جوزيف بوريل: النظام مسؤول عن معاناة السوريين... والتطبيع رهن تنفيذ 2254

ممثل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبي يؤكد في حديث لـ «الشرق الأوسط» دعم الحوار الأميركي ـ الروسي

جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
TT

جوزيف بوريل: النظام مسؤول عن معاناة السوريين... والتطبيع رهن تنفيذ 2254

جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)

أعرب جوزيف بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، عن أمله بتقديم الجهات والدول المشاركة في مؤتمر بروكسل للمانحين الذي يعقد اليوم، التزامات توازي ما كان في العام الماضي وقدرها حوالي ستة مليارات يورو، لافتا إلى أن الأوروبيين قدموا حوالي 20 مليار يورو إلى سوريا والدول المجاورة منذ 2011.
وقال بوريل، الذي يشغل أيضا نائب رئيس المفوضية منذ تسلمه منصبه نهاية العام الماضي خلفا لفيدريكا موغريني، إنه «لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية» إلى المؤتمر على غرار السنوات السابقة، مضيفا «ربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط، وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وأشار إلى «ترحيب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر».
وأوضح ردا على سؤال أن «العقوبات الاقتصادية» الصادرة عن الاتحاد الأوروبي «تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب»، مؤكدا أنها «لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء (كورونا) في الآونة الراهنة»، مضيفا «يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية».
وأشار بوريل إلى أن قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي تضم حاليا 273 شخصية و70 كيانا بـ«هدف ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب القرار الدولي 2254 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة». وزاد: «من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى مفروضة»، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيشارك في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب 2254».
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عن بعد وتناول أيضا الحوار الروسي - الأميركي و«الانتخابات السورية»، عشية مؤتمر بروكسل اليوم:
> ما الذي تتوقعونه من مؤتمر المانحين في بروكسل المقرر انعقاده اليوم 30 يونيو (حزيران) الجاري؟ وكيف يختلف هذا المؤتمر عن مؤتمرات الجهات المانحة السابقة؟
- دخلت سوريا عامها العاشر من الحرب. وعلى مدار الأعوام التسعة الماضية، كان على نصف سكان البلاد النزوح من منازلهم. وتوفي أكثر من نصف مليون سوري. ولدينا جيل كامل من الأطفال السوريين الذين لم يعرفوا سوى الحرب. وجميعهم يستحقون مستقبلا أفضل ينعمون فيه بالسلام. وإننا نعتبر مؤتمر بروكسل المقبل من الأدوات الأكثر فاعلية في جذب انتباه العالم والمحافظة على اهتمامه بالحاجة الماسة إلى حل هذا النزاع المستمر ومواصلة تعبئة المجتمع الدولي بشأن الحل السياسي على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وهذه الطريقة هي السبيل الوحيد لاستعادة السلام والاستقرار إلى السوريين.
وإن المؤتمر المقبل، سيكون الحدث الأهم في العام 2020 من حيث التعهدات لأجل سوريا والمنطقة بأسرها، ومن حيث التعامل مع الاحتياجات بالغة الأهمية التي تمخضت عنها الأزمة الراهنة، لكنه يتجاوز مجرد كونه مؤتمرا اعتياديا للجهات المانحة، إذ إنه يتعلق بمواصلة الدعم، على المحاور السياسية والمالية، للبلدان والشعوب المجاورة لسوريا، الذين أظهروا قدرا كبيرا واستثنائيا من التضامن مع اللاجئين السوريين النازحين قسرا من ديارهم.
