معاناة السوريين وانتكاسة الأكراد بريشة 3 فنانين

الكاريكاتير... فن الشارع ونبضه ومرآة أحواله

عمل بعنوان نزوح للفنان ياسر الأحمد
عمل بعنوان نزوح للفنان ياسر الأحمد
TT

معاناة السوريين وانتكاسة الأكراد بريشة 3 فنانين

عمل بعنوان نزوح للفنان ياسر الأحمد
عمل بعنوان نزوح للفنان ياسر الأحمد

تختصر تجارب ثلاثة فنانين من أكراد سوريا الكاريكاتير على أنه فن الشارع ونبضه، مرآة أحوالهم ومآسيهم وأفراحهم، عكسوا عبر لوحاتهم هموم الأكراد وانتكاساتهم، كما رسموا أعمالاً جسدت معاناة الشعب السوري من ويلات الحرب الدائرة في بلدهم. ليتجاوزا الحدود والجنسيات وسخروا بريشة أقلامهم من الأنظمة الحاكمة التي أوصلت شعوب المنطقة لهذا التردي الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والعامل المشترك بينهم تأثرهم بالفنان الفلسطيني ناجي العلي وتوقيعه الشهير الطفل حنظلة.
في لوحته التي حملت اسم «نزوح» واختزلت معاناة عائلة سورية فرت من بلدها فوق فوهات البنادق، حصد الفنان الكردي ياسر الأحمد «جائزة الصحافة العربية» في دورتها الماضية 2019 عن فئة الرسم الكاريكاتوري، أما جواد مراد المتحدر من بلدة المالكية أو «ديريك» بحسب تسميتها الكردية، ينتمي لعائلة سياسية عكست على أفكاره واتخذ الكاريكاتير تعبيراً للسخرية على الواقع الحالي الذي تعيشه شعوب المنطقة، بينما نقل الفنان عصام عيسى تأثره بالفنان السوري الراحل ممتاز البحرة وجذبته رسومه المدرسية منذ مراحل تعليمه الأولى.
ياسر الأحمد (43 سنة) المتحدر من مدينة القامشلي وتقع شمال شرقي سوريا، حصد أكثر من 15 جائزة عربية ودولية عن رسوماته، وقال: «إن الكاريكاتير اختارني وأنا بدوري لبيت الدعوة، أرسم منذ 2004 ولم أوفر جهداً لتطوير موهبتي، كنت أجمع أعداد الصحف فقط للظفر بكاريكاتير أستفيد منه، وبعد انتشار الإنترنت استفدت كثيراً»، وعمل مع العديد من الصحف العربية والخليجية المطبوعة والقنوات الإخبارية، وكان عضو لجان تحكيم لأكثر من مهرجان عالمي، وذكر أن الكاريكاتير عابر للحدود والثقافات، مضيفاً: «أغلب ما أرسمه يفهمه كل مشاهد، لكن الإنترنت وسع خارطة الانتشار لذا من واجبي أن أرسم حتى أعطي هذا الفن ما يستحق لتخطي المحلي والوصول إلى كل متابع».
وتختزل لوحة «نزوح» شخصية أب سوري حمل بيد طفله الرضيع أما يده الثانية وضع عليها حقيبة سفر صغيرة ومسك بقوة يدي ابنه محاولاً العبور فوق فوهات بنادق عسكرية مشتعلة، لتسير خلفه زوجته حاملة حراماً أسود اللون وتمسك بيدها الثانية ابنتها التي كانت تبكي، في إشارة إلى معاناة السوريين وفرارهم من منازلهم وبلادهم بعد أن دخلت الحرب عامها التاسع. ولدى حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط»، يقول الأحمد: «لأنني ابن هذا الشارع فالكاريكاتير فن الشارع ونبضه، أعكس أحوالهم ومآسيهم وأفراحهم، أرمي حجراً ولو صغيراً في تلك البركة الراكدة بركة اللامبالاة السلطوية»، واعتبر الكاريكاتير الابن التبني للصحافة الورقية، ولفت قائلاً: «بعد تراجعها أثرت كثيرا على فن الكاريكاتير كمصدر نشر للرسام، وفقد الكثير من الرسامين مصادر دخلهم بتراجع الصحف وتوقفها عن الصدور».
أما الفنان جواد مراد (37 سنة) درس بداية قسم الآثار بجامعة دمشق، ليكمل مشواره العلمي والتحق بمعهد «أدهم إسماعيل» للفنون التشكيلية بدمشق وتخرج فيها ليبدأ مشواره الفني في رسم الكاريكاتير ثم الأنيميشن. في ربيعه 14 شاهد فيلماً عن الفنان الفلسطيني الراحل ناجي العلي لعب دور البطولة الممثل المصري نور الشريف، في ذات الليلة رسم أولى لوحاته ومع مرور الوقت كان يملأ دفاتره المدرسية رسومات متنوعة، وعن تجربته يقول جواد: «لا أحترف الرسم كمصدر رزق ولا أتقاضى أجوراً عن رسوماتي الكاريكاتيرية في معيشيتي، لفكرة تتملكني أنني عندما أرسم أشارك الناس معاناتهم وأنجو بها من مشاحنات سوق العمل أو المساومة على أفكاري»، ودخل لاحقاً مجال الرسوم المتحركة (الأنيميشن) واحترفه كمهنة وأثرت في تطوير إمكانياته وطريقة إخراجه للوحة الكاريكاتيرية، ووصف الكاريكاتير انعكاس حياة الناس وأفكارهم ومستقبلهم، ليقول: «هذه الرسومات الكاريكاتيرية محاولة لفصل بعض الخيوط المتشابكة من هذه الكبكوبة المعقدة، وبشكل خاص فإن كل هذه المواضيع تخصني وتعنيني لذلك أبدي موقفاً منها».
