أم تخزين».
ودخل الاتحاد الأفريقي على خط النزاع، الدائر منذ نحو 10 أعوام، عبر قمة افتراضية، نهاية يونيو (حزيران) الماضي، لزعماء مصر وإثيوبيا والسودان، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوسا، أفضت إلى تشكيل لجنة لحلّ القضايا العالقة والتوصل على اتفاق في غضون أسبوعين.
ولا يمثل فشل المسار الأفريقي مفاجأة للمتابعين، في ظل تعثر سابق لرعاية أميركية نهاية العام الماضي. يقول السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية المصري السابق: «ندرك مقدماً المآلات المؤسفة التي انتهت إليها بالفعل المفاوضات، لكن (مصر) قبلت الانخراط فيها فقط من قبيل المواءمة السياسية، والتحرك في أكثر من مسار دفاعاً عن حقها في الحياة». وأكد الدبلوماسي المصري، في تحليل نشره عبر «فيسبوك»: «إثيوبيا لن تقبل بأي اتفاق يضع أي قيد ولو شكلياً على ما تراه حقها في التصرف في النيل الأزرق... ولا تكترث بحقائق التاريخ والجغرافيا ولا بقواعد العرف والقانون الدولي، وهذا هو لبّ وجوهر الخلاف بين مصر وإثيوبيا». وهو خلاف «لن تحسمه المفاوضات وحسن النوايا، مالم تقترن بقوة ضاغطة تجبر إثيوبيا على التوقف عن التشبث بهذه الأحلام». وتوقع مرسي أن يستأنف مجلس الأمن بحث القضية، إما بطلب من مصر، وإما بطلب من إحدى دول المجلس مثل فرنسا أو ألمانيا. ويعتقد الخبير في الشأن الأفريقي، الدكتور حمدي عبد الرحمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه على المدى القصير يمكن لمصر العودة مرة أخرى لمجلس الأمن باعتبارها قضية تهدد السلم والأمن الأفريقي، خاصة أن مشروع القرار المصري ما زال موجوداً. حتى في ظل الملء الأول الأحادي 4.9 مليار متر مكعب لن يؤثر على مصر، وفي هذه الحالة يتم اتخاذ خطوات تصعيدية لإظهار عدم مشروعية السد والتصرفات الأحادية الإثيوبية. في المقابل، اتهمت وزارة المياه والري الإثيوبية، مصر والسودان، أمس، «بتبني مواقف متعنتة ومطالب مبالغ فيها، ما حال دون التوصل لاتفاق». وأكدت الوزارة في بيان، أن «التحدي الأكبر هو غياب معاهدة شاملة تحكم العلاقات بين إثيوبيا ومصر والسودان فيما يخص مياه النيل». وأبدت أديس أبابا تفاؤلها بأن تستمر المفاوضات بعد أن يطلع رئيس الاتحاد الأفريقي وأعضاء مكتب الاتحاد الأفريقي وزعماء إثيوبيا والسودان ومصر على النتائج التي تم التوصل لها حتى الآن. ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية، عن المفاوض الإثيوبي يعقوب أرسانو قوله إن «عملية المفاوضات بين الدول الثلاث مستمرة»، غير أنه قال إن مصر لم تطلب في المفاوضات الحالية «أن تتحكم في مياه نهر النيل فقط، بل في جميع الروافد التي تدعم نهر النيل، وهذا أمر مرفوض تماماً».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.