ليبيا: آفاق الطموح التركي وسط زحمة التدخلات الدولية

خيارات العنف تُشعل قلقاً أممياً

ليبيا: آفاق الطموح التركي وسط زحمة التدخلات الدولية
TT

ليبيا: آفاق الطموح التركي وسط زحمة التدخلات الدولية

ليبيا: آفاق الطموح التركي وسط زحمة التدخلات الدولية

راود الليبيين على مدار تسع سنوات شعور مُهين بأن بلادهم «باتت مرتعاً لأجهزة استخباراتية عديدة»، وأن مجالها الجويّ أصبح مفتوحاً لطائرات أجنبية، كانوا يطلقون على بعضها فيما مضى لقب «فاعل خير». غير أن هذا الشعور بات واقعاً مرئياً، على وقع «حرب طرابلس»، وما تسببت فيه من «فتح شهية» أنظمة دولية وإقليمية، في مقدمها نظام تركيا، دخلت إلى السوق الليبية لعرض بضاعتها، والتربح من أزمتها.
وبقراءة الليبيين أنفسهم، فإن جزءاً من عبثية المشهد، راهناً، يتمثل في صراع دولي بات يعرقل بعضه بعضاً لكثرة أجنداته وتعدّد حساباته؛ فلكل منهم هدف ولجميعهم غاية. ولقد عبَّر عن ذلك وزير ليبي سابق في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، فقال: «كان صراعنا في البدء مناطقياً داخلياً منذ إسقاط نظام معمر القذافي، إلا أن قوى دولية مختلفة عملت على تغذيته، وتعاظم أكثر مع دخول تركيا على خط الأزمة».
هناك، عند منتصف الساحل الليبي، بين طرابلس العاصمة وبنغازي، وتحديداً، على بُعد 450 كيلومتراً، تتقاطع المصالح الدولية حول سرت. ويجري التجهيز لمعركة فاصلة، ربما تكون الأكثر دمويةً في البلاد، تحشد لها تركيا عدةً وعتاداً منذ شهر وأكثر دعماً لـ«حكومة الوفاق»، برئاسة فائز السراج، في مواجهة قوات «الجيش الوطني الليبي»، بقيادة المشير خليفة حفتر، وكأن مصير هذه المدينة أن تكون شاهداً على تحوّلات جذرية، بدأت بمقتل معمر القذافي في إحدى ضواحيها، وربما تنتظر مشهداً جديداً في قادم الأيام.
الملاحَظ أنه منذ إطلاق حفتر الحرب على طرابلس، تبدَّلت مواقف دولية، وظهرت أخرى كانت خافتة، إلى العلن، على مسرح الأحداث. ومع ذلك لا تتوقف غالبيتها عن بث رسائل الطمأنة بأنه «لا حل عسكرياً في ليبيا»، وأن الأزمة «لا بدّ من أن تنتهي على طاولة التفاوض السياسي»، لكن فوق طاولة مشابهة أُجريت اتفاقات وعقدت صفقات.

إردوغان وماكرون
لم تهدأ أنقرة، منذ إعلان «تحرير» الحدود الإدارية للعاصمة، في الرابع من يونيو (حزيران) الماضي. ولعلها لن تكتفي بما تحقق. ذلك أن ما سيطرت عليه - وفقاً لموالين لـ«الجيش الوطني» - عبارة عن أراض صحراوية تخلو من آبار النفط. لذا ينفخ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي تحظى تحركاته هناك برضا أميركي، في نار الحرب، سعياً لإشعالها، على أمل أن يتجاوز خط سرت - الجفرة، ويقترب من «الهلال النفطي». ولذا، تجاهل كل المبادرات والدعوات المنادية بوقف الحرب.
من ناحية ثانية، فإن مسؤولي الحكومة التركية بدأوا يتحدثون بلسان «حكومة الوفاق»، ويحدّدون شروطاً لوقف إطلاق النار، بما معناه أن الحرب ماضية في طريقها، وهو ما أغضب كثيرين من مواطني غرب ليبيا. وذهب المحلل السياسي عبد العظيم البشتي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الارتهان للديكتاتور إردوغان يزداد يوماً بعد يوم... وهو سيستغل استعانة السراج به أبشع استغلال». لكنه يستدرك، فيقول: «ما كان ذلك ليحدث لولا الحرب (العدوانية) والمدمّرة التي شنها حفتر على طرابلس».
وحقاً، فإن جزءاً من تقاطع المصالح عبّرت عنه فرنسا، عندما أظهرت موقفاً مغايراً باتجاه التحرّكات التركية في ليبيا، نشأ عنه تجاذبات متبادلة في بداية الأمر. وتدرّج تصاعدياً إلى أن اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، تركيا، بمحاولة تكرار «السيناريو السوري» في ليبيا من خلال الدفع بالأسلحة و«المرتزقة» إلى الغرب الليبي، لدرجة دفعت البعض للتساؤل: هل تتحوّل ليبيا إلى ساحة للصراع بين إردوغان وإيمانويل ماكرون؟

