سخرية وهذيان... وسوريالية يوميات العزل

«أرخبيل الفزع» للمغربي أنيس الرافعي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

سخرية وهذيان... وسوريالية يوميات العزل

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

في «أرخبيل الفزع كرّاسة محكيات المعزل»، آخر إصدارات الكاتب المغربي أنيس الرافعي، عن دار «خطوط وظلال» الأردنيّة، نكون مع 41 نصاً، كتبت خلال أسابيع الحجر الصحّيّ، عقب التفشي الهستيري لفيروس كورونا، حاملة تواريخ تغطي الفترة ما بين 18 مارس (آذار) و10 مايو (أيار)، فيما رافقتها إهداءات ولوحات تشكيلية ورسومات كاريكاتورية وصور فوتوغرافية، وكذا مقتبسات، بينها قول للروائي التركي أورهان باموك، نقرأ فيه: «ارتعد النّاس الذين سمعوا بأنّ الوباء يتجوّل بينهم بهيئة إنسان»؛ أو قول للإسباني رفائيل أرغولّول، جاء فيه أنه «عشيّة الرحلة الطويلة يظهر كلّ شيء متّسما بهشاشة رقيقة. فالعالمان، الذي نغادره والعالم الذي ينتظرنا مسكونان بالأشباح، بعضها ينتمي إلى الأسماء وبعضها الآخر إلى ما لم يتجسّد بعد في حضورات ملموسة. قليلة هي أهميّة البلد الذي نتوجّه إليه: مهما يكن فإنّنا سوف نتوغّل في أرض محايدة».
في كتابه الجديد، تأخذ الكتابة عند الرافعي مضموناً يمزج بين السخرية، ربما الهذيان، وسوريالية الوصف ليوميات من المعزل في زمن الطوارئ الصحية وإجراءات التباعد الاجتماعي، بشكل ينقل لحياة افتراضيّة مليئة بالزمن المفقود. نصوصٌ يجد فيها القارئ نفسه وكثيراً مما ينقل لزمن الجائحة الذي هز العالم، فيستعيد مع الكاتب صوراً للحياة وهي تحت «تهديد الرذاذ الجرثوميّ»، تحول فيها «كوفيد المستجد» إلى قاتل متسلسل، «يوفّر السكن للجميع في مقبرة جماعيّة».
ونقرأ في كلمة للأديبة والفنّانة الفلسطينيّة رجاء بكريّة، على ظهر غلاف الكتاب: «الكونترباص»... الآلة، جهوريّة الصّوت في سلسلة الأوركسترا الجنائزيّة، مفتاحُ هذه الأوراق الّتي تحدّقُ بِكُم ككلّ المخلوقات الّتي استعرضَها أنيس الرّافِعي في أوراقهِ الأرخبيليّة المُدهِشة، وليس من عادة الأوراقِ أن تعزفَ كلّ هذه الجنائزيّات بجماليّات عذبة تكسِرُ كمَّ الكآبة والوجع. هل كانَ يعرفُ أنّهُ يعزفُ على آلة لا يعرفُها جميعُ قرّائِه؟ لا أعرف، لكن ما تأكّدتُ منهُ أنّ زيارتها الخاطفة لأحد نصوصهِ مسرحت صُدفَتَها غير المحضة. فبرغمِ مرور العازفِ الخاطفِ بينَ أشلاء الجنائزِ إلّا أنّهُ نجح في نثر معزوفاتهِ وترَ شَغَف. تنقّلَ بخفّة كِركِسٍ متمرِّسٍ بين كاملِ الأوراقِ، طبعَ لحنهُ وهرب. يموتُ هنا البشر، بطُرُقٍ شتّى، ولا ينسَوا أن يذيّلوا فتنتهم في طرفِ لوحاتٍ بالغة الرّقة والشّراسة كأثرٍ حتمي لمرورِ حادثِ دَهسٍ بالغ القسوة. ينسجون تاريخاً لصورِ الموتِ الجديدة الّتي خرجت بها الجائحة، لكنّ الموسيقى تعزفُ دون توقّف على وترِ الحَماسِ والملل. الضّحِك، السّخرية السّوداء، والملهاة بذاتِ التّناغمِ وبلا كلل. فالحُلُمُ ينتصرُ على الموتِ بتكتيكات لن نصادفها لدى كاتب غيره».
