هل ينحدر لبنان إلى «الجحيم» إذا تعثّر الحصول على دعم صندوق النقد الدولي؟ فالمفاوضات بين ممثلي الصندوق والحكومة توقّفت عملياً، فيما يبدو البلد المأزوم وكأنه يطلب دعماً من دون أي نية للقيام بإصلاحات لم يعد التغاضي عنها خياراً.
ويتخبّط لبنان في أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، وخسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم وتآكلت قدرتهم الشرائية، فيما ينضب احتياطي الدولار لاستيراد مواد حيوية مدعومة كالقمح والأدوية والوقود. وتخلّف لبنان في مارس (آذار) للمرة الأولى في تاريخه عن تسديد مستحقات سندات اليوروبوندز التي تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من ثلاثين مليار دولار. ثم طلب مساعدة صندوق النقد.
ويقول مصدر لبناني مفاوض لوكالة الصحافة الفرنسية «غادر صندوق النقد الجلسة (عبر الإنترنت)، وتوقفت المفاوضات».
ويوضح مصدر آخر مطلع على سير التفاوض: «لم يلمس ممثلو الصندوق جدية من الوفد اللبناني، فلا أحد يريد الإصلاح. تصارع كل جهة (لبنانية) من أجل مصلحتها الخاصة بينما تترك البلد يحترق».
منذ مايو (أيار) الماضي، عقدت 16 جلسة. وبدا التباين جلياً بين تقديرات الحكومة لخسائر الدولة والمصارف المالية، وتقديرات المصرف المركزي وجمعية المصارف، علماً أن القسم الأكبر من ديون الدولة يعود الى المصارف.
وقدّرت الحكومة هذه الخسائر بـ241 ألف مليار ليرة، وتدخل البرلمان عبر لجنة لتقصي الحقائق قالت إن الخسائر تتراوح بين 60 ألفاً و91 ألف مليار ليرة. لكن صندوق النقد يعتبر أرقام الحكومة أقرب إلى الواقع.
ويقول المصدر المطلع إن البرلمان يتصرّف كما لو أنّه «ممثل لمصالح القوى السياسية لا الشعب».
ويرى المفاوض اللبناني أن «اللوبي الذي يبدي استعداداً لأن يحترق البلد لئلا يُكشف ما قام به من ارتكابات، قوي جداً ومؤثر».
ويشهد لبنان منذ عقود أزمات متلاحقة وانقسامات طائفية وسياسية عميقة حالت دون قيام دولة فعلية، وطغى منطق التسويات وتقاسم الحصص على الإصلاح، وتُوجَّه الى السياسيين اتهامات بتقاضي رشى وعمولات على كل المشاريع العامة.
في أكتوبر (تشرين الأول)، انتفض مئات آلاف اللبنانيين ضد الطبقة السياسية، واتهموها بالفساد والعجز. وتراجع زخم التحركات مع تفشي فيروس كورونا المستجد.
ويعيش نصف اللبنانيين تقريباً اليوم تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة. وبات كثر عاجزين حتى عن ملء ثلاجاتهم. وانتحر أربعة لبنانيين خلال يومين الأسبوع الماضي بسبب ظروفهم الصعبة. وتقايض أمهات على مواقع التواصل الاجتماعي ثيابهن أو مقتنيات منازلهن بحليب وحفاضات، في مشهد لم يعتده لبنان في أقسى الظروف.
الشهر الماضي، استقال مستشار وزارة المالية هنري شاوول ومديرها العام آلان بيفاني العضوان في الوفد المفاوض، بسبب «غياب إرادة حقيقية للإصلاح»، بحسب قولهما.
وتصرّ وزارة المالية على أنّ المفاوضات مع صندوق النقد مستمرة وأن ما طلبه الصندوق هو توحيد الأرقام والإسراع في تنفيذ الإصلاحات.