ويروي الفنان الكردي عصام عيسى ابن بلدة الدرباسية التابعة لمحافظة الحسكة، حادثة عندما كان صغيراً وكيف سقطت قطعة رماد من المدفئة واستقرت على سبابته، وقام بحركة سريعة على جدار منزلهم الطيني المطلية بكلس أبيض اللون لتخرج أولى لوحاته. وبعد انطلاقة الحراك المعارض لنظام الحكم في بلده ربيع 2011، انتشرت أعماله في صحف ومواقع سورية وكردية، وقال في حديثه: «كان لها الأثر الكبير بصب العرق بين أصابعي، ولوحاتي تلامس يوميات الحرب، تقف على حطام منزل مدمر أو مع لاجئ سوري، وترفض قطع محتل أشجار الزيتون ويسرق خيراته كمدينة عفرين الكردية».
وأعرب عصام عن تأثره برسومات الكتب المدرسية للفنان السوري الراحل ممتاز البحرة، إلى جانب الفنان الفلسطيني ناجي العلي وأيقونته حنظلة الشخصية، التي: «خطت بقدميها العارية ولباسها المرقع على بياض الورقة وسواد الحبر تسرد معاناة شعب متشبث بأرضه رغم الشتات بين المخيمات وعلى أسلاك غربة الوطن».
لم يخفِ جواد مراد تأثره بالفنان ناجي العلي وتوقيعه الشهير الطفل حنظلة، وأعرب بأنهما يمثلان في كثير من الأحيان: «وجعي وموقفي من الأنظمة العربية ومن الحركة الفلسطينية المنقسمة على ذاتها في مواجهة عدو محتل مثل إسرائيل».
وفي إحدى لوحاته، تظهر رجلان كرديان يلبسان زياً فلكلورياً يتشاجران على جدلية الدجاجة والبيضة؛ لكن السفينة التي كانا يركبانها تكاد تغرق وخلافهما مستمر، في إشارة إلى خلافات الحركة السياسية الكردية بسوريا، وعن مضمونها يقول جواد: «فأنا ككردي يهمني نجاح الحوار الكردي - الكردي لكن لا أستطيع تجاهل أن الحوار تم في بقعة جغرافية اسمها القامشلي بنطاق 50 كيلومتراً يوجد الأميركان والأتراك والنظام وإيران وروسيا والمرتزقة وفلول داعش».
في حين اختصر عصام عيسى أزمة بلاده على شكل فنجان مليء نصفه بالدم، كثرت فيها ملاعق على هيئة أعلام الدول الفاعلة بالحرب السورية، وفي لوحة ثانية يقدم مواطن سوري يقف وسط دمار وحطام أبنية لجوئه إلى القمر الذي شاح وجهه عنه، ويرى أن المعاناة لدى شعوب الشرق الأوسط تكاد تتشابه ولا يفصل بينها إلا خط رفيع يرسمها فنان الكاريكاتير، وقال: «فمشاهد الحرب والأزمات طاغية على البشرية على حساب السلام، والكاريكاتير منبر قوي لهذه الدعوة بين كل الشعوب المضطهدة والمظلومة، وأسرع من أعين سلطة غاضبة، كما يساند شعب يتشفى ويكفف آلامه اليومية».
ويرى ياسر الأحمد أن وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات السوشيال ميديا ساهمت بفتح منابر جديدة، في وقت طالب الصحافة الكردية والإعلام المحلي بإيلاء الاهتمام لهذا الفن، وانتقد الصحافة الكردية قائلاً: «تعاملت مع الكاريكاتير كجنس غريب عن عالم الصحافة وأنا قصرت من هذه الناحية بالذات، كوني انشغلت بالرسم في الصحافة العربية ولها عالمها ومحاورها الخاصة البعيدة عن المحور الكردي».
بينما شدد الفنان جواد مراد على أن منصات التواصل الاجتماعي قللت التحديات أمام انتشار فن الكاريكاتير: «كونها فتحت فضاءات أوسع أمام الرسامين، لكن تبقى علاقتنا مع الصحافة الورقية أساسية، ومنبرا لمحاكاة الواقع والإطلالة على الجمهور».
ويعتمد الفنان عصام عيسى شخصية «يكو - Yeko» أو واحد بالعربية توقيعاً له، ذلك الطفل الكردي صاحب اللباس الفضفاض والرقع الأربعة للدلالة على البلدان التي يسكنها الأكراد، في محاكاة حنظلة الفلسطيني في رحلاته المتعثرة والثائرة في وجه المحتل. وفي نهاية حديثه أكد على أن فن الكاريكاتير لا ينحاز للشعوب فقط إنما يعيش في حناجرها وينام بين شقوق أيادي الكادحين والفلاحين والعمال، وقال: «لترقع ملابس الفقراء والمحتاجين وتتحول لخيمة لاجئ وقارب مهاجر ورصاصة مقاتل يدافع عن تاريخه، وقاضٍ عادل في وجه السلطات والحكومات عندما تسلب حقوق شعوبها أو تحتل غير أراضيها».



كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟
TT

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

كيف يؤثر اعتماد الفيديو مصدراً للأخبار على الناشرين؟

مرة أخرى يبرز الفيديو وسيلةً أساسية لنشر الأخبار؛ لا سيما لدى فئة الشباب والمراهقين، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن تأثير زيادة شعبية مقاطع الفيديو القصيرة على الناشرين. وعدَّ خبراء أنه ينبغي لوسائل الإعلام التكيف مع هذه التطورات، والاستثمار بشكل أوسع في تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزّز، والذكاء الاصطناعي.

فقد كشف تقرير الإعلام الرقمي السنوي، الذي أصدره معهد «رويترز» لدراسة الصحافة، في منتصف شهر يونيو (حزيران) المنقضي، عن «زيادة أهمية الفيديو بوصفه مصدراً للمعلومات عبر الإنترنت؛ خصوصاً بين الشباب». وقال مدير المعهد، راسموس نيلسن، في مقدمة التقرير السنوي لعام 2024 «سيجب على الصحافيين ووسائل الإعلام أن يبذلوا جهداً أكبر لجذب انتباه الجمهور، ناهيك من إقناعه بدفع المال مقابل الحصول على الأخبار».

التقرير بنى نتائجه على استطلاعات الرأي التي أجرتها شركة «يوغوف» عبر الإنترنت، على 95 ألف شخص في 47 دولة. وجاءت النتائج لتؤكد الاتجاهات التي لوحظت بالفعل في السنوات السابقة؛ حيث أشار ثلثا المشاركين في الاستطلاع على مستوى العالم، إلى أنهم يشاهدون مقطع فيديو قصيراً واحداً على الأقل (بضع دقائق) حول موضوع إخباري، كل أسبوع. وأوضح التقرير –أيضاً- أن 72 في المائة من مشاهدات الفيديو تجري على منصات التواصل الاجتماعي، مقابل 22 في المائة فقط على المواقع الخاصة بوسائل الإعلام.

رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، قال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً على هذا الموضوع، إن «الفيديو يتميز بقدرته على جذب انتباه المشاهدين بشكل أكبر عن غيره من أصناف المحتوى، كالنص أو الصورة، ما يجعله خياراً مثالياً لنقل المعلومات بسرعة وفعالية». وأضاف أنه من خلال التجارب الشخصية وتحليل سلوك مستخدمي المنصات ما بعد جائحة «كوفيد-19»، ازدادت القناعة بأن شريحة الشباب وصغار السن تميل إلى اعتبار الفيديوهات أكثر موثوقية وسلاسة ومباشرة من المقالات الإخبارية. ثم تابع بأن «تضمين مقاطع الفيديو عناصر الصوت والنص والصورة الثابتة والمتحركة معاً، يجعلها أسهل في الاستهلاك والرواج، لا سيما مع احتدام المنافسة بين المنصات الرقمية وتطوير أغلبها لمزايا تفاعلية جاذبة، ساهمت بشكل كبير في زيادة شعبية هذا النوع من المحتوى، ليس فقط بوصفه مصدراً إخبارياً؛ بل بوصفه مصدراً معرفياً على وجه العموم».

وأشار إلى أن «هذا الرواج الكبير جعل الفيديو أداة من أدوات تأجيج الحرب الدائرة أخيراً شرقي العالم وغربه، ضد شركات التواصل الاجتماعي العملاقة، حول مدى صحة الأخبار المتناقلة عبر منصاتها، وموثوقيتها».

الطراونة رأى في الفيديو «محركاً أساسياً في تغيير استراتيجيات ومنهجيات النشر الخبري، وتراجع الاعتماد على النصوص بوصفها نموذجاً رئيساً لنقل الأخبار». ولفت إلى أن «تأثير الفيديو يبدو جلياً في الإقبال المتزايد نحوه، من جانب معظم الجهات الإعلامية ذات الخلفيات المطبوعة أو التلفزيونية». واستطرد: «اعتماد وسائل الإعلام على الفيديو يزداد؛ لا سيما مع احتدام المنافسة؛ ليس فقط مع نظيراتها؛ بل مع (صناع المحتوى) الرقمي الإخباري المستقلين، والذين يستندون في نموذج عملهم بشكل أساسي على الفيديو... وتأثير الفيديو يدفع الجميع بقوة نحو استراتيجيات تحوّلية أكثر تكيفاً مع أدوات التأثير الجديدة».

وفي سياق متصل، قال الطراونة: «التكيف لا يعني تحويل المحتوى المقروء أو المرئي العادي لصيغ مناسبة لمنصات التواصل فقط؛ بل مراجعة وتحليل عملية إنتاج الفيديو كلها، والتعامل مع تكاليف أدواتها وعمالتها ومتغيراتها، كدخول الذكاء الاصطناعي... وثمة ضرورة التعامل مع الفيديو بوصفه مصدراً واعداً للمردود المادي المباشر أو غير المباشر، من دون إغفال محور حقوق النشر وتشعباته».

عودة إلى تقرير معهد «رويترز»، فإنه لاحظ أن منصّات «يوتيوب» و«تيك توك» و«إنستغرام» و«سنابشات» تحظى بشعبية لدى الشباب الذين عادة ما يبحثون عن المعلومات عليها، مستندين إلى حسابات المؤثرين أكثر من وسائل الإعلام التقليدية. وهنا أدلى المهندس رائف الغوري، وهو مدرب وباحث متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلوه، فقال لـ«الشرق الأوسط» إنه من «المنتظر خلال السنوات الخمس المقبلة أن تحل النظارات الذكية محل الهواتف، ما سيشكل محفزاً قوياً على انتشار الفيديو وتغلبه على النص، على اختلاف أنواع المحتوى».

وذكر الغوري أن الفيديو يحظى بشعبية وتأثير، كونه يشغل حواساً عدة؛ لكنه «فيما يتعلق بالأخبار... وعندما تكون الصور قاسية جداً وغير إنسانية، يكون النص أقل وطأة على النفس، فضلاً عن أن الفيديو يبرز المشهد من زاوية تصويره، ولو جرى تصويره من زاوية أخرى ربما نقل معلومة أو رسالة مختلفة». ثم أضاف أن «انتشار مقاطع الفيديو يرجع إلى انحياز وسائل الإعلام وعدم نقلها صورة ما يحدث بشكل كامل، ما منح الفرصة للمواطنين على (السوشيال ميديا) للعمل ونقل الصورة من أرض الواقع».

واختتم المهندس الغوري شارحاً: «إن انتشار الفيديو بوصفه مصدراً للأخبار سيحدث تأثيرات كبيرة على سوق الإعلام، وطريقة تعامل الناشرين مع منصات الفيديو... وستصبح الأخبار المصوّرة القصيرة والمباشرة أكثر شيوعاً، الأمر الذي سيحث المؤسسات الإعلامية على الاستثمار بشكل أوسع في تقنيات الواقعين الافتراضي والمعزّز، والذكاء الاصطناعي، لإنشاء محتوى فيديو جذّاب».

عاجل الجيش الإسرائيلي يطالب سكان غزة بإخلاء المناطق الشرقية من مدينة خان يونس قبل عملية كبيرة