«الجيش الوطني» الليبي يتوعّد تركيا بالهزيمة

واشنطن تهدد بمعاقبة «من يتشبثون بالتصعيد»... و«مؤسسة النفط» تدعو إلى تدخل مجلس الأمن

TT

«الجيش الوطني» الليبي يتوعّد تركيا بالهزيمة

عززت «حكومة الوفاق» الليبية برئاسة فائز السراج، حجم ونوعية قواتها حول مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية، في إطار استعداداتها لخوض معركة عسكرية. وتصاعدت التكهنات بقرب اندلاع معركة حول سرت، بعدما اعتبرت تركيا الحليف الأهم لحكومة الوفاق على لسان وزير خارجيتها التركي مولود جاويش أوغلو، أن «هذه الحكومة لن تستفيد حال إعلان وقف لإطلاق النار الآن على امتداد خطوط القتال الحالية».
لكن مسؤولاً عسكريا بارزا في «الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرد على هذه التصريحات سيكون في الميدان»، متوعدا من وصفهم بـ«ميليشيات الوفاق والغزاة الأتراك والمرتزقة الموالين لأنقرة» بـ«هزيمة فادحة»، كما أكد جاهزية قوات الجيش الوطني لردع أي عدوان.
في المقابل، وعقب ساعات من اجتماعه مع السراج، أعلن العميد إبراهيم بيت المال آمر غرفة عمليات سرت والجفرة، أنه عقد ما وصفه باجتماع استثنائي مساء أول من أمس مع آمري محاور عملية دروب النصر التي تشنها قوات «الوفاق»، للوقوف على المستجدات الميدانية بالمنطقة الواقعة ما بين سرت والجفرة، وما تم رصده من تحشيدات وتحركات مكثفة لقوات الجيش الوطني.
ولفت إلى أنه تم الاتفاق خلال الاجتماع الذي تم بناء على اقتراحه مع السراج بحضور آمري المناطق العسكرية الثلاث التابعة للوفاق، على زيادة الدعم الفني لمحاور هذه العملية وتحسين المنظومة الدفاعية بشكل أكبر وأوسع، إضافة إلى جملة من الأمور، ستحمل في طيّاتها بشائر النصر والانتصارات عما قريب، على حد تعبيره.
وكانت قوات «الوفاق» أعلنت إنشاء «قوة مشتركة» من الوحدات التي شاركت في حرب طرابلس لتأمين مداخل ومخارج المنطقة الغربية وضبط حركة الآليات والأسلحة، بينما قال اللواء أسامة الجويلي قائد غرفة العمليات بقوات الوفاق، إن هذه القوة التي ستضم 1500 مقاتل، ستتولى الحفاظ على الأمن في غرب البلاد.
وجاءت هذه التطورات في وقت امتنع فيه ناطق باسم قيادة القوات الأميركية العاملة في أفريقيا «أفريكوم» عن التعليق على احتمال حدوث مواجهة عسكرية في ليبيا، لكنه أضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد حل عسكري دائم للصراع الليبي»، وشدد على أن «تحقيق السلام يجب أن يتم من خلال العملية السياسية».
والتزمت «أفريكوم» الصمت حيال الغارة الجوية التي تعرضت لها قاعدة الوطية الجوية التابعة لحكومة الوفاق، وقال المتحدث: «نحن على علم بتقارير عن الغارة الجوية على قاعدة الوطية الجوية الأسبوع الماضي... لا يمكننا تقديم أي تحليل أو تكهن حول حدث تم الإبلاغ عنه».
وشنت السفارة الأميركية في بيان لها مساء أول من أمس هجوما حادا على «ما تسمّى بالقوات المسلحة العربية»، وأعربت عن أسفها أنّ الجهود المدعومة من الخارج ضدّ القطاعين الاقتصادي والمالي الليبي، أعاقت التقدم وزادت من خطر المواجهة، بعد عدّة أيام مما وصفته بـ«النشاط الدبلوماسي المكثف بهدف السماح للمؤسسة الوطنية للنفط باستئناف عملها الحيوي وغير السياسي كوسيلة لنزع فتيل التوترات العسكرية».