كلام لودريان الأخير
موقف فرنسا المتصاعد في مواجهة تركيا، وإن كان البعض يرى أنه ظل مسانداً لحفتر طول أشهر الحرب الـ14. يُعد الأقوى في ظل التباينات التي تبديها أطراف دولية أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة الليبية، فضلاً عن أنه يُوصف بأنه تمكن من «لجم» الموقف التركي، وبات نداً له.
ورداً على الاتهامات التركية لباريس بالانحياز لطرف على حساب آخر، قال لودريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الفرنسي: «أسمع أشياء كثيرة عن أن فرنسا اختارت معسكر المشير (خليفة) حفتر. من المهم توضيح كل هذا... نحن ندعم الجيش الوطني الليبي الذي اشتهر على الصعيد الدولي بقتاله ضد (داعش). إننا لا نقدم له دعماً عسكرياً فعالاً، بل المشورة والدعم السياسي»، متحدثاً عن «تغيير في الموقف» بعدما شن حرباً على طرابلس.

«ضحية الجغرافيا»
كثير من المحللين يرجعون السبب في تأخر حسم معركة سرت، ومن ثم، عرقلة الطموح التركي، إلى أسباب عدة، من بينها كثرة التدخلات الخارجية على خط المعركة، وما يكتنف ذلك من تضارب مصالح، بغض النظر عما تضمره تلك القوى، ويظهر في إفادات منمقة أمام مجلس الأمن الدولي.
ويربط كثيرون من الليبيين هذه التصرفات الدولية المتباينة بما يرونه أطماعاً في ثروات بلدهم وموقعه الجغرافي، وهي النقطة ذاتها التي انطلق منها الرئيس التركي، عندما تحدث عن حق بلاده في «جغرافيتها القديمة»، وبرّر دخوله ليبيا للدفاع عن مليون ليبي من أصول تركية. لكن الدكتور علي قلمة مرصدي، وزير العمل والتأهيل السابق في «حكومة الوفاق»، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرى أن أطماع تركيا وكثرة من الدول المتدخلة في الأزمة متعلقة بالموقع الاستراتيجي لليبيا الذي يربط بين أوروبا وأفريقيا، وأن هذا سبب كافٍ للصراعات الدولية حول بلاده، وتابع: «ما نشهده هو بداية للحرب الباردة بين الدول العظمى من جديد، وفق نظرية (قلب العالم)، خصوصاً الدول التي لديها أطماع بالسيطرة على الساحل الشمالي للبحر المتوسط».
وحسب مرصدي، فإن «هناك ارتباطاً وثيقاً بين تحقيق الأمن في كل من ليبيا ومصر. وبالتالي، كان طبيعياً أن نجد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتحدث عن ضرورة تحقيق الأمن في ليبيا، بوقف الحرب ومنع تخطيها خط سرت - الجفرة. ولا أحد يستطيع أن يجادل في أهمية خطورة ذلك على مصر، لكن ليس لدى تركيا حجة للتدخل في ليبيا، بل هي تستهدف مصالح آنية فقط».
من جانب آخر، يقول مسؤول عسكري بـ«الجيش الوطني» إن «تحركات كثير من الدول الشقيقة والصديقة، وفي مقدمتها مصر وروسيا، التي عرضت للرأي العام العالمي رغبة القيادة العامة في الحوار واستئناف العملية السياسية، ساهمت إلى الآن في إيطاء عجلة الحرب، ووضع إردوغان أمام حرج دولي، غير أن الأطماع التي قادته إلى ليبيا ستدفع به لاستكمال الحرب، بهدف وضع يده على موانئ النفط، كما يزعم أنصاره».
وأردف المسؤول أن الليبيين «يحلمون بيوم يرون فيه دولتهم مستقرة، ذات سيادة محفوظة، وليست بحدود مشرعة أمام مخابرات العالم، وسماؤها تعربد فيها الطائرات الأجنبية التي كان الليبيون يطلقون عليها في السابق (فاعل خير) عندما كانت تستهدف فلول (داعش)».