ومن بين الإصلاحات المطلوبة تقليص النفقات العامة وتحسين الإيرادات الضريبية، وضبط الحدود وإصلاح المرافق العامة على رأسها قطاع الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990). ومن المقرر أن يناقش الصندوق إصلاح قطاع الكهرباء مع الجانب اللبناني في جلسة تقنية هذا الأسبوع.
ورغم تعهد الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 -1990) بالإصلاح، بقي ذلك حبراً على ورق.
ويرى مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية ناصر ياسين أنه «لا توجد نية سياسية للإصلاح». ويقول «يفضل الزعماء ألا يصار إلى إجراء إصلاحات جدية تحت ضغط صندوق النقد أو الدول المانحة أو ضغط الشارع، مقابل أن يبقى وضع البلد مترنحاً من دون أن ينهار لضمان عدم خسارتهم كل شيء».
ويعني تحقيق الاصلاحات، وفق ياسين، «تجريدهم من الكثير من أدوات عملهم وسلطتهم واستحواذهم على الدولة والاقتصاد والمجتمع عبر شبكات تابعة لهم وعبر تغذية المحسوبيات والزبائنية».
ويقول المصدر المطلع على المفاوضات «على الطبقة السياسية أن تفهم أن زمن التسوّل انتهى ولم تعد تنطلي على أحد الوعود الكاذبة بالإصلاح».
ويقول مصدر غربي مطلع على مضمون المحادثات رفض الكشف عن هويته، إن جلسة التفاوض الأخيرة «سارت بشكل سيئ للغاية» وانتهت بطلب صندوق النقد من الوفد اللبناني «التوقّف عن خداعنا».
ويروي أن وزير المالية غازي وزني حاول احتواء التوتر بطلب الانتقال للبحث في نقطة أخرى، فأتاه الجواب «ليس هناك من نقطة تالية». ولم يُحدّد أي موعد بعد لاجتماع التفاوض المقبل.
ويطالب الصندوق الحكومة باتخاذ تدابير سريعة بينها تحرير سعر الصرف والتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وتقييد الرساميل بشكل رسمي، بحسب المصادر.
ومنذ انطلاق المفاوضات، ارتفع سعر الصرف من أربعة آلاف الى تسعة آلاف مقابل الدولار في السوق السوداء، فيما تفرض المصارف قيوداً مشددة على الودائع وتمنع الزبائن من سحب دولاراتهم.
ولكن ماذا لو لم يحصل لبنان على دعم صندوق النقد؟
يجيب المصدر الغربي «لا أرى ما الذي يمكن أن يشكل بديلاً عن مساعدة من الصندوق... فالبلد ينهار، والليرة كذلك، بينما المسؤولون في حالة إنكار».
ويطمح لبنان إلى الحصول على دعم خارجي بأكثر من 20 مليار دولار، بينها 11 مليار أقرها مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في 2018 مشترطاً إصلاحات.
ويجزم المصدر الغربي بأن أحداً من المانحين لن يستثمر في لبنان في ظل عملة غير مستقرة وبلا برنامج مع صندوق النقد. ويقول «توقيع صندوق النقد هو ما سيعيد تصحيح السمعة».
وفي موقف لافت، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأربعاء من «خطر انهيار» لبنان. وقال «على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور وأسمح لنفسي أن أقول لأصدقائنا اللبنانيين: نحن حقاً مستعدّون لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم».
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الأربعاء «نحن داعمون للبنان طالما أنه يقوم بإصلاحات بشكل صحيح ولا يشكل وكيلاً لإيران»، حاملا على حزب الله المدعوم من طهران والذي يُشكّل حاليا الجهة السياسية الأقوى في لبنان.
ويقول المصدر اللبناني المطلع بانفعال «مع دولار متفلت لا سقف يمنعه من بلوغ عتبة 25 أو 50 ألف ليرة وتضخم يومي، سيتّجه لبنان من دون صندوق النقد الدولي، الى الجحيم».
الدولة اللبنانية في حالة شلل والمفاوضات مع صندوق النقد مجمّدة
الدولة اللبنانية في حالة شلل والمفاوضات مع صندوق النقد مجمّدة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة