التحقيق مع البشير في جريمة تصفية ضباط من الجيش عام 1990

حمدوك يقيل وزير الشرطة ونائبه ويعين بديلاً له استجابة لمطالب الثوار

الرئيس السوداني المعزول إبان محاكمته في قضية سابقة تتعلق بالفساد المالي (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني المعزول إبان محاكمته في قضية سابقة تتعلق بالفساد المالي (أ.ف.ب)
TT

التحقيق مع البشير في جريمة تصفية ضباط من الجيش عام 1990

الرئيس السوداني المعزول إبان محاكمته في قضية سابقة تتعلق بالفساد المالي (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني المعزول إبان محاكمته في قضية سابقة تتعلق بالفساد المالي (أ.ف.ب)

حقّقت لجنة خاصة مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، في قضية إعدام 29 من كبار الضباط بالجيش السوداني عام 1990، وفي الأثناء أقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مدير عام قوات الشرطة السودانية، ونائبه، استجابة لمطالب الثوار.
وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن لجنة التحقيق في جريمة تصفية 29 ضابطاً عشية عيد الفطر 1990، التي اشتهرت بـ«جريمة إعدام ضباط رمضان»، استدعت البشير للتحقيق معه في الجريمة، بيد أنه رفض التعاون معها ولاذ بالصمت.
وأعلن النائب العام تاج السر الحبر، في وقت سابق، استجواب 35 من الشهود في القضية، وأن التحقيق وصل مرحلة تحديد المسؤوليات وتوجيه الاتهامات للمسؤولين عن ارتكاب الجريمة، لكنه لم يكشف عن أسماء المتهمين.
وكشف الجيش السوداني في مايو (أيار) الماضي، مكان مقبرة جماعية، دفن فيها 29 ضابطاً تمت تصفيتهم من قبل نظام البشير في 28 رمضان عام 1990، ودفنهم سراً، إثر إقدامهم على تنفيذ انقلاب ضد حكمه. وقالت لجنة كوّنتها الحكومة الانتقالية إن التحقيقات تشير إلى أن مكان المقبرة تقع بمنطقة كرري، شمال مدينة أم درمان، فيما تشير تسريبات إلى أن المحاكمة التي أجريت للضباط لم تستغرق «ساعة» واحدة، سِيقوا بعدها لمكان الإعدام، وتم إطلاق الرصاص عليهم ودفنهم في مقبرة جماعية، وأخفي مكان دفنهم.
من جهة أخرى، أصدر حمدوك أمس قراراً بإعفاء مدير عام الشرطة، الفريق أول عادل بشاير، ونائبه الفريق عثمان محمد يونس، وعيّن الفريق أول عزّ الدين الشيخ علي مديراً عاماً لقوات الشرطة، استجابة لمطالب الثوار الذين تظاهروا في 30 يونيو الماضي، ومن بين المطالب إقالة مدير الشرطة، الذي يتهمونه بالولاء للإسلاميين.
ونقلت «الشرق الأوسط» في وقت سابق، أن مكونات الحكومة الانتقالية توافقت على إعادة هيكلة جهاز الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات، وتحويل الشرطة إلى جهاز مدني يخضع لرئاسة الوزراء، وهي أجهزة حوّلها نظام البشير إلى أجهزة تابعة لتنظيم «الإخوان».
وتتهم قطاعات واسعة من السودانيين حكومة حمدوك بالبطء في تحقيق أهداف ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وبعدم تصفية رموز نظام البشير، وتفكيك سيطرتهم على الخدمة المدنية، الأمر الذي دعاهم إلى تنظيم مواكب احتجاجات مليونية في 30 يونيو الماضي، طالبته باتخاذ إجراءات عاجلة تتضمن هيكلة الشرطة وإقالة المدير العام، وإجراء تعديل وزاري، وتسريع محاكمة رموز نظام الإسلاميين، ومحاربة الفساد.
من جانبه، تعهد رئيس الوزراء بتنفيذ مطالب المحتجين في غضون 14 يوماً، ويعد قراره بإقالة مدير عام الشرطة، أول الوعود التي قدّمها للثوار، فيما ينتظر أن يعمد إلى تعيين حكام ولايات مدنيين وإلى إقالة عدد من وزراء حكومته.
وأدين البشير في ديسمبر (كانون الأول) 2019 بالسجن عامين وإيداعه مؤسسة الإصلاح الاجتماعي بسجن كوبر، بتهمة «الثراء الحرام والتعامل غير المشروع بالنقد الأجنبي» بعد إدانة بالفساد والاتجار بالعملات والثراء الحرام، فيما تنتظره محاكمة مدبري انقلاب الإنقاذ، والتي ينتظر أن يبدأ التقاضي حولها في وقت قريب، بعد إعلان النيابة العامة اكتمال التحقيقات حولها وتسليمها للهيئة القضائية.
ورفض البشير من قبل الإدلاء بأي معلومات في التحقيق الذي أجرته معه النيابة العامة في الاتهامات الموجهة إليه، وإلى العشرات من قادة الإسلاميين بتقويض النظام الدستوري في البلاد.
وأعلن القضاء السوداني أنه سيشرع في محاكمات الرئيس المعزول، عمر البشير، والعشرات من قادة الجبهة الإسلامية، المتهمين بالانقلاب على النظام الديمقراطي في 1989. وستراعي المحاكم الاشتراطات الصحية لجائحة كورونا.
وتتحفظ السلطات على المتهمين بالانقلاب من قادة النظام المعزول بسجن كوبر المركزي بالخرطوم بحري، أبرزهم نائب الرئيس الأسبق علي عثمان محمد طه، وأحمد هارون مساعد البشير ووزير الداخلية الأسبق، عبد الرحيم محمد حسين، والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي علي الحاج، ونائبه إبراهيم السنوسي، فيما أطلقت سراح البعض بالضمانة العادية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم