هل تصطدم وساطة الجزائر لحل الأزمة الليبية بالتدخلات الأجنبية؟

وسط مخاوف من عرقلة أميركية وتحفظات فرنسية

TT

هل تصطدم وساطة الجزائر لحل الأزمة الليبية بالتدخلات الأجنبية؟

كثَّف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون جهوده خلال اليومين الماضيين، عبر اتصالات أجراها بعدة أطراف دولية وإقليمية معنية بالملف الليبي، في وقت يرى فيه محللون أن الجزائر باتت تنشط للقيام بوساطة بين الطرفين المتحاربين هناك، قصد إنهاء نزاع معقد يهدد الأمن الإقليمي؛ لكن دون وجود دعم دولي فإن تحركاتها «قد تكون غير مجدية».
وبحث تبون مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حسب بيان الرئاسة الجزائرية، الوضع في ليبيا والساحل، واتفقا في اتصال هاتفي، أول من أمس، على إطلاق مبادرات من أجل تسوية الأزمة، إضافة إلى مواصلة التنسيق والتشاور بين البلدين.
وقبل ذلك بساعات، استقبل وزير الخارجية الإيطالي لويغي دي مايو في روما، نظيره الجزائري صبري بوقادوم، أول من أمس، ونقل عنهما وجود توافق قوي في الرؤى بشأن بعض القضايا الإقليمية، وأبرزها الأزمة الليبية.
ودأبت السلطات الجزائرية باستمرار على تأكيد أنها تقف على مسافة واحدة من الطرفين، وترفض «كل تدخل أجنبي». وسبق لتبون القول مرات عدة، إن بلاده مستعدة للعب دور الوسيط، موضحاً أن «كل الأطراف الليبية موافقة على المشاركة في أي مبادرة جزائرية»، بينما أكد وزير خارجيته في مجلس الأمن الدولي أن الوساطة الجزائرية «مطلوبة ومقبولة من كل الليبيين».
ولخص بوقادوم المبادرة بثلاث نقاط: أولها «وقف فوري لإطلاق النار، وخفض التصعيد في كل المجالات، بما في ذلك ما يتعلق بقطاع الطاقة وتوزيع الثروات، وأخيراً المساعدة على جلب أطراف النزاع الليبيين إلى مفاوضات».
واستقبل تبون في يونيو (حزيران) الماضي طرفي النزاع في ليبيا، ممثلين برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، ورئيس البرلمان المتمركز في الشرق صالح عقيلة.
ويقول جلال حرشاوي، الباحث في معهد «كلينغنديل» في لاهاي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الدبلوماسية الجزائرية تمتلك مصداقية حقيقية، بصفتها بلداً كبيراً محايداً حيال ليبيا، ليس في نظر حكومة (الوفاق) فقط؛ بل وفي نظر معسكر (القائد العام للجيش الوطني المشير خليفة) حفتر»؛ لكنه أضاف أن هذا «لا يعني أن الجزائر يمكنها تغيير مجرى الأحداث»؛ موضحاً أن الدبلوماسية الجزائرية بمفردها «لا تمتلك وزناً كافياً لكبح منطق الحرب المدولة في ليبيا، ولو قليلاً».
ورأى حرشاوي أنه «إذا شاركت قوة دبلوماسية أخرى مثل الولايات المتحدة، أو روسيا، بشكل وثيق في مبادرة دبلوماسية للجزائر، فقد يكون لذلك تأثير ملموس».
وجاءت زيارة السراج وصالح للجزائر بعد أيام من سيطرة القوات الموالية لحكومة «الوفاق» على الغرب الليبي، بدعم من أنقرة، وانسحاب قوات «الجيش الوطني» من مشارف طرابلس، وغيرها من المدن، بعد تراجع هجوم استمر أكثر من عام للسيطرة على طرابلس. وحتى الآن، فشلت جميع المحاولات لوقف إطلاق النار في ليبيا، وكان آخرها في يناير (كانون الثاني) الماضي، خلال مؤتمر دولي عقد في «برلين»، بينما رفضت حكومة «الوفاق» مبادرة مصرية معلنة في بداية يونيو لوقف النار.
من جهته، عبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الجزائر، رضوان بوهيدل، عن خشيته من أن تتدخل أطراف دولية لإفشال الوساطة الجزائرية. وذكَّر خصوصاً باعتراض واشنطن على تعيين وزير الخارجية الجزائري الأسبق، رمطان لعمامرة، مبعوثاً للأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفاً للبناني غسان سلامة الذي استقال في أبريل (نيسان) الماضي. أما أستاذ العلوم السياسية في المدرسة العليا للصحافة في الجزائر، شريف دريس، فقد شدد من جانبه على أن المقاربة الجزائرية «تحتاج إلى إطار أممي، وهندسة للحل، بتعيين مبعوث أممي، وعقد مفاوضات في دولة جارة»، وذلك بسبب تعقيد النزاع الليبي؛ مضيفاً أن «الملف الليبي أصبحت لديه تعقيدات بسبب تعدد الفاعلين في الأزمة، ومهمة الجزائر تبدو صعبة».
وكان الرئيس تبون قد تحدث في مقابلة على قناة «فرنس- 24» مؤخراً عن «رؤى متطابقة» للجزائر وفرنسا وإيطاليا، القوة المستعمرة السابقة لليبيا.
وأضاف حرشاوي أن فرنسا وعدت الجزائر «بنوع من الشراكة الدبلوماسية الوثيقة حول ليبيا»، مشيراً إلى أن الرفض الأميركي لتعيين العمامرة موفداً خاصاً «قلص الآمال الجزائرية».
وتابع حرشاوي موضحاً أن التحفظات على خطوة الجزائر قد تكون ناجمة عن «نيتها» الإبقاء على «العلاقات المميزة نسبياً مع أنقرة»، ما يدفع باريس إلى اعتبارها «تأثيراً غير مرغوب فيه» على الملف الليبي. وتعارض فرنسا بشدة التدخل العسكري التركي في ليبيا، بينما تتهم أنقرة باريس بأنها دعمت سراً المشير حفتر في حملته على طرابلس.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.