محلل أميركي: «كورونا» يكشف تراجع الولايات المتحدة... والدولار في خطر

تعيش الولايات المتحدة الآن «فترة تراجع»، حسب ما يرى المحلل الاقتصادي الأميركي نواه سميث، الذي قال إن تراجع الولايات المتحدة بدأ بأشياء صغيرة اعتاد عليها الناس فلم يتوقفوا عندها.
فقد مر الأميركيون على مواقع البناء الخالية من العمال ولم يفكروا لماذا لا يعمل العمال في الموقع. وبعد ذلك يتساءلون لماذا يستغرق بناء الطرق أو المباني وقتاً طويلاً للانتهاء منه. كما اعتاد الأميركيون تجنب الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج بسبب الفواتير الباهظة وغير المتوقعة من جانب هذه المستشفيات.
ويضيف سميث، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية، أن الأميركيين يدفعون 6 في المائة عمولة للوسيط العقاري عند شراء مسكن، ولا يعرفون أن الأستراليين يدفعون 2 في المائة فقط. ويتذمر الأميركيون من الضرائب المرتفعة وقيمة وثائق التأمين الصحي العالية والطرق المليئة بالحفر، لكنهم نادراً ما يتخيلون كيف ستكون الحياة لو كانوا يعيشون في ظل نظام يعمل بطريقة أفضل.
وعندما يتحدث الكُتّاب عن التراجع الأميركي، فإنهم عادة يتحدثون على أساس القوة الدولية، مثل صعود الصين وتراجع السيطرة السياسية والأخلاقية للولايات المتحدة في العالم. وهذه الأمور بالنسبة لأغلب الأميركيين تعتبر أشياء بعيدة ومجردة وليس لها تأثير على حياتهم اليومية.
لكن تدهور فاعلية المؤسسات الأميركية سيفرض على الأميركيين أعباء متزايدة. وإذا أدى هذا التدهور في نهاية المطاف إلى فقدان عام لثقة المستثمرين في الولايات المتحدة فالخسائر من الممكن أن تكون أكثر ضخامة.
ويرى نواه سميث الحاصل على الدكتوراه في علم الاقتصاد من جامعة «ميشيغان» في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن الثمن الأوضح والأسرع للتدهور الأميركي جاء الآن في صورة التعامل الكارثي للمؤسسات الأميركية مع جائحة فيروس «كورونا» المستجد.
فقد كانت إخفاقات القيادة منتشرة وكارثية على كل المستويات، بدءا من الرئيس الأميركي دونالد ترمب وحتى حكومات الولايات وإدارات المدن مروراً بمركز مكافحة الأمراض وإدارة الغذاء والعقاقير الأميركية.
وكانت النتيجة زيادة كبيرة في أعداد الإصابات بفيروس «كورونا» المستجد في ولايات مثل أريزونا وتكساس وفلوريدا، في حين ما زالت الولايات التي ضربها الفيروس في البداية تكافح لتجاوز الجائحة.
وفي المقابل فإن دولاً مثل إيطاليا التي يُضرب بها المثل في الفشل الحكومي، نجحت في احتواء الجائحة ووقف انتشار العدوى، في حين ما زالت الولايات المتحدة تسجل أرقاماً قياسية في أعداد المصابين الجدد دون أي إشارة إلى احتمال تحسن الأمور.
ويقول سميث إن الأميركيين سيدفعون ثمناً اقتصادياً حقيقاً لهذا الفشل المروع في مواجهة مرض نجحت أغلب الدول الكبرى في احتوائه، حيث أجبر الخوف من الفيروس الناس على البقاء في منازلهم وأدى إلى تضرر النشاط الاقتصادي بشدة.
وإلى جانب القلق بشأن وظائفهم ومعيشتهم، سيجد الأميركيون أنفسهم مضطرين للبقاء في منازلهم لشهور بينما يشاهدون الإيطاليين يتجولون في الشوارع ويستعيدون حياتهم الطبيعية بعد السيطرة على الفيروس.
هذا الوضع هو تجسيد مؤلم وقاس للتدهور العام، حسب سميث. كما أن فشل أميركا في احتواء جائحة «كورونا» يعني أنه لن يكون في مقدور مواطنيها السفر بحرية عبر أنحاء العالم، حتى إن أوروبا تعتزم فرض حظر على دخول الأميركيين إليها.
ويرى سميث أن عواقب تدهور أميركا ستستمر طويلاً بعد الجائحة. فمع ارتفاع أسعار السكن وتدهور حالة البنية التحتية وشبكة النقل وانتشار العنف المسلح وبطش الشرطة والانقسامات السياسية والعرقية، ستصبح الولايات المتحدة مكاناً أقل جاذبية للعمالة عالية المهارة من مختلف دول العالم.
وهذا يعني أن الشركات سترى أن دولاً أخرى في أوروبا وآسيا وغيرها أكثر جاذبية للاستثمار وهو ما يقلص سوق الوظائف في الولايات المتحدة ويخفض الأجور ويقلص الإنفاق المحلي الذي يمثل قاطرة نمو الاقتصاد الأميركي.
وكل هذا سيتحول إلى تراجع في حصيلة الضرائب والمزيد من التدهور في المناطق الحضرية نتيجة تراجع الإنفاق على البنية التحتية وبرامج الضمان الاجتماعي والتعليم في الولايات المتحدة.
في الوقت نفسه فإن السياسات المناهضة للهجرة حالياً ستحرم الولايات المتحدة من أهم مصدر للعمالة الماهرة وستضعف النظام الجامعي في الولايات المتحدة والذي يعاني من ضغوط هائلة نتيجة تقليص الدعم الحكومي له.
ويقول سميث إن كل ميزة اقتصادية كبرى للولايات المتحدة، تواجه خطراً حالياً. وإذا لم يتم التحرك بقوة لوقف تدهور الأوضاع، وفتح أبواب الهجرة والمحافظة على مراكز الأبحاث الجامعية، وتوفير السكن بتكلفة أقل، وخفض تكاليف البنية التحتية، وإصلاح جهاز الشرطة، واستعادة كفاءة الخدمات المدنية، ستكون النتيجة عبارة عن عقود من الجمود أو الانهيار في مستويات معيشة الأميركيين.
وأخيراً، يرى نواه سميث أن الخطر الأكبر الذي يهدد الاقتصاد الأميركي فيما بعد سيتمثل في فقدان الولايات المتحدة لمكانتها باعتبارها المركز المالي للعالم الذي ظلت تتمتع به لعقود طويلة، مع استخدام العالم للدولار الأميركي كعملة للتجارة الدولية.
وهذه المكانة تتيح للولايات المتحدة الاقتراض من الأسواق العالمية بتكلفة منخفضة للغاية، وتتيح للأميركيين الاستيراد بأسعار منخفضة. ولكن إذا فقد عدد كبير من المستثمرين الأجانب والمحللين ثقتهم في فعالية الولايات المتحدة بشكل عام، فإن هذه المكانة ستتلاشى.
وإذا بدأت رؤوس الأموال في العالم تبتعد عن الولايات المتحدة وعن الدولار بكميات كبيرة، فإن العملة الأميركية ستنهار وسيجد الأميركيون أنفسهم مضطرين لدفع أثمان أعلى لكل شيء من السيارة إلى جهاز التلفزيون، ومن البنزين إلى الأغذية المستوردة.