في نص متلازمة «زاحف اللّيل» و«معسكرات الاحتجاز الجديدة»، مثلاً، نكون مع السارد وهو يفيق من نومه عند منتصف نهار اليوم التالي، محطّما مثلآ آنية خزف وصلت لتوّها في عليّة إحدى حافلات «سريع وادي زم» على الطريق الوطنيّة المليئة على الدوام بالحفر. وفي «الأمير الصغير» يعود من جرمه الفلكي كي ينقذ كوكب الأرض من الكارثة، نكون مع قول للسلوفيني سلافوي جيجيك، يقول فيه إنّ «هذا الفيروس هو العقاب العادل والوحي للبشريّة على الاستغلال المباشر لأشكال أخرى من الحياة على الأرض». وفي نص آخر، يسخر من الجوعى «بأسنان خضراء ناصعة»، ويتحدث عن «الرواق الحافي» من جوف مخزن تجاري كبير عابر للقارات، وكيف أمسى الجوع «أداة سخرية من فلول الجائعين المندفعين المتسابقين صوب (الرواق/ المذبح)».
وهو يرصد «السلوك الاستهلاكي الرأسمالي لدى الإنسان الأوروبي والعربي على حدّ سواء»، والذي «من شدّة خوفه الذهاني الحادّ من القدوم العنيف والمباغت للرزيئة، تحوّل بقدرة قادر إلى جحافل وقطعان وأسراب مندفعة ومتهيّجة من القوارض والجراد والجنادب والجرذان والجرابيع البشريّة الشرهة، التي أتت دفعة واحدة على الرطب واليابس، على الصالح والطالح، على النطيح والمتردّي، وعلى البارد والساخن».
في نص «مقامة الوداعات والاستردادات: عالم ينصرف وعالم يقبل»، يحدثنا الكاتب، تحت عنوان «تقطيبات المطارات»، عن «طائرات بلا ركاب وطائرات بلا حراك»، قبل أن يخبرنا أنه رأى في ركن منزو، «هناك في ظلام المستودع. طائرة صغيرة تنزّلت من عينها اللهيفة دمعة». أما في «حاشية الإفشاء»، فسنكون مع انتقاد لبشاعة ووساخة الإنسان، ممثلاً لذلك بسلوك تجّار السوق السوداء بمدينة شنزن الصينيّة، بعد حظر تناول الكلاب والقطط في وجبات الطعام اليوميّة، وكيف «طفقوا في اصطيادها، ثمّ بيعها بأسعار فلكيّة، مثلما لو كانت نوعاً نادراً من «الكافيار»؛ قبل أن يحدثنا، في نص «أقصر أنثولوجيّا للرعب في العالم»، عن شخص «مات على نحو مفاجئ، أمام بيته بفيروس (كورونا)، داخل سيارته الجديدة. في المقاعد الخلفيّة وجدوا أيضاً كلبه نافقاً، جرّاء الجوع، أو ربّما بسبب الاختناق. فحفروا داخل حديقة البيت قبرا، ثمّ دفنوه. قبراً واحداً فسيحاً جداً صنعته كاشطة جرّافة، إلى درجة أنّه استوعب الجثّة والسيّارة والكلب دفعة واحدة!».
ويقول الرافعي إن إصداره الجديد، يشكل فرصة للاحتفال بالكتاب رقم 20 في مسيرته الأدبيّة، بين أضاميم قصصيّة ومختارات ومؤلّفات تجميعيّة، بطبعات متعدّدة، وعن دور نشر مختلفة في كلّ من مصر والمغرب والأردن وسوريا والجزائر.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