والمؤتمر، أيضا تحول إلى فرصة سانحة وفريدة من نوعها بالنسبة إلى المجتمع المدني السوري بغية الدخول في حوار مفتوح ومباشر مع مجتمع الجهات المانحة ومع البلدان المضيفة للاجئين السوريين. لم نتمكن من حشد الناس بصورة شخصية ومباشرة خلال العام الحالي، لكننا استطعنا ترتيب أسبوعا من الفعاليات المهمة، حيث تمكن الشباب السوري، والنساء السوريات، فضلا عن منظمات المجتمع المدني المختلفة من التفاعل والتشارك فيما بينها مع مختلف مكونات المجتمع الدولي. وهذا من الأمور بالغة الأهمية، ليس لأنهم يمثلون الأصوات الحقيقية الناطقة باسم الشعب السوري فحسب، وإنما لأنهم يحملون في طيات أنفسهم المفتاح في مستقبل أفضل لسوريا.
> يأتي مؤتمر هذه السنة في وقت هناك أزمة اقتصادية و«كورونا» في سوريا؟
- هناك جملة من العوامل التي تثير المخاوف بشأن مؤتمر العام الحالي. ومن بينها التدهور الخطير للغاية في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد، والهجوم العسكري الأخير الذي شنه النظام السوري وداعموه، وتدمير وانهيار البنية التحتية المدنية في البلاد، فضلا عن كارثة وباء «كورونا» المستجد التي اجتاحت البلاد ولا تزال. هذه كلها من العوامل التي تزيد من تفاقم الظروف المعيشية بالنسبة للمواطنين السوريين. لقد فاض بهم الكيل بالفعل.
وبالتشارك الفعال مع منظمة الأمم المتحدة، التي تضطلع بدور حاسم وحيوي وكبير، فإننا لا ندخر جهدا في الوقوف إلى جانبهم والعمل على تحقيق آمالهم وأحلامهم في مستقبل أكثر سلاما وإشراقا.
> قدمت الجهات المانحة في مؤتمر العام الماضي مساعدات مالية بقيمة بلغت 6.2 مليار يورو. هل تعتقدون أنه يمكن تأمين نفس التعهدات في مؤتمر العام الحالي؟ وهل بإمكانكم الاستجابة لنداءات منظمة الأمم المتحدة من أجل المساعدات الإنسانية؟
- من المستحيل قبل المؤتمر، تقديم رقم محتمل بشأن التعهدات المالية من جانب الجهات المانحة خلال مؤتمر العام الحالي. كما أن المبالغ المالية الملتزم بها تتغير حتما من عام إلى آخر، ذلك حسب المقاربات المعتمدة لدى الجهات المانحة. لكننا، على غرار كل عام، يحدونا طموح كبير في دعم وإسناد الشعب السوري والمجتمعات المضيفة للاجئين السوريين في البلدان المجاورة. وإننا جميعا نواصل العمل سويا، وليس أقلها التفاعل المستمر مع الرئيس المشارك من الأمم المتحدة، ذلك بهدف ضمان أن المواطنين السوريين في كافة أنحاء سوريا، فضلا عن اللاجئين النازحين إلى بلدان الجوار في الأردن، ولبنان، وتركيا، يحصلون جميعا على الدعم والحماية المناسبة من المجتمع الدولي على مدى السنة القادمة بأكملها. وهذا هو أقل ما يمكن أن يتوقعوه، وأقل ما يمكننا القيام به لأجلهم.
> ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟
- بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لقد قدمنا أكثر من 20 مليار يورو منذ بداية الأزمة السورية في صورة المساعدات الإنسانية، والاستقرار، والتنمية، والمساعدات الاقتصادية المختلفة. وإننا نُعتبر أكبر الجهات المانحة بالنسبة إلى الشعب السوري، من واقع ثُلثي الأموال التي جرى إنفاقها في مساعدة الشعب السوري والبلدان المجاورة لسوريا التي جاءت من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. وسنواصل الاضطلاع بدورنا في هذا المسار.
ومما يُضاف إلى الأزمة الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة، وكافة المآسي والمعاناة التي يكابدها الشعب السوري، فإن السوريين يعانون في الآونة الراهنة أيضا من عواقب وباء «كورونا». ومن شأن المؤتمر، أن يتطرق إلى هذه المسألة المهمة والملحة ضمن جدول الأعمال. وفي الاتحاد الأوروبي، لقد عملنا على تهيئة المساعدات الحالية كي تتسق وفق الاستجابة المطلوبة لهذه التحديات الجديدة والإضافية، فضلا عن العمل الجاد والمستمر لضمان وصول المعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين لها في سوريا.