«العبثية الساخرة»
الواقع أن ثمة نظرةً في ليبيا تعتبر الدورين الروسي والتركي السبب الرئيسي في تأجيج الصراع وإذكاء نار الحرب؛ فالأولى داعمة لـ«الجيش الوطني الليبي»، والثانية تدفع بالسلاح والمرتزقة لـ«حكومة الوفاق». والغريب أنه رغم ذلك، لا تتوقف اللقاءات بين مسؤولي البلدين لبحث الأوضاع في ليبيا. هذا الأمر يثير حيرة الليبيين وسخريتهم، في آن واحد؛ إذ يرى بعضهم أن موسكو وأنقرة تتحاوران وكأنهما في «تمثيلية» مسرحها محاور الاقتتال، ويتساءل هؤلاء «عن الجهات التي تدفع بالأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة، منذ شهر، إلى تخوم مدينة سرت».
هنا يقول مرصدي: «يبدو أن الأطراف الخارجية المتصارعة على الملف الليبي تفاهمت على تقاسم الكعكة قبل أن تتفاهم عليها الأطراف الليبية المتنازعة».
والأربعاء الماضي، أفادت وكالة «الأناضول» التركية بأن رئيس هيئة الأركان التركي يشار غولر بحث، ونظيره الروسي، فاليري جيراسيموف «القضايا الأمنية الراهنة المتعلقة بسوريا وليبيا». وفي اليوم ذاته، نقلت وكالة «إنترفاكس» الروسية للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو وأنقرة تعملان من أجل التوسط لوقف فوري لإطلاق النار في ليبيا. ونقل أن «الجيش الوطني» مستعد لتوقيع وثيقة تقضي بوقف إطلاق النار، ويأمل أن تتمكن تركيا من إقناع «حكومة الوفاق» - المعترف بها دولياً - بالتوقيع أيضاً.
هذا، وشارك وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن، الليبيين سخريتهم. وقال، خلال مؤتمر وزاري لمجلس الأمن عبر الفيديو، حول ليبيا: «في الوقت الذي أغلق العالم بأكمله حدوده، واصلت السفن والطائرات والشاحنات المحملة بالأسلحة والمرتزقة في الوصول إلى المدن الليبية... لقد حان الوقت لإنهاء هذه العبثية الساخرة... فلا مزيد من الطائرات ولا الدبابات ولا الشاحنات أو السفن المليئة بالأسلحة. ولا مزيد من الأكاذيب».
لهذا، اضطرت روسيا أمام الاتهامات التي توجه إليها للتأكيد عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، على «رفضها» الاتهامات بالانخراط في القتال داخل ليبيا. وأكد المندوب أنه «لا يوجد جندي روسي واحد يقاتل في ليبيا، ولا أدلة على وجود مواطنين روس يقاتلون في ليبيا، بينما هناك مقاتلون آخرون من عدة بلدان، بما فيها الدول التي تتهمنا».
مع ذلك، قال سعد الجازوي، عضو مجلس النواب «المقاطع»، والقيادي بتنظيم «الإخوان»، إن الوجود الكبير للقوات الروسية في صفوف «العدو» يمثل «مطامع لدى موسكو لإعادة تمركزها ورسم خريطة النفوذ على الخريطة الدولية؛ لأنه مما لا شك فيه أن غياب القطب الروسي عن التأثير في المعادلة الدولية نتيجة انقسام الاتحاد السوفياتي جعلها تحاول إعادة تموضعها!».