واعتبرت السفارة أن «غارات مرتزقة فاغنر على مرافق المؤسسة، وكذلك الرسائل المتضاربة المصاغة في عواصم أجنبية والتي نقلتها قوات الجيش الوطني يوم السبت الماضي، أضرّت بجميع الليبيين الذين يسعون من أجل مستقبل آمن ومزدهر»، لافتة إلى أن «العرقلة غير القانونية للتدقيق الذي طال انتظاره للقطاع المصرفي يقوّض رغبة جميع الليبيين في الشفافية الاقتصادية».
وقالت السفارة إن «هذه الإجراءات المخيبة للآمال» لن تمنعها من مواصلة التزامها بالعمل مع المؤسسات الليبية المسؤولة، مثل حكومة الوفاق ومجلس النواب، لحماية سيادة ليبيا، وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ودعم إجماع ليبي على الشفافية في إدارة عائدات النفط والغاز.
ومع أنها أبقت الباب مفتوحاً لجميع من يضعون السلاح جانبا، ويجتمعون في حوار سلمي، توعدت «أولئك الذين يقوّضون الاقتصاد الليبي ويتشبثون بالتصعيد العسكري أنهم سيواجهون العزلة وخطر العقوبات»، في إشارة واضحة إلى المشير حفتر، الذي غمزته أيضاً من قناته بقولها: «نحن واثقون من أنّ الشعب الليبي يرى بوضوح من هو مستعد لمساعدة ليبيا على المضي قدماً ومن اختار بدلاً من ذلك عدم الاكتراث».
ونددت وزارة الخارجية بالحكومة المؤقتة في شرق ليبيا، ببيان السفارة الأميركية، وأبدت أسفها لاحتكار «حكومة السراج غير الدستورية وغير المعتمدة والمنتهية الصلاحية للاقتصاد الوطني ومدخرات الليبيين في مصرف ليبيا المركزي بطرابلس التي استخدمت لجلب المرتزقة الإرهابيين الأجانب من سوريا وبواسطة الحكومة التركية وأمام مرأى ومسمع من العالم أجمع في تحد صارخ للشرعية الدولية».
ودعت السفارة الأميركية للعمل مع مختلف الأطراف الليبية وخاصة قوات الجيش التي رأت أنها تستمد شرعيتها من الشعب الليبي ومن مجلس النواب المنتخب.
من جانبها، أدانت السفارة البريطانية لدى ليبيا، تجدّد إغلاق صادرات النفط الليبي، ما «يُسبب في أضرار كبيرة ودائمة للاقتصاد الليبي»، وقالت في بيان لها أمس: «يجب السماح للمؤسسة الوطنية للنفط، بالعمل دون أي عوائق».
بدورها، دعت مؤسسة النفط الموالية لحكومة الوفاق، مجلس الأمن الدولي إلى محاسبة الدول المسؤولة عن الإغلاق المتجدد لصادرات النفط الليبي. وقالت المؤسسة في بيان لها إنها أُجبرت على إعلان القوة القاهرة على جميع صادرات النفط من ليبيا من أجل الحد من التزاماتها التعاقدية، واتهمت قوات الجيش الوطني بإصدار أوامر السبت الماضي بوقف أي صادرات أخرى، مناقضة موقفها المتعاون الذي أبدته خلال المفاوضات.
لكن أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، قال أمس إن بلاده تدعو «وبالتعاون مع شركائها إلى عودة إنتاج النفط في ليبيا في أقرب وقت ممكن، وتؤكد أهمية وجود ضمانات لمنع العائدات النفطية من إطالة وتأجيج الصراع». وتعهد قرقاش في بيان مقتضب عبر «تويتر» بأن تواصل بلاده «العمل السياسي والدبلوماسي والأولوية لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.