> لماذا لم توجه الدعوة إلى الحكومة السورية لحضور مؤتمر؟
- على غرار ما خبرناه في مؤتمرات بروكسل الماضية ذات الصلة بالشأن السوري، لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية. وربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ونص قرار مجلس الأمن بكل وضوح على أن «الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا». وهذه ليست من كلمات المجاملات اللطيفة من زاوية الاتحاد الأوروبي، بل إنها البوصلة التي تحدد اتجاهات مساراتنا إزاء القضية. ولا يحق لأحد أن يأخذ مستقبل سوريا رهينة. ولأجل هذا السبب، فإننا نضمن المساهمات ذات الفائدة مع المشاركة الكبيرة والفعالة من جانب المجتمع المدني السوري، استمرارا مع المشاورات المكثفة عبر الإنترنت في سوريا وفي المنطقة قبل عقد المؤتمر.
كما جرى ترتيب أيام من الحوار بصورة افتراضية في تاريخ 22 و23 يونيو الجاري، وكانت تتألف من مناقشات بين المجتمع المدني، والوزراء، وصناع القرار السياسي من البلدان المضيفة للاجئين، ومن الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة، وغير ذلك من الشركاء الدوليين المعنيين. ومن شأن هذه الإسهامات الجادة، أن تندرج ضمن الاجتماع الوزاري الخاص بالمؤتمر في 30 يونيو، إذ إننا نعتبر المجتمع المدني السوري، وعمال الإغاثة على أرض الواقع، والمنظمات النسائية والشبابية السورية، الممثلين الحقيقيين لمستقبل البلاد.
> كيف تفسرون المشاركة الروسية في المؤتمر المقبل رغم انتقاد موسكو المعلن لعدم توجيه الدعوة إلى الحكومة السورية؟
- على غرار ما تقدم في السنوات الماضية، جرى توجيه الدعوة إلى كافة أعضاء المجتمع الدولي ممن يملكون النفوذ القائم والتأثير الواضح في مجريات النزاع السوري الراهن، وممن أعربوا عن رغبتهم في دعم الجهود الدبلوماسية، اتساقا على نحو كامل مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية. وعلى هذا النحو، يرحب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر المقبل.
> يأتي المؤتمر المقبل إثر تجديد الاتحاد الأوروبي لحزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ومع بدء دخول «قانون قيصر» الأميركي في حيز التنفيذ الفعلي. فهل لذلك من تأثير يُذكر على مجريات المؤتمر؟
- إن من بين الأهداف الرئيسية لمؤتمر بروكسل القادم هو إجماع المجتمع الدولي وراء العملية السياسية التي تهيئ منظمة الأمم المتحدة الأجواء لأجلها تحت قيادة سورية واضحة. الضغوط الدولية الممارسة على دمشق (ترمي) للضغط عليها للمشاركة الكاملة والصادقة في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الأمر الذي نحاوله راهنا من خلال حزمة العقوبات المفروضة، التي هي بالطبع جزء من هذه الجهود (الضغوط).
> أعلنت الحكومتان الروسية والسورية أن هذه العقوبات الاقتصادية من شأنها إلحاق الأضرار بتدفقات المساعدات الإنسانية والطبية إلى البلاد، فما هو ردكم على ذلك؟
- ليست العقوبات الاقتصادية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بالأمر الجديد ولا هي موجهة لاستهداف المدنيين في سوريا. بل إنها تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب.
والعقوبات الاقتصادية الأوروبية مصممة بحيث إنها لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء «كورونا» في الآونة الراهنة. ولا تحظر العقوبات الأوروبية تصدير المواد الغذائية أو الأدوية أو المعدات الطبية. وحتى بالنسبة إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج التي من الممكن أن تحمل قدرا من المخاطر، مثل المواد الكيماوية الضرورية في الاستخدامات الدوائية، فهناك قدر متصور من الاستثناءات ذات الصلة بالأغراض الإنسانية.
> لكن دمشق حملت العقوبات مسؤولية المعاناة. من يتحمل المسؤولية؟
- لقد كان الاتحاد الأوروبي - ولا يزال - أكبر الجهات المانحة على الصعيد الإنساني للأزمة السورية، مع جمع أكثر من 20 مليار يورو لهذه الأغراض منذ عام 2011 وحتى اليوم. وطوال كل هذه السنوات، وصل دعمنا الحيوي والمهم إلى الشعب السوري.
يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية. بل على العكس من ذلك، يرجع كل الفضل إلى المساعدات الدولية، إذ لا يزال من الممكن توفير خدمات الرعاية الصحية، أو الغذاء، أو التعليم، أو الحماية للأشخاص المعوزين في داخل سوريا.
كما يمكنني أن أضيف أيضا، أن النشاط التجاري ما زال مستمرا طوال فترة الحرب الماضية بين الاتحاد الأوروبي وبين سوريا. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي أي نوع من أنواع الحظر أو الحصار على سوريا طيلة تلك الفترة.
> ما الشروط التي يمكن للاتحاد الأوروبي بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق؟
- دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بسوريا حيز التنفيذ الفعلي اعتبارا من 9 مايو (أيار) في العام 2011 ردا على أعمال القمع العنيفة التي مارسها النظام السوري ضد شعبه، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، وانتشار واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري. ولم تفرض العقوبات ببساطة، وإنما كانت نتيجة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب المحتملة، والجرائم ضد الإنسانية، والتي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان.
> هناك قائمة طويلة من العقوبات؟
- تضم قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي حاليا 273 شخصية و70 كيانا. والهدف المقصود من وراء هذه التدابير هو ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى (مفروضة)، إذ إنها تُعتبر جزءا أصيلا لا يتجزأ من منهج الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا إزاء الأزمة السورية. كما أن العقوبات محل المراجعة المستمرة من جانبنا بغية تقدير ما يتمخض عنها - ضمن أمور أخرى - من آثار وتطورات على أرض الواقع.
> ربط الاتحاد الأوروبي سابقاً أي مساهمة في إعادة إعمار سوريا بنجاح العملية السياسية هناك. ما موقفكم الحالي من إعمار سوريا؟
- كان موقف الاتحاد الأوروبي - وما زال - واضحا للغاية في هذا الشأن. الأوروبيون على استعداد تام لدعم مستقبل الشعب السوري ومساعدتهم في إعادة إعمار بلادهم، لكن هناك معايير لانخراط الاتحاد الأوروبي في ذلك. سيُشارك الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فمن شأن كافة الجهود المبذولة على هذا المسار أن تذهب هباء. إذ تستلزم إعادة الإعمار توفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار، والحوكمة، والمساءلة العامة، والتمثيل في السلطات الحاكمة. ولا تتوافر حالياً أي من هذه المعايير لدى سوريا.
> إذن، المساهمة تنتظر هذه المعايير؟
- لا يمكن على الإطلاق استثمار دعم الاتحاد الأوروبي لإعادة الإعمار في سوريا، في سياق من شأنه تأجيج عدم المساواة وما سواه من المظالم التي كانت موجودة قبل الحرب ولا تؤدي إلى المصالحة وبناء السلام والاستقرار. ولا تقتصر جهود إعادة الإعمار على مجرد إعادة بناء البنية التحتية والإسكان في البلاد - وإنما هي تتعلق باستعادة وصون النسيج الاجتماعي داخل سوريا، وإعادة بناء الثقة، مع تهيئة الظروف والأجواء التي من شأنها التخفيف أو الحيلولة دون تكرار أعمال العنف، فضلا عن الاستجابة للمظالم التي أطلقت شرارة النزاع في المقام الأول. ويستحق الشعب السوري أن يعيش في بلد يشعر فيه بالأمان، والحماية من قبل قضاء محايد، وتحت سيادة القانون، وحيث يمكن ضمان الكرامة الإنسانية.
