اقتتال الميليشيات يفتح ملف «السلاح السائب»

أعادت صورة الدماء والجثث المتناثرة في أحد الشوارع الرئيسية بمدينة جنزور الليبية، شبح الفوضى إلى العاصمة طرابلس، التي انشغلت طوال 14 شهراً الماضية بالحرب، وسط حالة من التوتر الشديد تسود المدينة.
وطافت سيارة نقل صغيرة محملة بجثث، تتدلى منها رؤوس القتلى، وتتسرب حولها الدماء طرقات المدينة، عقب اشتباكات دامية دارت رحاها، إثر مقتل أحد قادة ميليشيا «كتيبة جنزور»، يدعى حامد عبد الحميد أبو جعفر نهاية الأسبوع الماضي، وخلفت سبعة قتلى على الأقل وعددا من الجرحى، وذلك في أحدث معارك بين المجموعات المسلحة، ما أعاد تجديد المطالب بضرورة تفكيك الميلشيات المسلحة وجمع أسلحتها فوراً.
وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان أمس، عن «قلقها العميق» بسبب اشتباكات جنزور، التي قالت إنها اندلعت بين عناصر إجرامية، وأفراد في جماعات مسلحة، مشيرة إلى أن «هذه الاشتباكات تسببت في ترويع السكان، وأسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى».
ورغم اندماج عدد من الميلشيات المسلحة في الدفاع عن العاصمة طوال الأشهر الماضية، في مواجهة «الجيش الوطني»، برئاسة المشير خليفة حفتر، إلا أنها تظل شوكة في ظهر العاصمة، نظراً للنفوذ الذي حققته على الأرض بقوة السلاح. وقال مصدر عسكري، تابع لـ«الجيش الوطني» أمس، إن الميلشيات المسلحة «ستظل معوقاً للبلاد، فهي لا تتعايش إلا في مناخ الفوضى... وهذه هي الأسباب التي دفعت الجيش لـلقيام بـ(تحرير) طرابلس من سيطرتها».
ودعا المصدر العسكري إلى «ضرورة العمل على تفكيك هذه المجموعات، وسحب أسلحتها، وفق لما استقر عليه (إعلان القاهرة)، وطالبت به منظمات محلية ودولية».
وتواجه الميليشيات المسلحة في العاصمة اتهامات «بارتكاب جرائم القتل والخطف والابتزاز»، وتوسيع نفوذها منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي، مستغلة حالة الانفلات الأمني التي سادت البلاد.
وكانت اشتباكات عنيفة قد اندلعت بمنطقة جنزور في طرابلس، بين كتيبة «فرسان جنزور» ومجموعة مسلحة، بعد مقتل حامد بوجعفر، الشهير بـ«الكبش» شقيق محمود بوجعفر القيادي بالكتيبة، بسبب السيطرة على محطة وقود، ما تسبب في مقتل سبعة عناصر على الأقل وجرح آخرين، من بينهم محمد فكار، الملقب بـ«الكيكي» وشقيقه.
وفي مشاهد مأساوية أثار رعب السكان، جرى التمثيل بجثث القتلى، التي ظلت ملقاة في الطرقات، قبل وضعها على سيارة نقل صغيرة، لتطوف بها الشوارع «ثأراً» لمقتل «الكبش»، قبل التوجه إلى منزل عائلة فكار وإضرام النار به.
وسبق أن طالبت العديد من القوى السياسية بتفكيك الميلشيات، فور إعلان حكومة «الوفاق» عن «تحرير» الحدود الإدارية للعاصمة في مطلع يونيو (حزيران) الماضي. وبهذا الخصوص قال المحلل السياسي علي جماعة علي: «في المرحلة القادمة، وفي إطار الحل الدائم يجب أن تنتهي كل الميليشيات... لا كتائب باسم مصراتة، ولا الزنتان، ولا الزاوية، ولا الأمازيغ، ولا التبو، ولا أولاد سليمان ولا الثوار»، ورأى أن ذلك لن يتأتى إلا بضمان «دستور ملزم ورئيس منتخب ودعم دولي، وإعادة تعريف الجيش ودوره وتشكيلاته، بما يضمن استيعابه للجميع بدون إقصاء».
ولفت جماعة علي إلى أن هذا «يحدث بالتوازي مع التجهيز الفعال لانطلاق عجلة الاقتصاد، والتنمية لاستيعاب أحلام وتطلعات الشباب».
من جانبها، شددت البعثة على إدانتها لمثل هذه «الأعمال الطائشة التي تعرض المدنيين للخطر المباشر، في حين بدأت طرابلس تتعافى من حصار دام 15 شهراً»، مؤكدة على ضرورة أن «تدفع هذه الاشتباكات حكومة (الوفاق) على التحرك بسرعة نحو إصلاح فعال للقطاع الأمني، بالتزامن مع نزع سلاح المجموعات المسلحة، وتسريح وإعادة دمج عناصرها».
وشهدت العاصمة نقاشات عديدة على مستويات مختلفة، شاركت فيها قيادات عسكرية أميركية وليبية بحكومة «الوفاق»، تناولت في مجملها «تسريح الميليشيات»، وسبل إعادة دمجها في الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي تعاطى معه فتحي باشاغا، وزير الداخلية، بإيجابية، ووعد بأنه سيعمل على تحقيقه.
وأضاف المصدر العسكري «أن باشاغا سبق أن قسم الميليشيات المسلحة في طرابلس ومصراتة، وقال إن منها فصائل ترتكب مخالفات، ووعد بحلها، لكننا لم نر شيئا غير الجرائم والذبح وسفك الدماء».
وكان باشاغا قد وجه انتقادات لاذعة لبعض الميليشيات مرات عدة، وسمى منها ميليشيات «النواصي»، قائلاً إنها «تتجاوز القانون»، مؤكدا أن الدولة المدنية التي تنشد الأمن والاستقرار «لن تنهض في ظل وجود أدعياء الثورية والميليشيات».
غير أن تصريحات باشاغا أزعجت في حينها كتيبة «ثوار طرابلس»، التي يتزعمها القيادي أيوب أبو راس، وردت عليه في بيان قائلة إنها هي التي تصدت «لجحافل الغزاة في الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، عندما ظن البعض أن العاصمة ستسقط في أيدي (القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة) حفتر، في غضون ساعات».
وسبق للسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، القول إن «بلاده تدعم الجهود التي تبذلها السلطات الليبية لتفكيك الميليشيات والجماعات المسلحة، ونزع سلاحها»، وترى أنها «تمثل تهديداً خطيراً لبناء دولة قوية وديمقراطية وموحدة في ليبيا».