غوتيريش قلِق
وعكسَ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، جانباً من التناقضات والتدخلات وتأثيراتها على الأرض، بوصفه أن «التدخل الخارجي في ليبيا بلغ مستويات غير مسبوقة، مع تسليم معدات متطورة وعدد المرتزقة المشاركين في المعارك». وأضاف أن قوات «حكومة الوفاق» تواصل «بدعم خارجي كبير تقدمها نحو الشرق، وهي حالياً على مسافة 25 كيلومتراً من سرت». واستطرد: «نحن قلقون للغاية إزاء الحشد العسكري المثير للقلق حول المدينة، والمستوى المرتفع للتدخل الخارجي المباشر في النزاع، الذي ينتهك حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، وتعهدات الدول المشاركة في (مؤتمر) برلين»، الذي عُقد في يناير (كانون الثاني) الماضي.
واتفق البشتي مع ما ذهب إليه غوتيريش، لكنه قال إن التدخلات «ستشكل دون شك ضغطاً على الوجود التركي في ليبيا، وعلى قواته وميليشياته، وربما يتبع ذلك ضغط من الأمم المتحدة على إردوغان، بدفع (الوفاق) للجلوس إلى الحوار برعاية أممية، وهذا ما نأمله دون شك»، مضيفاً: «ونطالب الأمم المتحدة، إذا ما تحقق ذلك، باتخاذ قرار بضرورة سحب سلاح كل الميليشيات غرباً وشرقاً وجنوباً، والإشراف على حماية الشعب حتى إتمام الانتخابات النيابية والرئاسية».

