قصائد الآباء عن الأبناء

أهم الانطولوجيات الشعرية العربية خلت منها

أحمد شوقي - بدر شاكر السياب - عبد الرزاق عبد الواحد
أحمد شوقي - بدر شاكر السياب - عبد الرزاق عبد الواحد
TT

قصائد الآباء عن الأبناء

أحمد شوقي - بدر شاكر السياب - عبد الرزاق عبد الواحد
أحمد شوقي - بدر شاكر السياب - عبد الرزاق عبد الواحد

في قصيدة للشاعر السوري عمر بهاء الدين الأميري، نقرأ تفاصيل كثيرة عن الأطفال وصخبهم اللذيذ، ومرثية في الوقت نفسه لتلك الأيام التي بدأ الشاعر يبحث عنها فلا يجدها، إن مثل هذه القصائد قد لا يتفاعل معها غير المتزوجين؛ لأنها تتحدث عن تفاصيل لا يمكن التفاعل معها من خلال التخيل فقط، إنما الغوص في تلابيبها سيمنحك طاقة للتلقي. وهي ذكرتني بقصيدة للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، كنَّا قبل الزواج نتهكم عليها لأننا لا نشعر بصدقها، وواقعيتها المحببة، حيث يقول في مطلعها:
لا تطرق الباب تدري أنَّهم رحلوا
خذ المفاتيح وافتح أيُّها الرجل
فهذا المطلع كان مصدر سخريتنا بصراحة، ولكن حين تزوجتُ، وأنجبت أطفالاً، رجعتُ لقصيدة عبد الرزاق عبد الواحد تلك، وقد ندمت كثيراً لأني تعاملت بسخرية مراهقة مع نص حقيقي يختصر رحلة الأب، وتعبه، ومن ثم يتركه أبناؤه بمجرد أنْ يكبروا.
أعود إلى الإشارة التي بعثها مهند، فقصيدة «عمر بهاء الدين الأميري» وقصيدة «عبد الرزاق عبد الواحد» رغم فخامة البناء التقليدي في نصيهما إلا أنهما نصَّان منغمسان في الحياة بكل تفاصيل البيت، وشغب الأطفال، ولعبهم، وشكواهم، وقد كنتُ أظن أنَّ هذه التفاصيل اليومية للبيت والعائلة لا يمكن أنْ تنتجها الهياكل الكلاسيكية، إنَّما هي بنت الحداثة، وعلى وجه التحديد بنت قصيدة النثر، التي من الممكن أنْ يكون فيها جدول مختلف تستحم فيه العائلة وتفاصيلها، فحتى النص الذي كتبه السياب عن ابنه غيلان «مرحى غيلان» لم يكن يتحدث عن تفاصيل الطفل مع أبيه، إنما كتب باستعارات وصور تشبيهية وتناصات أكبر من حجم وتلقائية الأطفال (ينساب صوتك في الظلام إليَّ كالمطر الغضير- ينساب من خلل النعاس وأنت ترقد في السرير- من أي رؤيا جاء؟ أي سماوة؟ أي انطلاق...) مع العلم أنَّ الشعر العربي لم يخل على الإطلاق من هذه الحميمية ما بين الأب وأطفاله، ولكن الغريب أن أهم الأنطولوجيات الشعرية - كما أظن - وهما ديوان الحماسة لأبي تمام، وديوان الشعر العربي لأدونيس، خاليان تماماً من أي شعر خاص وذاتي للشاعر مع أطفاله، ما عدا باباً يمكن أنْ يكون في جزء منه للعائلة وضعه أبو تمام في نهاية حماسته، ولكنه للأسف أسماه بـ«باب مذمة النساء» وما تحفل به الذاكرة الآن هو أشعار رثائية قيلت لأبناء الشعراء المتوفين، كقصائد ابن الرومي، أو قصيدة أبو تمام في رثاء ابنه، ورثائيات كثيرة جداً مثل هذا النوع، ولكننا لم نحفل كثيراً بنصوص تدوّن تفاصيل الأبناء، بطريقة حميمية مثلما فعل «أحمد شوقي» في قصيدته عن ابنته «يا حبذا أمينة وكلبها» حيث يقول:
