هل يمكن محاسبة مواقع التواصل الاجتماعي على المعلومات الكاذبة؟

فيتنام تفرض غرامات على كل من ينشر أخباراً كاذبة عن «كوفيد - 19» (رويترز)
فيتنام تفرض غرامات على كل من ينشر أخباراً كاذبة عن «كوفيد - 19» (رويترز)
TT

هل يمكن محاسبة مواقع التواصل الاجتماعي على المعلومات الكاذبة؟

فيتنام تفرض غرامات على كل من ينشر أخباراً كاذبة عن «كوفيد - 19» (رويترز)
فيتنام تفرض غرامات على كل من ينشر أخباراً كاذبة عن «كوفيد - 19» (رويترز)

كشفت جائحة «كوفيد - 19» عن التقصير الخطير في عدم ضبط مواقع التواصل الاجتماعي للمعلومات الكاذبة والإشاعات التي تنتشر على صفحاتها. فهذه المواقع تنفي أنها ناشرة لهذه المعلومات المغلوطة، وتؤكد على جهودها لحذف ما يُنشر منها. ولكن البعض يطالب بمعاملتها وفق قوانين النشر التي تجعل الناشر مسؤولاً عما ينشره ورقياً أو إلكترونياً أو تلفزيونياً.
ويقول تقرير من مركز مكافحة معلومات الكراهية إنه شكا لإدارة «فيسبوك» و«تويتر» حول محتويات 649 منشوراً (بوست) على موقعيهما تحتوي على علاجات فاشلة للفيروس وحملات لمقاطعة التطعيم ضد الفيروس، إذا وُجد، ونظريات مؤامرة حول شبكة الاتصالات «5 جي». ومع ذلك، بقيت نسبة 90 في المائة من هذه المعلومات على المواقع الاجتماعية وبلا تحذير للقراء.
وردّ متحدث من «فيسبوك» بأن النموذج الذي قدمه المركز لا يمثل شريحة كافية للمعلومات المنشورة على الموقع، وأن «فيسبوك» يتخذ خطوات قوية بإزالة أي محتوى ضار من على منصته، وأزال بالفعل مئات الآلاف من هذه المنشورات، بما في ذلك ادعاءات عن اكتشافات علاج لفيروس «كوفيد - 19». كما وضع الموقع خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين تحذيرات على 90 مليون محتوى متعلق بـ«كوفيد - 19»، مما أسفر عن امتناع نسبة كبيرة من المتابعين عن تصفُّح هذه المعلومات.
وذهبت إدارة «فيسبوك» إلى أبعد من ذلك بالتواصل مع كل من شارك أو أظهر إعجاباً (لايك) لمحتوى متعلق بـ«كوفيد - 19» تم حذفه. وحذرت الإدارة نحو 4.3 مليون حساب تناول نشر معلومات خاطئة حول الفيروس.
ونشر موقع «بي بي سي» على لسان عمران أحمد المدير التنفيذي لموقع مناهضة الكراهية على الإنترنت أن مواقع التواصل الاجتماعي تتخلى عن مسؤولياتها، وأن النظام الذي تستخدمه من أجل التصدي للمعلومات الخاطئة لا يصلح لغرض استعماله.
وأضاف عمران أن عمالقة التواصل الاجتماعي أكدت أكثر من مرة أنها تأخذ المعلومات الخاطئة المتعلقة بـ«كوفيد - 19» بجدية، ولكن الأبحاث الجديدة تشير إلى أنه حتى في حالات توصيل المعلومات الخاطئة لادارات المواقع، فإنها تفشل في التعامل معها.
وتواجه إدارة «فيسبوك» و«تويتر» استجواباً من لجنة الثقافة والإعلام والرياضة الحكومية في بريطانيا، حول تعاملهما مع المعلومات المغلوطة التي تُنشر على مواقعهما. وفي استجواب سابق لم يقتنع نواب البرلمان في اللجنة بالإجابات المقدمة، وطلبوا تفاصيل أكثر، وأيضاً حضور مديرين على مستوى أعلى للاستجواب في الاجتماع المقبل.
ومن النماذج التي وجدها متطوعون في البحث عن المعلومات الخاطئة على مواقع التواصل، منشور يقترح علاجاً لفيروس «كوفيد - 19» يتكون من أقراص إسبرين مذابة في كوب من الماء الدافيء، وآخر يخلط الزنك بفيتامينات «ج» و«د» لعلاج الفيروس. ويعتقد عمران أن موقع «تويتر» هو الأقل استجابة للشكوى من المعلومات الخاطئة، حيث تعامل فقط مع نسبة 3 في المائة منها.
أما «فيسبوك»، فقد أزال محتويات 10 في المائة من 334 نشرة معلومات خاطئة، وأنذر نسبة 2 في المائة منها. وتعامل موقع «إنستاغرام»، المملوك من «فيسبوك»، مع نسبة 10 في المائة من 135 شكوى. وأكد الموقعان أنهما يبذلان جهود أكبر لحذف المواقع الكاذبة حول «كوفيد - 19». وتعامل «تويتر» بحزم مع مواقع نشرت أن شبكات الاتصال «5 جي» هي السبب في انتشار الفيروس.
وأجرت «بي بي سي» بحثاً عن التكلفة الإنسانية للمعلومات الخاطئة على الإنترنت، كشف أن الآثار مدمرة للصحة العامة على نطاق واسع وقد تؤثر سلبياً على الحملات الرسمية للتعامل مع العدوى. وبينما تسعى منصات التواصل إلى حذف المعلومات الخاطئة التي تمثل خطراً على الحياة؛ فإن المعلومات الأخرى الأقل خطراً تبقى أحياناً على المنصات لفترات طويلة. من أمثلة ذلك الدعوات التي تُوجّه لمقاطعة أي تطعيم ضد الفيروس.
لم تترك الحكومة البريطانية أمر مكافحة المعلومات الخاطئة على الإنترنت للمنظمات التطوعية والجهود الأكاديمية، فقد شكلت وحدة عمل من مجلس الوزراء للتنسيق مع منصات التواصل من أجل رفع المعلومات الخاطئة، خصوصاً تلك التي تُعتَبر تهديداً للصحة العامة. ويرأس الوحدة وزير الثقافة أوليفر دودن.
وتتعامل الوحدة مع أخطر النماذج على نحو يومي، مثل نصائح طبية خاطئة من خبراء وهميين، ومحاولات احتيال للوقاية من «كوفيد - 19». وكان من ضمن النماذج المحذوفة منشور وهمي منسوب لمركز رئيس الوزراء يدعو الناس إلى الخروج من منازلهم في ذروة الأزمة، في مخالفة صريحة لتعليمات صحية بالبقاء في المنازل. كما حاولت مواقع أخرى الاحتيال بتوجيه إنذارات للبعض بدفع غرامات وهمية، لأنهم خالفوا تعليمات البقاء في المنازل.
ويطالب الخبراء بأن يتوقف العامة برهة للتفكير في صحة المعلومات قبل مشاركتها مع آخرين. وأول مهام التأكد من صحتها البحث عن المصادر. وفي حالات عدم التأكد من صحة المعلومات يتعين الامتناع عن مشاركتها. كما يجب الحذر على وجه الخصوص من البيانات العاطفية التي يستجيب لها البعض من دون تفكير.
من ناحيتها، عرضت المنصات الرئيسية مثل «فيسبوك» و«غوغل» و«إنستاغرام» و«ريديت» استعدادها للتعاون مع الجهات الحكومية للحفاظ على خلو مواقعها من المعلومات الكاذبة التي تخص وباء «كوفيد - 19».



فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
TT

فوز ترمب «يُحطم» البنية الإعلامية التقليدية للديمقراطيين

ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)
ليلة انتصار ترمب... على الإعلام التقليدي (رويترز)

قد يكون من الواجب المهني الاعتراف بأن الجميع أخطأ في قراءة مجريات المعركة الانتخابية، والمؤشرات التي كانت كلها تقود إلى أن دونالد ترمب في طريقه للعودة مرة ثانية إلى البيت الأبيض. وترافق ذلك مع حالة من الإنكار لما كانت استطلاعات الرأي تُشير إليه عن هموم الناخب الأميركي، والأخطاء التي أدّت إلى قلّة التنبُّه لـ«الأماكن المخفية»، التي كان ينبغي الالتفات إليها.

لا ثقة بالإعلام الإخباري

وبمعزل عن الدوافع التي دعت جيف بيزوس، مالك صحيفة «واشنطن بوست»، إلى القول بأن «الأميركيين لا يثقون بوسائل الإعلام الإخبارية» لتبرير الامتناع عن تأييد أي من المرشحيْن، تظل «الحقيقة المؤلمة» أن وسائل الإعلام الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها، كانت سبباً رئيسياً، ستدفع الثمن باهظاً، جراء الدور الذي لعبته في تمويه الحقائق عن الهموم التي تقضّ مضاجع الأميركيين.

صباح يوم الأربعاء، ومع إعلان الفوز الكاسح لترمب، بدا الارتباك واضحاً على تلك المؤسسات المكتوبة منها أو المرئية. ومع بدء تقاذف المسؤوليات عن أسباب خسارة الديمقراطيين، كانت وسائل الإعلام هي الضحية.

وفي بلد يتمتع بصحافة فعّالة، كان لافتاً أن تظل الأوهام قائمة حتى يوم الانتخابات، حين أصرت عناوينها الرئيسية على أن الأميركيين يعيشون في واحد من «أقوى الاقتصادات» على الإطلاق، ومعدلات الجريمة في انخفاض، وعلى أن حكام «الولايات الحمراء» يُضخّمون مشكلة المهاجرين، وأن كبرى القضايا هي المناخ والعنصرية والإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً.

في هذا الوقت، وفي حين كان الجمهوريون يُسجلون زيادة غير مسبوقة في أعداد الناخبين، والتصويت المبكر، ويستفيدون من التحوّلات الديموغرافية التي تشير إلى انزياح مزيد من الناخبين ذوي البشرة السمراء واللاتينيين نحو تأييد ترمب والجمهوريين، أصرّت العناوين الرئيسية على أن كامالا هاريس ستفوز بموجة من النساء في الضواحي.

جيف بيزوس مالك «واشنطن بوست» (رويترز)

عجز عن فهم أسباب التصويت لترمب

من جهة ثانية، صحيفة «وول ستريت جورنال»، مع أنها محسوبة على الجمهوريين المعتدلين، وأسهمت استطلاعاتها هي الأخرى في خلق صورة خدعت كثيرين، تساءلت عمّا إذا كان الديمقراطيون الذين يشعرون بالصدمة من خسارتهم، سيُعيدون تقييم خطابهم وبرنامجهم السياسي، وكذلك الإعلام المنحاز لهم، لمعرفة لماذا صوّت الأميركيون لترمب، ولماذا غاب ذلك عنهم؟

في أي حال، رغم رهان تلك المؤسسات على أن عودة ترمب ستتيح لها تدفقاً جديداً للاشتراكات، كما جرى عام 2016، يرى البعض أن عودته الجديدة ستكون أكثر هدوءاً مما كانت عليه في إدارته الأولى، لأن بعض القراء سئِموا أو استنفدوا من التغطية الإخبارية السائدة.

وحتى مع متابعة المشاهدين لنتائج الانتخابات، يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر، ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق. وبغضّ النظر عن زيادة عدد المشاهدين في الأمد القريب، يرى هؤلاء أن على المسؤولين التنفيذيين في وسائل الإعلام الإخبارية وضع مهامهم طويلة الأجل قبل مخاوفهم التجارية قصيرة الأجل، أو المخاطرة «بتنفير» جماهيرهم لسنوات مقبلة.

