السودان: مسيرات مليونية للمطالبة بـ«تصحيح مسار الثورة»

المشاركون فيها تحدوا «كورونا» للدعوة إلى تسليم البشير ومساعديه لـ«الجنائية الدولية}

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس للمطالبة بـ {تصحيح مسار الثورة} (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس للمطالبة بـ {تصحيح مسار الثورة} (أ.ف.ب)
TT

السودان: مسيرات مليونية للمطالبة بـ«تصحيح مسار الثورة»

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس للمطالبة بـ {تصحيح مسار الثورة} (أ.ف.ب)
جانب من الاحتجاجات التي شهدتها شوارع الخرطوم أمس للمطالبة بـ {تصحيح مسار الثورة} (أ.ف.ب)

نظم أمس ملايين السودانيين مواكب ضخمة في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الأخرى، إحياء لذكرى مواكب 30 يونيو (حزيران) 2019، التي أجبرت المجلس العسكري الانتقالي على العودة للتفاوض، وللمطالبة بتصحيح مسار الثورة وإنفاذ مطالبها، وإكمال هياكل الحكم الانتقالي، وتسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، رغم الحظر الصحي المفروض في البلاد بسبب جائحة «كورونا».
ودعت لجان المقاومة (تنظيمات شعبية شبابية تشكلت في الأحياء إبان ثورة ديسمبر «كانون الأول») وأسر الشهداء، المواطنين للخروج في مواكب هادرة، للمطالبة بتحقيق الحرية والسلام والعدالة في البلاد، باعتبارها مطالب ثورة ديسمبر، وتصحيح مسار الثورة، التي أطاحت حكم الإسلاميين في السودان بعد ثلاثة عقود من الحكم.
ولحقت أحزاب سياسية في «قوى إعلان الحرية والتغيير» بدعوة لجان المقاومة، وحرضت أنصارها على المشاركة في الاحتجاجات، متجاهلة الحجر الصحي، فيما ظلت أحياء العاصمة ومدن البلاد الأخرى تتهيأ لمواكب أمس، بتنظيم مواكب للاستعداد وإحكام تنظيم الموكب الرئيس.
ورغم إعلانه تأييده للثوار والمواكب، أغلق الجيش السوداني والقوات الأمنية الأخرى الطرق المؤدية لوسط الخرطوم بإحكام، ومنع الحركة بين مدنها الثلاث «أم درمان، والخرطوم بحري، والخرطوم»، ونشر قوات كبيرة في الشوارع والجسور، وألغى تراخيص الحركة الممنوحة للفئات المسموح لها بالتحرك أثناء فرض حظر التجوال، كما أغلق الجسور الرابطة، رغم إعلان منظمي المواكب بأنهم لا ينوون دخول مركز المدينة.
وردد المتظاهرون الغاضبون شعارات تطالب بالقصاص لشهداء الثورة، وشهداء فض اعتصام القيادة العامة، وإعادة هيكلة الجيش وقوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والشرطة، وتسريع محاكمة رموز النظام المعزول، إضافة إلى تسليم المطلوبين منهم للجنائية الدولية، وإكمال هياكل السلطة الانتقالية بتعيين حكام ولايات مدنيين، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.
وقال متظاهرون في ضاحية بري، التي تعد واحدة من أنشط الأحياء التي شاركت في الثورة، إنهم خرجوا لتصحيح مسار الثورة، وليس لإسقاط الحكومة المدنية، بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، مؤكدين أن مطالبهم تتمثل في تحقيق السلام والقصاص من قتلة الشهداء، وتحسين الوضع الاقتصادي، وإكمال هياكل الحكم الانتقالي.
وشملت الاحتجاجات التي بدأت ظهر أمس أحياء مدن العاصمة الثلاثة الخرطوم، والتزمت بمسارات حددتها لجان المقاومة إلى مناطق التجمع المركزية، فيما نشطت مجموعات أخرى بتوزيع المعقمات والكمامات للمشاركين في الاحتجاجات، والحث على التباعد اتقاء لوباء كورونا.
وتزامنا مع ذلك، خرج الآلاف في معظم مدن ومناطق البلاد المختلفة، وحاولت مجموعات محسوبة على النظام المعزول، وحزبه المؤتمر الوطني والأحزاب الإسلامية الحليفة له، استغلال التجمعات لسوقها نحو القيادة العامة ومجلس الوزراء، وعبور جسر النيل الأبيض، لكن الثوار أفلحوا في عزلها، فتصدت لها الشرطة بالغاز المسيل للدموع.
وفي مدن البلاد الأخرى، ذكر شهود تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن مواكب مثيلة نظمت في مدنهم، وقالوا إن المحتجين طالبوا بإنفاذ أهداف الثورة. كما شهدت مدينة «عطبرة» التي أطلقت شرارة الاحتجاجات ضد البشير مواكب طالبت بالأهداف نفسها، إضافة إلى مدن الفاشر والضعين وزالنجي في إقليم دارفور، والأبيض شمال كردفان ومدني ولاية الجزيرة، وكسلا وبورتسودان في الشرق.
وفي 30 يونيو 2019 تدفق الملايين من السودانيين للشوارع للضغط على المجلس العسكري الانتقالي «المنحل» لتسليم السلطة للمدنيين، وأسفرت هذه المواكب عن إجبار العسكريين على العودة للتفاوض، وتوقيع الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، وتقاسم السلطة في المجلس السيادي ومجلس الوزراء بين العسكريين والمدنيين في «قوى إعلان الحرية والتغيير».
وكان رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، قد وعد أول من أمس، باتخاذ قرارات حاسمة الأيام المقبلة، ويتوقع أن يجري تعديلات وزارية في السلطة التنفيذية تطيح بعدد من الوزراء، وتسريع تعيين حكام الولايات المدنيين، بديلا عن العسكريين المكلفين، وإكمال هياكل الحكم، وإعادة هيكلة قوات الشرطة والأمن والمخابرات، وتحقيق إصلاحات اقتصادية.
ووصف حمدوك مطالب الثوار في المذكرة، التي سلموها له بأنها «مشروعة واستحقاقات لازمة لا مناص عنها لوضع قاطرة التغيير في مسارها الصحيح»، مجددا التزام حكومته المبدئي بإنفاذ هذه المطالب على أكمل وجه في غضون أسبوعين، بتوافق تام بين مكونات السلطة الانتقالية.
واستبقت النيابة العامة الاحتجاجات باعتقال رئيس حزب المؤتمر الوطني «المنحل»، إبراهيم غندور، وعدد من قيادات الحزب، أبزرهم الوالي السابق أنس عمر بعد أن حصلت على معلومات تؤكد ضلوعهم في تحركات معادية للثورة، وذلك باستغلال الجموع لإحداث فوضى في البلاد.
وتخضع المجموعة الموقوفة من قيادات وعناصر النظام المعزول للتحقيق من قبل النيابة العامة، بعد أن توفرت معلومات تشير إلى تورطها في أعمال عنف وإثارة الفوضى، وخرق القانون بممارسة العمل السياسي من قبل حزب عمر البشير «المؤتمر الوطني»، والذي تم حله ومصادرة أملاكه وأمواله.
وتضمنت مطالب لجان المقاومة والثوار، التي دفعت بها لمجلسي السيادة الوزراء، والتحالف الحاكم «الحرية والتغيير» في مذكرة قبل بدء الاحتجاجات، تسريع إيقاف الحرب وتحقيق السلام الشامل، وإكمال هياكل الحكم الانتقالي، وتوسيع قاعدة المشاركة في أجهزة الانتقال.



الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.