يا حبذا أمينة وكلبُها
تحبُّه جداً كما يحبُّها
أمينتي تحبو إلى الحولين
وكلبها يناهز الشهرين
يلزمها نهارها وتلزمُه
ومثلما يكرمها لا تكرمه
فعندها من شدة الاشفاقِ
أنْ تأخذ الصغير بالخناقِ
في كل ساعة لها صياحُ
وقلَّما ينعمُ أو يرتاحُ
ولكن ما فعله عمر بهاء الدين وعبد الرزاق عبد الواحد أمرٌ مختلف، حيث نبرة الرثاء المختلفة عما تعودناه من رثائيات، فعمر بهاء الدين يقول في قصيدته والذي يُقال إن العقاد قال عنها «لو كان للأدب العالمي ديوان لكانت هذه القصيدة في طليعته»
أين الضجيج العذب والشغبُ
أين التدارس شابه اللعبُ؟
أين الطفولة في توقدها؟
أين الدمى في الأرض والكتبُ؟
أين التشاكس دونما غرضٍ؟
أين التشاكي ما له سبب؟
ثم يستغرق الأميري في تفاصيل أكثر حميمية وأبلغ حزناً وهي عبارة عن يوميات يعيشها كل أبٍ مع أطفاله؛ لذلك قال عنها العقاد إنها في طليعة الشعر العالمي، فالأميري يقول:
أين التسابق في مجاورتي
شغفاً إذا أكلوا وإنْ شربوا
فنشيدهم «بابا» إذا فرحوا
ووعيدهم «بابا» إذا غضبوا
بالأمس كانوا ملء منزلنا
واليوم ويح القلب قد ذهبوا
ثم يغوص الأميري بعد أن يكبر أبناؤه ويتفرقوا بعيداُ عنه، فليس له من مفرٍ إلا الذاكرة واستدعاء شغب الأطفال الذي يتمنَّاه الآن، ويكرهه في شبابه، حيث يقول:
في كل ركن منهم أثرٌ
وبكل زاوية لهم صخبُ
في النافذات زجاجها حطموا
في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه
وعليه قد رسموا وقد كتبوا
بعدها يختمها
هيهات ما كل البكا خورٌ
إني وبي عزم الرجال أبُ
عمر بهاء الدين استطاع أنْ يحول هذه التفاصيل التي تمر على كل أبٍ في هذا العالم من هامشها المزعج إلى نافذة يطل منها على ذاكرة، وكأنها مرثية لأيامه التي كان يلعب بها مع أبنائه ويصيح عليهم، أقول استطاع دون أنْ يتكلف وهو محبوس داخل الشطرين في أنْ يصنع نصاً نابضاً بالحركة والحياة، وكأنَّ قارئه يمسك بالأطفال وهم يرسمون على الأبواب، وهم يثقبون الجدران، وهم يتزاحمون على الجلوس مع الأب، كل هذه الحركة وغيرها كثير في النص، صنعها الصدق في القصيدة، وليست الدربة أو المهارة الشعرية، أو الاستعارات، إنما القصيدة خالية من البلاغة المعتادة، وتكاد تخلو من الصورة الشعرية بمعناها البلاغي، في حين القصيدة كاملة هي عبارة عن صورة في ألبوم احتفظ به صاحبه ليخرجه بعد أكثر من عشرين عاماً، يندب فيه تلك الأيام بأقل الكلمات وأبسطها إلى القلب؛ لأنها صادقة ومعبرة، وصدق التجربة متضافر مع الهم الكوني، يجعل من القصيدة مناخا يشترك فيه العالم كله؛ لذلك قال العقاد عن هذه القصيدة أنها ستقف في مقدمة الشعر العالمي، لأنها لو ترجمت سيتلقاها كل الناس ومن كل الاتجاهات بقبول وبتفاعل كبير لأنها تتناول هماً إنسانياً مشتركاً.