قوة ضاغطة
أيضاً، أعربت أطراف دولية وعربية عن مخاوفها من خطورة الأوضاع في ليبيا. وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إن الوضع «لا يزال قلقاً للغاية»، وأرجع ذلك لما سماه «التوازن غير المستقر»، الذي جاء «نتيجة سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية خلال السنوات العشر الأخيرة، وآخرها الهجوم العسكري على طرابلس»، وتابع أنه وجَّه دعوة لضبط النفس والاعتدال لرئيس «حكومة الوفاق» خلال زيارته الأخيرة إلى طرابلس «ويجب توجيه الرسالة نفسها إلى قائد (الجيش الوطني) المشير حفتر». ودعا جميع البلدان إلى وقف عمليات نقل الأسلحة، والتعاون «من خلال طريقة مخلصة».
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي المغربي ناصر بوريطة، أعرب من جهته أمام مجلس الأمن الدولي عن قلقه إزاء التدهور المستمر للوضع في ليبيا، ولفت إلى أن «النوايا الحسنة للمجتمع الدولي متوافرة فيما إرادته السياسية مفقودة». وقال بوريطة إن ليبيا «ليست أصلاً للتجارة الدبلوماسية. والتدخلات الأجنبية لا تخدم مصالحها ولا تساعد الأفرقاء هناك على الارتقاء فوق مصالحهم الخاصة إلى المصلحة المشتركة لجميع الليبيين»، وانتهى إلى أن الحل «يجب أن يكون سياسياً لا عسكرياً، وأن يأتي من الليبيين أنفسهم، ويضمن وحدة ليبيا وسيادتها وسلامتها الترابية».
كذلك جدد أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، رفض وإدانة الجامعة كل أشكال التدخلات العسكرية الأجنبية في ليبيا، مطالباً بالوقف الفوري للقتال بين الأطراف الليبية، وشدد على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، واستئناف الحوار الوطني الخالص بين الأشقاء الليبيين للتوصل إلى تسوية متكاملة للوضع في البلاد بمساراته الأمنية والسياسية والاقتصادية. ورأى أن «هذه الجهود وتلك المسارات لا يمكن أن تنجح إلا في مناخ يخلو من كافة التدخلات الأجنبية، وبعيداً عن التهديد الذي تمثله الجماعات والميليشيات المسلحة».
والحاصل أنه في ظل تشبث طرفي الصراع بقوى خارجية، زادت الأزمات الداخلية، وتعقد المشهد الراهن، ما دعا الاقتصادي الليبي الدكتور محسن الدريجة، إلى التعجب من أمر الليبيين «يستعينون بالغرباء بعضهم على بعض، ويتوقعون أن ليبيا ستبقى لهم!».
زمن «الميري»... أيام لا يحب الليبيون تذكرها
> أحيت التبريرات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان «لشرعنة» وجود قواته على الأراضي الليبية، مخاوف أطياف مختلفة من الشعب، متذكرين فترة طالت لنحو ثلاثة قرون من الحكم العثماني لبلادهم، وصفوها بأنها كانت شاهداً على «العديد من المذابح والأهوال» التي ارتُكبت في أنحاء البلاد.
ومنذ توقيع إردوغان «مذكرتي تفاهم» مع سلطات طرابلس، وهو يحاول اللعب على أن ليبيا «تركية الأصل»، وأنها تضم مليون مواطن من أصول تركية «يستحقون دعمه والتدخل لنجدتهم، والوقوف إلى جانبهم». لكن التصريحات التي أطلقها استقبلها الليبيون بالرفض والاستنكار، مؤكدين على أنهم ليسوا مستعدين للعودة إلى زمن دفع «الميري»، أو «الويركو»، وهو اسم لنوع من الضرائب التي فرضتها الدولة العثمانية على الليبيين آنذاك.
وترصد كتب التاريخ أن هذه الضريبة كانت تُقدّر بـ40 قرشاً قابلة للزيادة يدفعها الذكور سنوياً، كما كانت تُجبى بالمقدار ذاته من أصحاب الحيوانات والمزارع، ويُعاقب الممتنع عن دفعها بالسجن ثلاثة أشهر. وبجانب «الميري» كانت هناك أيضاً ضريبة تُسمى «فتح بندر» تُفرض على من يريد فتح مشروع تجاري، بهدف إتاحة الفرصة لمنافسة التجار الأجانب.
إلا أن ضريبة «العُشر» توصف بأنها كانت الأكثر ظلماً لليبيين، وهي عبارة عن 10 في المائة من قيمة المحاصيل الزراعية، يُجبر الفلاحون على دفعها بغض النظر عن سنوات الجفاف وتضرر الأرضي الزراعية. وكان يُعفى منها الموسرون، في حين كانت تُغلّظ على الفقراء، ما اضطر غالبية الفلاحين إلى مغادرة أراضيهم هرباً من البطش.
الأمر لم يتوقف عند رصد المؤرخين لزمن الجباية، بل تحدثوا عن وقوع مذابح كثيرة في ليبيا بأيدي الأتراك، من بينها مذبحة قبيلة الجوازي، التي تسكن مدينة بنغازي. وفيها قُتِل نحو 10 آلاف شخص خلال شهر رمضان، بسبب نزاع بين الوالي العثماني يوسف باشا القرماني وولده. وهو ما عبر عنه ﻣﻔﺘﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﺍﻷﺳﺒﻖ ﺍلطاهر ﺍﻟﺰﺍﻭﻱ، وأورده ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻌﺠﻢ ﺍﻟﺒلدان ﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺔ، إذ قال إن «العهد التركي في ليبيا كان أسود، وﺍﺳﺘﻤﺮ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ وستين عاماً، عانت فيه طرابلس الفقر والجهل والذل والفوضى فوق ما يتصور إنسان».
تحدث الأكاديمي الليبي أستاذ التاريخ عثمان البدري لـ«الشرق الأوسط» عن فترة الاحتلال العثماني لبلاده، فقال إن «الحكم العثماني لم یهتم بالشؤون الاقتصادية والثقافية في ولاية طرابلس الغرب، التي كان يحتلها مركّزاً فقط على جمع الضرائب فقط من المواطنين». وأردف أن «العثمانیین ضربوا حاجزاً بینهم وبین الأهالي ما أدی إلی انعدام الاختلاط بين الثقافتين، وهو ما انعكس في أن المصطلحات العثمانية لم تنتشر رغم بقائهم فی هذه الولایة لمدة طویلة زادت عن ثلاثة قرون».
من جهة ثانية، رأى فيها المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، التبريرات التي أطلقها الرئيس التركي وسيلة تستهدف «ضرب النسيج الاجتماعي الليبي، وإحداث فتنة بين المواطنين».
وقال علي أبو سبيح، رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية في المنطقة الجنوبية، إن أهالي منطقة القرضة بوادي الشاطئ ما زالوا يتناقلون قصصَ تصدّي أهلهم لإحدى الحملات العثمانية التي جاءت لإرغامهم على دفع «الميري»، وقال في تصريحات تلفزيونية، إن المواطنين تمكنوا من «دحر حملة الوالي العثماني حينها، وبالتالي يقدرون اليوم على دحر الغزو التركي عن بلادهم».



هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.