وهنا يرى فرانك سيزنو، الأستاذ في جامعة «جورج واشنطن» ورئيس مكتب واشنطن السابق لشبكة «سي إن إن» أنه «من المرجح أن يكون عهد ترمب الثاني مختلفاً تماماً عمّا رأيناه من قبل. وسيحمل هذا عواقب وخيمة، وقيمة إخبارية، وينشّط وسائل الإعلام اليمينية، ويثير ذعر اليسار». ويضيف سيزنو «من الأهمية بمكان أن تفكر هذه القنوات في تقييماتها، وأن تفكر أيضاً بعمق في الخدمة العامة التي من المفترض أن تلعبها، حتى في سوق تنافسية للغاية يقودها القطاع الخاص».

صعود الإعلام الرقمي

في هذه الأثناء، يرى آخرون أن المستفيدين المحتملين الآخرين من دورة الأخبار عالية الكثافة بعد فوز ترمب، هم صانعو الـ«بودكاست» والإعلام الرقمي وغيرهم من المبدعين عبر الإنترنت، الذين اجتذبهم ترمب وكامالا هاريس خلال الفترة التي سبقت الانتخابات. وهو ما عُدَّ إشارة إلى أن القوة الزائدة للأصوات المؤثرة خارج وسائل الإعلام الرئيسية ستتواصل في أعقاب الانتخابات.

وفي هذا الإطار، قال كريس بالف، الذي يرأس شركة إعلامية تنتج بودكاست، لصحيفة «نيويورك تايمز» معلّقاً: «لقد بنى هؤلاء المبدعون جمهوراً كبيراً ومخلصاً حقّاً. ومن الواضح أن هذا هو الأمر الذي يتّجه إليه استهلاك وسائل الإعلام، ومن ثم، فإن هذا هو المكان الذي يحتاج المرشحون السياسيون إلى الذهاب إليه للوصول إلى هذا الجمهور».

والواقع، لم يخسر الديمقراطيون بصورة سيئة فحسب، بل أيضاً تحطّمت البنية الإعلامية التقليدية المتعاطفة مع آرائهم والمعادية لترمب، وهذا ما أدى إلى تنشيط وسائل الإعلام غير التقليدية، وبدأت في دفع الرجال من البيئتين الهسبانيكية (الأميركية اللاتينية) والفريقية (السوداء) بعيداً عنهم، خصوصاً، العمال منهم.

يرى الخبراء أن تقييمات متابعة التلفزيون والصحف التقليدية في انحدار مستمر ومن غير المرجّح أن يُغيّر فوز ترمب هذا المأزق

تهميش الإعلام التقليدي

لقد كانت الإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من 50 مليون شخص، قد أصغوا إلى «بودكاست» جو روغان مع ترمب، حين قدم تقييماً أكثر دقة لمواقفه ولمخاوف البلاد من المقالات والتحليلات التي حفلت بها وسائل الإعلام التقليدية، عن «سلطويته» و«فاشيته» لتدمير المناخ وحقوق الإجهاض والديمقراطية. ومع ذلك، لا تزال وسائل الإعلام، خصوصاً الليبرالية منها، تلزم الصمت في تقييم ما جرى، رغم أن توجّه الناخبين نحو الوسائل الجديدة عُدّ تهميشاً لها من قِبَل الناخبين، لمصلحة مذيعين ومؤثّرين يثقون بهم. وبالمناسبة، فإن روغان، الذي يُعد من أكبر المؤثّرين، ويتابعه ملايين الأميركيين، وصفته «سي إن إن» عام 2020 بأنه «يميل إلى الليبرالية»، وكان من أشد المؤيدين للسيناتور اليساري بيرني ساندرز، وقد خسره الديمقراطيون في الانتخابات الأخيرة عند إعلانه دعمه لترمب. وبدا أن خطاب ساندرز الذي انتقد فيه حزبه جراء ابتعاده عن الطبقة العاملة التي تخلّت عنه، أقرب إلى ترمب منه إلى نُخب حزبه، كما بدا الأخير بدوره أقرب إلى ساندرز من أغنياء حزبه الجمهوري.