وبسبب هذا النص الذي اطلعتُ عليه تذكرت قصيدة عبد الرزاق عبد الواحد، تلك التي كنتُ أسخر من مطلعها، ولكني عاقبت نفسي فيما بعد، بأنَّي رحتُ أسخر من نفسي؛ وذلك لأنَّ النص قد لا يتفاعل معه العزَّاب كما ذكرت، والنص بصراحة مختلف عن تجربة عبد الرزاق عبد الواحد، تلك التجربة التي اعتدنا على جرسها العالي، وعلى لغتها الفخمة، وبنائها المتين، وسبكها الذي لا يقبل الضعف أو الهنة، إلا أنه هنا في هذه القصيدة يخرج عبد الرزاق عبد الواحد الإنسان وليس الشاعر المحترف، الذي قد يتحول الشعر بين يدي المحترفين إلى عادة بسبب التكرار، فتنطفئ لحظتها جمرات الدهشة، أعود إلى نص عبد الرزاق عبد الواحد حيث يقول:
لا تطرق الباب تدري أنَّهم رحلوا
خذ المفاتيح وافتح أيها الرجل
أدري ستذهب تستقصي نوافذهم
كما دأبت، وتسعى حيثما دخلوا
تراقب الزاد هل ناموا وما أكلوا؟
وتطفئ النور... لو... لو... مرة فعلوا
ثم يغوص عبد الرزاق كما غاص بهاء الدين بتفاصيل حميمية يمرُّ بها الآباء
لا تطرق الباب كانوا حين تطرقها
لا ينزلون إليها... كنتَ تنفعلُ
ويضحكون وقد تقسو فتشتمهم
وأنت في السر مشبوب الهوى جذلُ
حتى إذا فتحوها والتقيتَ بهم
كادت عيونك فرط الحب تنهملُ
عبد الرزاق عبد الواحد يتنازل من علياء قصيدته التي عُرف بها واندمغ أسلوبه بفخامة البناء، ينزل لهوامش الهوامش في بيته بعد أنْ كبر أولاده، وكلٌّ في جهة قد غادر يقول:
لا تطرق الباب، من يومين تطرقها
لكنهم يا غزير الشيب ما نزلوا
ستبصر الغرف البكماء مطفأة
أضواؤها، وبقاياهم بها هملُ
قمصانهم، كتبٌ في الرفِّ أشرطة
على الأسرِّة عافوها وما سألوا
كانت أعزَّ عليهم من نواظرهم
وها عليها سروب النمل تقتتلُ
وسوف تلقى لقىً كم شاكسوك لكي
تبقى لهم، ثم عافوهنَّ وارتحلوا
خذها لماذا إذن تبكي، وتلثمها
كانت أعزَّ مناهم هذه القبلُ
يشترك هنا عبد الرزاق عبد الواحد مع عمر بهاء الدين في هذه القصيدة بخصيصة الصدق، وليست البلاغة المعتادة، إنَّها بلاغة البيوت التي تفرغ، وبلاغة الحنين الذي ينزف، وبلاغة الذاكرة التي تنوء بحركة الأطفال الذين كبروا بسرعة، وغادروا بسرعة، هذه البلاغة فرضتها طبيعة الموضوعة المعالجة، فغيرت بجوهر الكتابة لدى الشاعر نفسه، فعبد الرزاق عبد الواحد وعلى الرغم من محافظته في هذا النص على البناء العالي، وهذه طبيعة العراقيين في الكتابة على ما يبدو، فإنه استطاع أنْ يوظف الهامش اليومي الذي يمر على كل أبٍ وفي كل يوم، من دون صور استعارية أو تشبيهية، فما الذي يصنع من تفاصيل الأطفال وعراكهم وصراخهم شعرية عالية؟ وهي خالية من الاستعارات والصور التي اعتدنا عليها؟ إذن هو الصدق الملفوف باللغة والمختمر بالتجربة سينتج خبزة ساخنة في تنور القصيدة، عندها فقط سنعترف بأنّ «أجمل الشعر أصدقه»، وبأنَّ الصدق في القصيدة هو الاستعارة الكبرى التي لا تضاهيها أكثر الصور مهارة، وبأي شكلٍ من أشكال الكتابة.