مسكنات فعَّالة وآمنة بعد جراحة الأسنان

بعد جراحات الأسنان عادةً ما يُوصى باستخدام المُسكنات لتخفيف الألم (جامعة نبراسكا)
بعد جراحات الأسنان عادةً ما يُوصى باستخدام المُسكنات لتخفيف الألم (جامعة نبراسكا)
TT

مسكنات فعَّالة وآمنة بعد جراحة الأسنان

بعد جراحات الأسنان عادةً ما يُوصى باستخدام المُسكنات لتخفيف الألم (جامعة نبراسكا)
بعد جراحات الأسنان عادةً ما يُوصى باستخدام المُسكنات لتخفيف الألم (جامعة نبراسكا)

أظهرت دراسة أميركية أن مزيجاً من دواءي «الأسيتامينوفين» و«الإيبوبروفين» يُوفّر تحكماً أفضل في الألم وبديلاً أكثر أماناً بعد جراحات الأسنان مقارنةً بالأدوية الأفيونية.

وأوضح باحثون في جامعة «روتجرز» أن هذه النتائج قد تُغيّر الطريقة التي يُعالج بها أطباء الأسنان الألم بعد العمليات الجراحية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «الجمعية الأميركية لطب الأسنان».

وبعد جراحات الأسنان مثل خلع أضراس العقل أو جراحة اللثة، عادةً ما يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الألم والتهيج الناتج عن الإجراء. وتشمل المسكنات الشائعة مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل «الإيبوبروفين»، التي تُساعد في تقليل الألم والتورم. وفي بعض الحالات، قد تُوصَف مسكنات أقوى من الأدوية الأفيونية، مثل عقار «الهيدروكودون»، لفترات قصيرة إذا كان الألم شديداً.

للمقارنة بين مسكنات الألم الأفيونية وغير الأفيونية، أجرى الباحثون تجربة على أكثر من 1800 مريض خضعوا لجراحة إزالة أضراس العقل المطمورة، وهي عملية شائعة تسبّب ألماً يتراوح بين المعتدل والشديد.

وتلقى نصفهم دواء «الهيدروكودون» مع «الأسيتامينوفين»، في حين تلقّى النصف الآخر مزيجاً من «الأسيتامينوفين» و«الإيبوبروفين». وقيَّم المرضى مستويات الألم وجودة النوم وغيرها من النتائج خلال الأسبوع التالي للجراحة.

وأظهرت النتائج أن المرضى الذين تلقوا مزيجاً من «الإيبوبروفين» و«الأسيتامينوفين» شعروا بألم أقل، ونوم أفضل، ورضا أعلى مقارنةً بالذين تلقوا «الهيدروكودون» مع «الأسيتامينوفين». كما أظهرت النتائج أن المزيج غير الأفيوني وفّر تخفيفاً للألم بشكل أفضل خلال فترة الألم الشديد في أول يومين بعد الجراحة. كما أبلغ المرضى الذين تناولوا الأدوية غير الأفيونية عن نوم أفضل في الليلة الأولى وتداخُل أقل مع أنشطتهم اليومية خلال فترة التعافي.

وفقاً للباحثين، تتماشى هذه النتائج مع توصيات الجمعية الأميركية لطب الأسنان، التي تدعو لتجنُّب الأدوية الأفيونية بوصفها خياراً أول لعلاج الألم، لأنها تزيد من خطر الإدمان وتُسبّب آثاراً جانبية خطيرة مثل التّسمم.

وأضافوا أن هذه الدراسة تأتي في وقت تُعَد فيه الأدوية الأفيونية أحد أسباب أزمة الإدمان والوفيات الناتجة عن الجرعات الزائدة في الولايات المتحدة، التي تودي بحياة أكثر من 80 ألف شخص سنوياً، حيث أصدر أطباء الأسنان وحدهم أكثر من 8.9 مليون وصفة طبية للأفيونات في عام 2022، وغالباً ما يكون الشباب الذين يخضعون لإجراءات مثل إزالة ضرس العقل أول من يتعرضون لهذه الأدوية.

ووصفت الدكتورة سيسيل فيلدمان، الباحثة الرئيسية للدراسة وعميدة كلية طب الأسنان في جامعة «روتجرز»، النتائج بـ«العلامة الفارقة».

وأضافت عبر موقع الجامعة: «نحن واثقون أن الأفيونات لا ينبغي وصفها بشكل روتيني، وأن وصف المزيج غير الأفيوني سيحقّق فوائد أكبر للمرضى».

واختتمت قائلة: إن «هذه الدراسات لا تُساعد فقط على تحسين الرعاية الحالية لمرضى الأسنان، ولكنها تُسهم أيضاً في تدريب أطباء الأسنان المستقبليين بجامعة (روتجرز)، حيث نُحدثُ مناهجنا باستمرار في ضوء العلم».