السيسي: مصر تلافت مصاعب الوباء بالإصلاح الاقتصادي

صورة أرشيفية من أبريل المنصرم لشوارع القاهرة قبل فرض حظر التجول (أ.ب)
صورة أرشيفية من أبريل المنصرم لشوارع القاهرة قبل فرض حظر التجول (أ.ب)
TT

السيسي: مصر تلافت مصاعب الوباء بالإصلاح الاقتصادي

صورة أرشيفية من أبريل المنصرم لشوارع القاهرة قبل فرض حظر التجول (أ.ب)
صورة أرشيفية من أبريل المنصرم لشوارع القاهرة قبل فرض حظر التجول (أ.ب)

اعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن بلاده تلافت «المصاعب والأعباء» الناجمة عن فيروس «كورونا المستجد»، بفعل «الإجراءات القاسية لخطة (الإصلاح الاقتصادي) التي بدأ تنفيذها منذ عام 2016».
وقال السيسي، خلال افتتاح عدد من مشروعات الإسكان الاجتماعي، بمحافظة القاهرة، أمس، إن قدرة الدولة على الصمود في أزمة (كورونا)، سببها الإجراءات الاقتصادية، التي وصفها بـ«السند خلال المرحلة الصعبة»، مضيفاً أنه «لولا هذا البرنامج ونجاحه، وتحمل المصريين، لكان الموقف صعباً جداً في الظروف التي يمر بها العالم كله». واستشهد الرئيس المصري بتبعات أزمة «كورونا» على «إيقاف نشاط السياحة وما يمثله من دخل قدره بنحو 14 مليار دولار، وكذلك قطاع الطيران، وحركة التجارة».
واستأنفت مصر، مطلع الشهر الحالي، تشغيل عدد من المنتجعات السياحية في مدن ساحلية، وفق ضوابط صحة، كما استقبلت رحلات الطيران بعد أكثر من 3 أشهر من إغلاق المجال الجوي.
وتعهد السيسي، خلال مداخلته أثناء حفل افتتاح المشروعات الجديدة، بـ«الحسم والحزم من قبل كل السلطات في مواجهة مخالفات البناء العشوائي»، وقال: «إن الدولة لن تتهاون مرة أخرى مع البناء غير المخطط أو المخالف، ويجب أن نتوقف عن منح التراخيص في بعض المناطق، وتشديد الضوابط في مناطق أخرى، وهذه الإجراءات كان يجب أن تتم قبل عشرين سنة».
وزاد السيسي: «في المقابل، كل من يريد الحصول على (شراء) وحدات سكنية من المشروعات التي تنفذها الدولة، سيحصل عليها، وسننفذ شروطاً حازمة وقاسية، ستصل إلى نزع ملكية جراجات (أماكن انتظار السيارات) غير المستغلة في المباني التي مُنحت رخصة للتشييد».
وعدد الرئيس المشكلات التي تكبدتها الدولة جراء البناء غير المخطط، وقال إن «كابلات وخطوط الضغط العالي التي تمثل خطورة صحية، وكان البعض يقيم مباني إلى جوارها، تصدت الدولة لنقلها إلى الأرض بتكلفة 750 مليون جنيه (الدولار 16 جنيهاً مصرياً في المتوسط)»، مشيراً إلى أن «الدولة أنفقت مليارات الجنيهات في 6 سنوات لتحسين جودة الحياة في القاهرة، على خلفية مشكلات البناء غير المخطط».
وتفقد السيسي المرحلة الثالثة من مشروع «مدينة الأسمرات» لتطوير العشوائيات، وتضم 7440 وحدة سكنية، لسكان المناطق العشوائية مجهزة بالكامل، مفروشة بالأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية، مجاناً بدون مقابل، وتسلم الوحدات للمستحقين بنظام الإيجار التمليكي بإيجار رمزي 350 جنيهاً شهرياً.
بدوره، قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إنه «منذ بدء تفشي وباء (كورونا)، كنا نعمل على محورين مهمين، هما الحفاظ على صحة المواطن المصري، وعلى ملايين المواطنين الذين يعملون أعمالاً بسيطة باليومية»، موضحاً أن «صندوق النقد الدولي، ومؤسسات أخرى، توقعت انكماش معدل نمو الاقتصاد العالمي ليكون بالسالب، بينما أشارت التقديرات لمصر بأنها ستكون من الدول القليلة التي لن تتأثر كثيراً بهذه الجائحة، ولن يشهد اقتصادها نمواً بالسالب، بل الإيجاب، وأن التداعيات السلبية لهذه الأزمة ستكون بنسب أقل»، وفق قوله.
وأشار مدبولي إلى «تخصيص 100 مليار جنيه إضافية؛ لتمويل خطة التصدي لـ(كورونا) بشكل عام، وتضمنت الخطة كذلك ضخ 10 مليارات جنيه كاعتمادات إضافية لقطاع الصحة، وتوسيع قاعدة المستفيدين من البطاقات التموينية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.