بالابتكار وتحوير الكلام... أبناء هونغ كونغ يلتفون على قانون الأمن

يبحث سكان هونغ كونغ عن طرق مبتكرة للتعبير عن معارضتهم، بعدما أقرت بكين قانوناً جديداً لضبط الأمن في المدينة، وباشرت الشرطة توقيف أشخاص يرفعون شعارات سياسية باتت محظورة.
وبمواجهة التهديد الجديد بمقاضاتهم على كل ما من شأنه المطالبة بحكم ذاتي أوسع أو استقلال في هذه المدينة، يلعب أبناؤها على الكلام، ويحورون حتى عقيدة الحزب الشيوعي الصيني للتعبير عن استيائهم.
فعلى جسر في منطقة كوزواي باي التجارية، وهي مركز للتظاهرات المنادية بالديمقراطية في السنة الأخيرة، تمر السيارات أمام عبارة رسمت حديثاً مفادها: «انهضوا! كل من يأبون أن يصبحوا عبيداً!».
والعبارة مأخوذة من السطر الأول من النشيد الوطني الصيني، حسبما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
ويرجح أن يكون معارضاً كتب هذه العبارة التي قد تأتي كذلك على لسان مواطن وطني.
وتعج وسائل التواصل الاجتماعي ومنتديات الدردشة بطرق آمنة نسبياً للاحتجاج، بعدما فرضت بكين (الثلاثاء) تشريعاً واسعاً يحظر التخريب والانفصال والإرهاب والتواطؤ مع قوى أجنبية.
لكن في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، وحيث الناس معتادون التعبير عن أنفسهم، يجد هؤلاء طرقاً للالتفاف على القانون، على ما قال شان كين-مان، وهو ناشط منادٍ بالديمقراطية مخضرم، سبق أن سُجن بسبب نشاطه هذا.
ويوضح: «في الأماكن العامة يمكن للشخص أن يمتنع عن التعبير، أو أن يستخدم عبارات (مقبولة رسمياً) لحماية نفسه».
وقالت الحكومة المحلية (الخميس)، إن شعار المحتجين الكبير: «حرروا هونغ كونغ، ثورة عصرنا» بات الآن محظوراً.
ويرى البعض في هذه الجملة تطلعاً فعلياً لانفصال هونغ كونغ عن الصين، وهو خط أحمر بالنسبة لبكين؛ لكن كثراً آخرين يرون فيه صرخة من أجل الديمقراطية، وتعبيراً عن ازدياد الاستياء من حكم الصين.
إلا أن الكلام المرمز يسمح للناس بالاستمرار بهذا الشعار.
فثمة نسخة عنه تستخدم الأحرف الأولى من هذا الشعار باللغة الصينية؛ لكن بأحرف الأبجدية اللاتينية. وفي مثال آخر أكثر تعقيداً تتم محاكاة نبرة الشعار ووتيرته باستخدام أرقام باللغة الكانتونية.
وتوفر الأحرف الصينية بحد ذاتها مجالات واسعة للتحوير اللغوي.
ولجأ البعض الآخر إلى شعارات باللغة الإنجليزية، قد تبدو إيجابية؛ لكنها في الحقيقة توجه سهاماً إلى بكين، من بينها: «ميك هونغ كونغ غريت (اجعلوا هونغ كونغ عظيمة)»، في إشارة إلى بريطانيا العظمى التي كانت هونغ كونغ مستعمرة لها قبل أن تعيدها إلى السيادة الصينية.
وخلال احتجاجات غداة إقرار القانون، أعلنت الشرطة أنها أوقفت رجلاً رفع علماً كُتب عليه «استقلال هونغ كونغ» وأوردت صورة لذلك؛ إلا أن رواد إنترنت دقيقي الملاحظة كبروا الصورة فوجدوا أن الرجل كتب بخط صغير كلمة «لا» قبل «استقلال هونغ كونغ» المكتوبة بخط كبير. ومنذ ذلك الحين انتشر هذا الشعار عبر الإنترنت.
وقد أزال كثير من المطاعم والمتاجر المؤيدة للحركة الاحتجاجية ألواح «حائط لينون» التي تعبر من خلالها عن دعمها للحركة المنادية بالديمقراطية، بعدما تبلغت تحذيرات من الشرطة بأنها قد تكون بذلك تنتهك قانون الأمن القومي.
وهذه الجدران عادة مؤلفة من قصاصات ورقة لاصقة متعددة الألوان تحمل شعارات احتجاجية.
وقد استبدل أحد المقاهي هذا الجدار بقصاصات بيضاء. وكتب عبر «فيسبوك»: «ما هو أساسي لا تراه العين» مستشهداً بكتاب «الأمير الصغير» الشهير لأنطوان دو سانت.
وقد حلت مكان الاحتجاجات الفنية في المدينة، صفحات بيضاء. وتمثل هذه الخطوة العجز عن الكلام والتعبير، فضلاً عن «الإرهاب الأبيض»، وهي جملة صينية مستخدمة لوصف القمع السياسي.
ويقول شان، وهو أستاذ جامعي في علم الاجتماع: «القمع يحفز الناس على المقاومة... أبناء هونغ كونغ سيردون بنشاط أكبر؛ لكن ذلك لن يكون واضحاً بالضرورة».
وفي سياق متصل، بدأت كتب وضعها نشطاء بارزون مدافعون عن الديمقراطية في هونغ كونغ، تختفي من مكتبات المدينة، وفق ما تُظهر سجلات على الإنترنت، وذلك بعد أيام قليلة من فرض بكين قانون الأمن القومي المتشدد.
ومن بين الكُتاب الذين لم تعد مؤلفاتهم موجودة: جوشوا وونغ، أحد أبرز وجوه الحراك في المدينة، وتانيا تشان، النائبة المعروفة بدفاعها عن الديمقراطية.
وقانون الأمن القومي الجديد الذي فرضته بكين (الثلاثاء) يمثل تغيراً جوهرياً كبيراً في طريقة إدارة المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، منذ أن أعادتها بريطانيا إلى الصين في 1997.
ويقول القادة الصينيون إن القانون سيعيد الاستقرار بعد عام من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، ولن يخنق الحريات، وسيستهدف فقط «أقلية صغيرة جداً».
وتقول الصين إن القانون يمنحها الاختصاص القضائي في بعض القضايا، وأعطت سلطات واسعة لوكالاتها الأمنية للعمل بحرية في هونغ كونغ للمرة الأولى، ما أدى إلى إسقاط جدار الحماية القانوني بينهما.
وتقول مجموعات حقوقية ومحللون قانونيون، إن التعريف الواسع للقانون الذي بقي سراً حتى تطبيقه، يحظر بعض الآراء السياسية وإن تم التعبير عنها بطريقة سلمية.
وأي مناداة بالاستقلال أو بمزيد من الحكم الذاتي محظورة على ما يبدو في القانون. ويحظر بند آخر غير واضح التحريض على الكراهية تجاه حكومة الصين أو هونغ كونغ.