«مجمع الملك سلمان العالمي» يحتفي باليوم العالمي للغة العربية

مجمع الملك سلمان العالمي يحتفي باليوم العالمي للغة العربية بحضور نخبة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الثقافية والعلمية (واس)
مجمع الملك سلمان العالمي يحتفي باليوم العالمي للغة العربية بحضور نخبة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الثقافية والعلمية (واس)
TT

«مجمع الملك سلمان العالمي» يحتفي باليوم العالمي للغة العربية

مجمع الملك سلمان العالمي يحتفي باليوم العالمي للغة العربية بحضور نخبة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الثقافية والعلمية (واس)
مجمع الملك سلمان العالمي يحتفي باليوم العالمي للغة العربية بحضور نخبة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الثقافية والعلمية (واس)

نظّم مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، الأربعاء، بالتعاون مع منظمة «التعاون الإسلامي» للعام الرابع على التوالي، احتفالاً باليوم العالمي للغة العربية، برعاية الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، رئيس مجلس أمناء المجمع، بحضور نخبة من ممثلي الدول الأعضاء والمنظمات الثقافية والعلمية، وجمع من الشخصيات المعنية باللغة العربية في العالم الإسلامي، وذلك في المقر الرئيسي للمنظمة بمحافظة جدة.

وأكّد الأمين العام للمجمع الدكتور عبد الله بن صالح الوشمي، أن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية في منظمة «التعاون الإسلامي» يجسّد التكامل بين المؤسسات الثقافية والمنظمات الأممية في دعم اللغة العربية، وتمكينها في السياقات الدولية متعددة الثقافات واللغات، مثمناً ما تحظى به برامج المجمع من دعم من وزير الثقافة، مبيناً أن المجمع يعمل على ترسيخ حضور العربية في المنظمات الدولية؛ بإطلاق مشروعات علمية وسياسات لغوية ومبادرات نوعية تُبرز مكانتها بين لغات العالم، وقدرتها على التفاعل والتأثير، على نحو يتماشى مع مستهدفات برنامج تنمية القدرات البشرية.

ويتضمن البرنامج جلستين علميتين رئيستين؛ الجلسة الأولى بعنوان «حالة تعليم اللغة العربية في الدول الإسلامية»، لاستعراض منهجية المشروع الدولي الذي نفّذه المجمع عن واقع تعليم اللغة العربية ونتائجه في الدول غير العربية - خصوصاً الإسلامية منها - والتحديات والفرص المرتبطة بتطوير برامج تعليم اللغة العربية لغة ثانية، والجلسة الثانية بعنوان «حضور اللغة العربية في الدول الإسلامية»، تناولت واقع العربية في بعض الدول الإسلامية، مستعرضةً تجارب 6 دولٍ؛ هي: ليبيا، والسودان، وغامبيا، وبنغلاديش، والسنغال، والكويت، بمشاركة خبراء وممثلين من المؤسسات التعليمية في تلك الدول.

وتهدف الجلستان إلى تسليط الضوء على التحديات والفرص في تعليم العربية، واستعراض السياسات والمبادرات الداعمة لتطوير مناهجها وبرامجها التعليمية.

ويصاحب الفعالية معرض يُظهر تنوع المشروعات والمبادرات التي ينفّذها المجمع في خدمة اللغة العربية عالميّاً، ويستعرض إصدارات المجمع ومنتجاته الرقمية والمعرفية.

ويأتي هذا الاحتفال امتداداً لرسالة المجمع في تمكين اللغة العربية عالميّاً، وتعزيز حضورها في المحافل العالمية والمنظمات الثقافية الكبرى، وتجسيداً للشراكة مع المنظمات العربية والإسلامية في دعمها؛ بوصفها عنصراً من عناصر الهُوية الثقافية للعالم الإسلامي، وجسراً للتواصل والتفاهم الحضاري، وتأكيداً لدور السعودية الريادي في خدمة العربية ونشرها لغةً للثقافة والمعرفة.


السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
TT

السعودية تطلق منصة عالمية للخط العربي من المدينة المنورة

وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)
وسيلة تواصل عالمية تتجاوز الحدود الثقافية وتجسّد حضور الخط العربي في مجالات التراث والفنون والعمارة والتصميم (الثقافة السعودية)

شرع «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي» في منطقة المدينة المنورة (غرب السعودية) أبوابه لكل المهتمين بالخط العربي من جميع أنحاء العالم بما يعزز من حضور هذا الفن العريق الذي يمثل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع، عبر 5 محاور يندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية.

يمثل المركز منصة عالمية لدعم الخط العربي وفنونه المتعددة، بوصفه وسيلة تواصل عالمية عابرة للثقافات في مجال التراث والفنون والعمارة والتصميم، مع تعزيز مكانة السعودية وتأثيرها في حفظه وتطويره، إلى جانب احتضان المواهب وتنمية المعارف في مجالات الخط العربي.

وتحت رعاية الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، حضر الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة رئيس مجلس هيئة تطوير المنطقة، الاثنين، حفل افتتاح المركز، بحضور الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة.

الأمير سلمان بن سلطان أمير منطقة المدينة المنورة يرافقه الأمير بدر بن عبد الله وزير الثقافة خلال جولة على مرافق المركز العالمي للخط العربي في أثناء حفل افتتاحه (الثقافة السعودية)

واطلع أمير المدينة المنورة خلال جولة على مرافق المركز وما يضمه من معارض فنية واستمع إلى شرح عن المحتوى الثقافي وما حققه المركز بمسماه السابق «دار القلم» من جوائز ومنجزات ثقافية، كما شاهد عدداً من المقتنيات والأعمال الفنية التي تعكس قيمة الخط العربي ومكانته الثقافية والحضارية.

