القبح... قرون من الظلم وسوء الفهم والعنصرية

القبح... قرون من الظلم  وسوء الفهم والعنصرية
TT

القبح... قرون من الظلم وسوء الفهم والعنصرية

القبح... قرون من الظلم  وسوء الفهم والعنصرية

يستدعي الجمال بالضرورة الحديث عن القبح، ليس باعتباره نقيضا له، بل توأم له، على الأقل منذ عصر الحداثة، وما بعدها، رغم أن التداخل بينهما، أو على الأقل على مستوى المفاهيم قد حصل منذ القرن الثامن عشر، فبتنا نردد مصطلحات مثل «جماليات القباحة» و«القبح الجميل». لكن الإشكالية التاريخية والمعرفية فيما تخص المصطلحين لا تزال قائمة، وخاضعة لوجهات نظر متباينة، واجتهادات تعتمد على ميراثنا، وتربيتنا، وتركيب مجتمعاتنا. من هنا تجيء أهمية كتاب «القباحة... تاريخ ثقافي» للباحثة الأميركية غريتسن إي. هندرسن، المحاضرة في جامعة جورج تاون، الذي ستصدر ترجمته العربية بعد أيام عن دار «المدى» العراقية.
إنه مسح شامل ونادر منذ عصر أرسطو، الذي كان يعتبر النساء «رجالاً مشوهين»، مروراً بالعصور الوسطى، و«أندية القبح» في القرن الثامن عشر، إلى وحش فرانكنشتاين، وصولاً إلى النازية، ومعرضها الشهير عام 1937 الذي أسموه معرض «الفن المنحط»، وجمعوا فيه ما يقرب من خمسة آلاف عمل لبيكاسو، وشاغال، وغوغان، وفان غوخ، وماتيس وغيرهم، باعتبارها «أعمالاً قبيحة لا تستحق سوى الازدراء»، وصولاً إلى عصرنا الحالي.
هل يسعى هذا الكتاب إلى تغيير مفاهيمنا عن القباحة؟ نعم، كما يرى ألبرتو مانغويل، فهدفه هو «إجبارنا على التمعن في أذواقنا وقناعاتنا الاجتماعية ومفهومنا للعدالة... إنه لا غنى عنه في عصر متحيز مثل عصرنا».
هذا التحيز عرفه التاريخ الإنساني في كل مراحله، فالقباحة هي، قبل كل شيء، مفهوم ثقافي. وكل عصر ومجتمع ينتجان ويعيدان إنتاج هذا المفهوم ارتباطاً بالتغيرات والمعايير الثقافية السائدة وهي معايير شكلية غالبا مرتبطة بالهيئة والشكل والمظهر الجسدي الخارجي. ومن هنا، اعتبر السود والمشوهون  «كائنات قبيحة»، فـ«اللون الأسود والجسد المشوه لا يمكن أن يعكسا أرواحاً جميلة».
وانطلاقاً من ثقافة كهذه، نشأت النظريات العرقية، التي لا يمكن فصلها عن هذا الفهم الشكلي لمصطلحي «الجميل والقبيح». في القرن الثامن عشر، كتب فيلهم فون هامبولت الذي تستشهد به الكاتبة: «اللون الأبيض مناسب للبشرية ليس لأنه الأجمل، بل لأن صفاءه وشفافيته تسمحان بإظهار الملامح الخفية والفوارق الدقيقة والمزاج. أما في الأسود فتختفي جميع الألوان».
وتدهشنا غريتسن إي. هندرسن حين تذكر أن العرب في العصور الوسطى قد تجاوزوا الأوروبيين في نظرتهم إلى المشوهين، وأنهم أعادوا «تشكيل المعاني» فيما يخص مصطلحي الجميل والقبيح، وشككوا بالمعايير الأخلاقية السائدة. مستندة إلى قول للجاحظ:
«ليس المهم أم يكون الشيء مستقيماً أو أعوج، لكن أن يكون مناسباً، ونافعاً، ومجدياً أكثر، إذ هناك العديد من الأشياء الملتوية أو المنحنية التي ستصبح مؤذية أو عديمة الفائدة إن أصبحت متسقة أو مستقيمة مثل الأضلاع، الأطواق، الغربال، الخطاف، الهلال، المناقير، الأنياب، المخالب...».
وهي ترى، من جانب آخر، أن من تقاليد الأدب العربي «مدح القباحة وتقبيح الجمال»، مستشهدة بنص يعود لبدايات القرن العاشر الميلادي يقول فيه كاتبه المجهول إن «الشاعر الأفضل هو من يقبح أجمل الأشياء ويجمل أقبحها»، كما تشير المؤلفة هنا إلى كتاب الثعالبي «تحسين القبيح وتقبيح الحسن».
وبالطبع، من غير الدقيق اعتبار تقبيح الجميل وتجميل القبيح تقليداً في الأدب العربي آنذاك، بل ارتبط ذلك فقط بظاهرة شاذة عرفها العرب وحدهم، وما زالت مستمرة، وهي ظاهرة المدح والهجاء، وهي ظاهرة يمكن القول عنها شخصية، بمعنى أنها محصورة بين الهجاء والمهجو، أو بين الشاعر والسلطة غالباً، وخاصة في العصر العباسي كالمتنبي، في هجائه العنصري لكافور، وأبي تمام، الذي كان يعمد إلى تشويه الشخصيات التي يهجوها، كما فعل مع أبي القاسم عبيد الله بن العباس.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.