وسط أزمة معيشية خانقة... لبنانيون يقايضون أغراضهم مقابل الحليب والطعام

امرأة تتفقد صفحة مخصصة لمقايضة الأغراض بين اللبنانيين على «فيسبوك» (أ.ف.ب)
امرأة تتفقد صفحة مخصصة لمقايضة الأغراض بين اللبنانيين على «فيسبوك» (أ.ف.ب)
TT

وسط أزمة معيشية خانقة... لبنانيون يقايضون أغراضهم مقابل الحليب والطعام

امرأة تتفقد صفحة مخصصة لمقايضة الأغراض بين اللبنانيين على «فيسبوك» (أ.ف.ب)
امرأة تتفقد صفحة مخصصة لمقايضة الأغراض بين اللبنانيين على «فيسبوك» (أ.ف.ب)

مع تآكل قدراتهم الشرائية وموجة الغلاء الجنونية، يلجأ لبنانيون إلى نظام المقايضة لتأمين احتياجاتهم الأساسية وسط أزمة معيشية خانقة. تعرض سيدة ثوباً مقابل الحصول على حليب وحفاضات لرضيعها بينما تود أخرى استبدال مواد غذائية بثياب طفلتها، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويعد الانهيار الاقتصادي، الذي يشهده لبنان منذ نحو عام، الأسوأ منذ عقود. ولم تستثنِ تداعياته أي فئة اجتماعية، وقد خسر عشرات الآلاف مصدر رزقهم أو جزءاً من مداخيلهم وسط موجة غلاء غير مسبوقة وارتفاع في معدلات الفقر.
أمام هذا الواقع الجديد، لم يجد كثر خياراً سوى مقايضة أغراضهم. وأنشئت لهذا الغرض صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي.
على صفحة «لبنان يقايض»، التي ضمت بعد أسبوعين فقط من إنشائها أكثر من 12 ألف مشارك، طلبت زينب (25 عاماً) مقايضة فستانها الأسود بحليب وكيسي حفاضات لطفلها (11 شهراً).
وتقول الشابة من مدينة طرابلس لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم أطلب يوماً شيئاً من أحد، وجدت أن المقايضة أفضل، سأكون مرتاحة أكثر لو عرضت شيئاً لا أحتاجه مقابل ما أحتاج فعلاً... إنها أفضل من الطلب من غير مقابل».
حتى الأمس القريب، كانت العائلة تعيش في وضع «جيد». تؤمن قوتها اليومي من دخل زينب في التزيين النسائي وراتب زوجها الموظف في شركة. لكن الحال انقلبت رأساً على عقب. فالشركة أقفلت أبوابها وسرحت موظفيها وزينب توقفت عن العمل مع تفشي فيروس كورونا المستجد.
من دون سابق إنذار، وجدت العائلة الصغيرة نفسها في وضع لم تعتده، تزامن مع غلاء غير مسبوق. فارتفع سعر كيس الحفاضات الذي اعتادت زينب شراءه إلى 23 ألفاً بدلاً من عشرة آلاف، وارتفع سعر علبة الحليب من 28 إلى 48 ألفاً.

وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً جنونياً تجاوز 72 في المائة من الخريف حتى نهاية مايو (أيار)، وفق جمعية حماية المستهلك غير الحكومية. ولامس سعر صرف الدولار في السوق السوداء ثمانية آلاف ليرة، فيما السعر الرسمي لا يزال مثبتاً على 1507 ليرات. ومن كان راتبه يعادل 700 دولار الصيف الماضي، بات اليوم بالكاد يعادل 150 دولاراً.
وتقول زينب: «نصرف حالياً من مبلغ صغير ادخرناه، ولا نعرف ماذا سنفعل حين ينتهي».
على الصفحة ذاتها، كُثر عرضن ملابسهن أو أحذيتهن مقابل الحصول على حفاضات أو حليب. وعرضت إحداهن ثياباً لابنتها (خمس سنوات) مقابل الحصول على «مواد غذائية» على أن تتضمن زيتاً، وأخرى قالت إنها مستعدة لتقديم حصتين غذائيتين مقابل أدوات تنظيف وحاجات للأطفال.
وكتبت امرأة ببساطة: «أريد حصصاً غذائية مقابل ثياب».
وعرضت نورهان من جهتها مقايضة صينية خشب لصديقتها التي يحتاج طفلها، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جلسة علاج فيزيائي.
وتقول نورهان: «كانت بداية تعرض الصواني للبيع، لكنني اقترحت عليها أن أعرضها للمقايضة لأن الناس لم تعد قادرة على الدفع أو الشراء».
وتضيف: «وافقت لأنه لم يعد لديها أي حل آخر» بعدما فقد زوجها عمله قبل أشهر على غرار كثر غيره نتيجة الأزمة الاقتصادية.
ولاقت نورهان تجاوباً واسعاً على الصفحة. فعرض أطباء عدة خدماتهم، كما تلقت تبرعات من أشخاص في لبنان وخارجه.
وبحسب عاملين في منظمات إغاثية ومتطوعين، فإن عائلات كثيرة كانت قادرة على تأمين قوتها اليومي باتت اليوم عاجزة عن توفير أبسط المتطلبات من خبز وطعام ودواء مع خسارة أفرادها عملهم أو قدرتهم الشرائية. ويتوقع خبراء اقتصاديون اضمحلال الطبقة الوسطى.
ويقول حسن حسنة، الذي أنشأ صفحة «لبنان يقايض»: «بدأنا الصفحة لعدم توفر النقود بين يدي الناس وسط شح في السيولة يزداد يوماً بعد يوم».
ويضيف: «وجدنا أن المقايضة خيار جيد، لكننا تفاجأنا بحالات مؤسفة جداً، أشخاص يعرضون ثيابهم لتوفير الطعام والحفاضات».
واستخدم البعض صفحات المقايضة لعرض حالات اجتماعية غير قادرة حتى على تقديم أي شيء لاستبداله وطلب المساعدة.
وتضم صفحة أخرى اسمها «ليبان تروك»، أنشئت قبل أشهر عدة، أكثر من 50 ألف متابع. وتحولت سريعاً، بحسب مشرفين عليها، من صفحة مقايضة لتشمل طلبات مساعدة عدة.
وتقول هلا دحروج، مؤسسة الصفحة: «كبرت الصفحة سريعاً فقد كثر العاطلون عن العمل وارتفع عدد من هم بحاجة».
وتتحدث عن أشخاص وجدوا أنفسهم مضطرين للنوم في الشارع بعدما فقدوا عملهم، ولجأوا إلى الصفحة لمساعدتهم في تأمين بدلات إيجار.
ولا يقتصر الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي، فخلال الأشهر الأربعة الماضية، شهدت شيرين قباني إقبالاً غير مسبوق على محلها «ثياب العيد» المخصص أساساً لتوزيع ثياب مستعملة مجاناً.
وتوضح: «عدد الأشخاص الذي أتوا مؤخراً ووقفوا في طوابير أمام المحل من أجل الخبز فقط جنوني».
منذ إطلاقها للمبادرة قبل أربع سنوات، كانت شيرين تتلقى من متبرعين ثياباً مستعملة أو أغراض تموين لتوزيعها على المحتاجين، لكن اليوم تغير الحال وبات المتبرعون والمستفيدون واحداً.
وتقول: «الأصعب أن أرى متبرعين كانوا يحضرون ثيابهم، وباتوا اليوم يريدون مقايضتها على مؤونة».
وتروي أنها استقبلت أمهات ألبسن أطفالهن أكياس نايلون أو قماش بدلاً من الحفاضات، وأخريات يطعمونهم الماء والسكر بدل الحليب.
وتقول: «جاءتني امرأة، قلعت عباءتها وقالت لي: خذيها وأعطيني كيس حفاضات فقط».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.