وقال وزير الثقافة السعودي في كلمة له خلال الحفل: «من أرض النور والعلوم، نسعد بتدشين مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، الذي يؤسس منصة عالمية للخط العربي بوصفه قيمة ثقافية عريقة، في ظل ما يحظى به القطاع الثقافي من دعم كريم وغير محدود من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء».

وأكد أن «مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي يوجّه رسالةً إلى العالم أجمع عن حجم هذا الإرث العظيم والمكانة الرفيعة للخط العربي، ويؤكد الاهتمام الذي تُوليه قيادتُنا لثقافتنا وهويتنا».

وزير الثقافة السعودي خلال إلقاء كلمته (الثقافة السعودية)

وأشار إلى أن «المركز يُجسّد رؤيةً واضحة للارتقاء بالخط العربي بصفته وسيلةَ تواصل عالمية وراسخة في التراث العربي والفنون والعمارة والتصميم، ويعزز مكانة المملكة ودورها التاريخي في صونه وتطويره، كما يُعدّ منصة للإبداع والابتكار والتواصل الحضاري.

كما يشكّل المركز، منصةً لتطوير المواهب وصقل مهارات الخطاطين والاستثمار في المبدعين، إلى جانب تعزيز الهوية الثقافية للمملكة وترسيخ حضورها الدولي، مستهدفاً مختلف الفئات، ومنهم الخطاطون والمواهب الناشئة والفنانون التشكيليون والباحثون في الفنون الإسلامية والمؤسسات التعليمية والثقافية، إضافةً إلى الجمهور المحلي والعالمي من محبي الفنون والتراث، بما يسهم في توسيع دائرة التأثير وزيادة الوعي الثقافي وإبراز جماليات الخط العربي».

المركز يجسّد دوره كمنصةً عالمية لحفظ الخط العربي وتطويره (الثقافة السعودية)

وترتكز استراتيجية المركز على 5 محاور رئيسة، تشمل: المعرفة والتطوير، وتنمية المهارات، والمشاركة المجتمعية، والأعمال والفرص، والابتكار، ويندرج تحتها عددٌ من البرامج النوعية، من أبرزها: وحدة البحث والأرشفة، وبرنامج تعلم الخط العربي، ومنح الدراسات والأبحاث، ومتحف الخط العربي الدائم، والمعارض المتنقلة، والجمعية الدولية للخط العربي، وحاضنة الأعمال المرتبطة بالخط العربي.

ويعمل المركز على تنفيذ حزمةٍ من البرامج النوعية، تشمل: برنامج الإقامة الفنية، وتنظيم الورش التخصصية، وتطوير المناهج والمعايير المرتبطة بالخط العربي، إلى جانب مبادرات تعليمية وتدريبية دولية تسهم في حفظ التراث الثقافي، وتعزّز الحضور العالمي لهذا الفن العريق، الذي يمثّل إرثاً حضارياً حياً يجمع الأصالة والإبداع.

جانب من الأعمال الفنية التي تبرز جماليات الخط العربي وتنوّع مدارسه (الثقافة السعودية)

يأتي تدشين المركز تأكيداً للعناية التي توليها المملكة للثقافة والفنون، وانطلاقاً من المكانة التاريخية للمدينة المنورة بوصفها مهداً للخط العربي، وذاكرةً حضارية ارتبطت بكتابة المصحف الشريف وتدوين العلوم الإسلامية، وامتداداً لدورها التاريخي ممثلاً في «دار القلم»، بما يرسّخ حضور المدينة منصةً عالميةً للخط العربي، ويجسّد اتساق هذه المبادرات مع مستهدفات «رؤية المملكة 2030».


عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
TT

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)
«أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

بعد مرور 20 عاماً على عرضها الأول، يعود الأخوان فريد وماهر صبّاغ إلى الخشبة بمسرحية «أنا وغيفارا» في صياغة جديدة. وقد افتُتح عرضها على «مسرح جورج الخامس - أدونيس»، ويشارك في بطولتها «الأخوان صبّاغ» إلى جانب نادين الراسي، وكارين رميا، وأنطوانيت عقيقي، وريمون صليبا، وجوزيف أصاف، ورفيق فخري، وألان العيلي.

«أنا وغيفارا» تُقدَّم بأسلوب إخراجي ممتع (الشرق الأوسط)

يتناول العمل الثورة التي قادها كل من فيدل كاسترو وتشي غيفارا لتحرير كوبا، ومن خلالها تحوَّل الرجلان إلى رمزَين عالميين ثوريين.

يطغى المشهد العسكري على مجريات المسرحية منذ اللحظة الأولى، سواء أكان من خلال مشاهد الثوار أم الجيش الكوبي. غير أن حدّة هذه الأجواء يخففها الحضور الذكي للأغنيات والموسيقى؛ إذ أحسن «الأخوان صبّاغ» توظيف هذين العنصرين بدقة. فاختصرت الأغنيات حوارات كاملة بين الشخصيات، وعبّرت بالتالي عن مشاعر الفرح والحزن، وعن إرادة الشعب وأهداف الثورة، وصولاً إلى مواقف مفصلية تستدعي الشجاعة والإقدام.

وبين النغمات الشرقية والغربية، قدّم «الأخوان صبّاغ» خلطة موسيقية جميلة وممتعة، طافت بالجمهور في رحلة ببلاد الأرز والفلكلور اللبناني الأصيل، وصولاً إلى الكاريبي وعبق الثورة الكوبية. وقد تفاعل الحضور بشكل لافت مع عدد من الأغنيات، لا سيما تلك التي أدّت فيها كارين رميا أغنية «تشي غيفارا» الشهيرة، وبرع فريد صبّاغ مع مجموعة الكورال في أداء «نشيد الثورة».

تجلّت مهارة الأخوين صبّاغ الإخراجية طيلة العرض، الذي استغرق نحو ساعتين، إذ جاء المشهد البصري جذاباً ومدروساً، وواكبه أسلوب سمعي غني بالمؤثرات الصوتية أضفى عليه زخماً مكثفاً. كما أجادا تقديم شخصيات العمل، مانحين كلاً منها المساحة الكافية لتترك بصمتها ضمن أداء احترافي.

نادين الراسي تلعب أكثر من شخصية في المسرحية (الشرق الأوسط)

من ناحية ثانية، تطلّ الممثلة نادين الراسي في المسرحية لتلعب أكثر من شخصية. وتحت اسم «إيفا»، وهي شخصية خيالية بخلاف عدد من الشخصيات المستندة إلى الواقع، تعود الراسي إلى خشبة المسرح بعد غياب.

وقد توجّهت جميع الأنظار إلى نادين الراسي، لا سيما مع تراجع إطلالاتها الدرامية في الفترة الأخيرة. ومن خلال الشخصيات التي تقدّمها في «أنا وغيفارا»، تنقّلت بين أدوار متناقضة، جمعت بين الخير والشر... فهي «إيفا» التي ترمز إلى القوى الكبرى وآليات تدخّلها في مصائر بلدان متعددة، كما تؤدي شخصية «تانيا» الثائرة؛ حبيبة غيفارا. ولم يتوانَ «الأخوان صبّاغ» عن منحها مساحة لأداء روحاني، أقامت عبرها جسراً رمزياً للتواصل بين السماء والأرض.

الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا في مشهد من المسرحية (الشرق الأوسط)

أما الثنائي أنطوانيت عقيقي وريمون صليبا، فقد استحضرا الكوميديا الخفيفة إلى العمل، وهما يستندان إلى خبرتهما الطويلة في هذا المجال، فنجحا في رسم الضحكات على وجوه الحضور بخفّة وطرافة، وشكّلا معاً «استراحة المحارب» التي يحتاجها المتفرّج وسط زحمة العسكر وضغوطات الثورة.

وعلى الرغم من حدّة الأحداث التي تتألّف منها قصة العمل، فإن «الأخوان صبّاغ» اختارا الابتعاد كلياً عن مشاهد العنف. فحتى في المعارك الدائرة بين رجال الثورة وجيش الدولة الكوبية، وكذلك في مشهد القبض على تشي غيفارا، غُيّب أي أثر للعنف الجسدي، فسار المخرج بين السطور بدقّة، تاركاً لخيال المشاهد مهمّة الاستنتاج واستخلاص العِبر.

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران. كما شكّل العمل رهاناً واضحاً على استمرارية المسرح الغنائي الغائب بشكل ملحوظ عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة، فأعادا حبك القصة بروح عصرية، مستخدمَين أدوات وعناصر فنية افتقدها الجمهور اللبناني طويلاً على الخشبة.