متظاهرون أمام منزل نتنياهو تزامناً مع نظر محكمة في قضايا فساد ضده مايو الماضي (أ.ف.ب)
تل أبيب:«الشرق الأوسط»
TT
تل أبيب:«الشرق الأوسط»
TT
نتنياهو يتهم مستشاره القضائي بتدبير انقلاب ضده
متظاهرون أمام منزل نتنياهو تزامناً مع نظر محكمة في قضايا فساد ضده مايو الماضي (أ.ف.ب)
اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المستشار القضائي لحكومته، أبيحاي مندلبليت، بتدبير انقلاب ضده، والسعي لإفلاسه، وإجباره على الاستقالة من منصب رئيس الحكومة، وذلك بسبب القرار الذي اتخذه ومنعه فيه من تلقي تبرع من صديق بقيمة 3 ملايين شيقل، لتمويل دفاعه عن نفسه في المحكمة.
وقال نتنياهو، إن مندلبليت الذي أعد لائحة اتهام ضده بثلاث قضايا (تلقي الرشى، والاحتيال، وخيانة الأمانة)، يريد أن يشوش عليه إمكانية الحصول على العدالة لأسباب واهية وغير موضوعية. وعلى أثر ذلك، خرج عدد من قادة حزب «الليكود» الحاكم يطالبون بإقالة مندلبليت، بينما خرج قادة حزب «كحول لفان» في الحكومة وكذلك قادة المعارضة، يدافعون عنه.
وكان نتنياهو قد طلب من لجنة التصاريح في مكتب مراقب الدولة أن تجيز له الحصول على تبرعات صديقه رجل الأعمال الملياردير الأميركي، سبنسر بارتريدج، من أجل تمويل محاكمته، علماً بأن بارتريدج هو أحد شهود الإثبات في محاكمة نتنياهو. وقال إن الدفعة الأولى التي يطلبها هي بقيمة 10 ملايين شيقل (الدولار يعادل 3.4 شيقل)، مما يعني أنه ستكون هناك تبرعات أخرى. وقد طلب ممثلو المستشار من نتنياهو أن يعرض كشف رأس مال شخصي، حتى يتيقن من أنه يحتاج فعلاً إلى تبرع، إذ إن سجلات «الكنيست» تبين أن نتنياهو يحتفظ بمبلغ 70 مليون شيقل في حسابه الشخصي في البنك؛ لكن نتنياهو رفض تقديم بيانات مالية، قائلاً إن «نيابة الدولة التي تدير المحكمة ضده تتمتع بموارد لا محدودة، بغرض إدانته بالتهم الموجهة ضده، والعدالة تتطلب أن يحظى نتنياهو بموارد كافية للدفاع عن النفس وتوفير العدالة».
وكتب مندلبليت في وجهة نظر قانونية رسمية قدمها إلى لجنة التصاريح، أن «أي منافع شخصية تقدم إلى رئيس الحكومة، تُقدم له لأنه موظف عام، ولذلك فإنها محظورة». وأضاف: «ليس بالإمكان التأكد من أن حصول رئيس الحكومة على هذا المبلغ من السيد بارتريدج، هو هدية تُقدم له؛ لأنه موظف عام». وقد قررت لجنة التصاريح رفض طلب نتنياهو؛ لأنها ملزمة بتبني موقف مندلبليت، مع العلم بأن اللجنة خاضعة لنفوذ مراقب الدولة الجديد الذي عينه نتنياهو.
المعروف أن نتنياهو توجه إلى هذه اللجنة ثلاث مرات في السابق، لكي يحصل على إذنها في الحصول على تمويل من رجال أغنياء، آخرها من ابن خاله رجل الأعمال الأميركي، نتان ميليكوفسكي، وتم رفض جميع هذه الطلبات باعتبار أن التبرع لن يكون مجانياً، وفي هذا تشجيع للفساد.
وعقَّب وزير القضاء، آفي نيسانكورين، من حزب «كحول لفان»، على هذه الأقوال مدافعاً: «المستشار القضائي لا يلاحق أحداً، وإنما ينفذ مهامه». ورفض رئيس الحكومة البديل وحليف نتنياهو، وزير الأمن، بيني غانتس، الأقوال ضد المستشار، معلناً: «أقدم كامل الدعم لقرار المستشار القضائي ولجهاز إنفاذ القانون كله، وأؤكد أنهم سيستمرون في تأدية واجبهم من دون خوف وبمهنية وبحزم».
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