> تشارك الأمم المتحدة في رئاسة المؤتمر. فما موقفكم بشأن جهود غير بيدرسن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا؟
- موقفنا لا يزال على حاله من أنه فقط الحل السياسي الذي يتحقق ضمن إطار مفاوضات جنيف برعاية منظمة الأمم المتحدة هو الذي من شأنه ضمان المستقبل السلمي لسوريا. وإننا نؤيد بالكامل أعمال الأمم المتحدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، السيد غير بيدرسن، في هذا الصدد. هذا، ويهدف مؤتمر بروكسل المقبل أيضا إلى حشد المجتمع الدولي وراء جهود الأمم المتحدة بغية التقدم في الحل السياسي.
ومن شأن المؤتمر أيضا أن يدعم ويؤيد دعوات الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، والمبعوث الخاص، السيد غير بيدرسن، من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في سوريا، مع إطلاق سراح المعتقلين، لا سيما في ضوء جائحة فيروس «كورونا» الراهنة.

الحوار الاميركي – الروسي
< أعلن الجانب الروسي استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة بغرض التوصل إلى حل سياسي في سوريا. فما موقفكم من الحوار الأميركي - الروسي بشأن القضية السورية؟
- أي تقدم يُحرز في مسار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري، هو موضع ترحيب من قبلنا. إننا نصر ونؤكد على أنه لا تنبغي المساومة بشأن مبادئ محددة. وتساند كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأي حل يُطرح للصراع السوري لا بد أن يتسق مع هذا القرار.
بالنسبة إلينا في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، ومن ثم، لا يوجد التزام من جانبنا بتوفير التمويل الدولي لإعادة الإعمار، حتى يكون هناك انخراط حقيقي في عملية سياسية صادقة وشاملة وجامعة (تمثيلية). كذلك، لا يمكن للمجتمع الدولي دعم عودة اللاجئين إلى سوريا إلا بشرط ضمان سلامتهم، وكرامتهم، وأن تكون العودة من جانبهم طوعية غير قسرية.
< هل تعتقدون أن صفقة أميركية - روسية حول سوريا ستكون كافية؟ وكيف ترون ملامح هذه الصفقة؟
- مرة أخرى أقول إن الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا، وهذا بالضبط ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ولا بد للمفاوضات السياسية بشأن مستقبل سوريا أن تكون ملكا للسوريين وتحت القيادة السورية. ولقد أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، عن دعم وإسناد العملية السياسية الحقيقية والشاملة والجامعة (التمثيلية)، على النحو المقرر والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
< توجد لدى سوريا، في الآونة الراهنة، ثلاث مناطق من النفوذ: في شمال شرقي البلاد، وفي شمال غربي البلاد، وفي بقية أرجاء البلاد. فهل يملك الاتحاد الأوروبي نفس الرؤية فيما يتعلق بهذه المناطق الثلاث؟
- الاتحاد الأوروبي لن يتراجع أو يتردد فيما يتعلق بالتزامه بشأن السيادة الكاملة، ووحدة الأراضي السورية وسلامتها. أما الترتيبات الدقيقة للحوكمة في سوريا، فهي مسألة يتخذ السوريون القرار فيها.

< ماذا عن الانتخابات الرئاسية السورية التي ستعقد في العام 2021 كيف ترون هذا الأمر؟
- الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ومن شأن تلك الانتخابات أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه.
< لكن هناك انتخابات ستجري؟
- إذا ما أُجريت الانتخابات من قبل ذلك (ما ذكر سابقا)، فإنني أحض النظام السوري على أن يظهر التزامه بالانفتاح السياسي الحقيقي والأصيل، من خلال التأكد، على سبيل المثال، من إتاحة الانتخابات إلى كافة فئات الشعب السوري، بما في ذلك أولئك الموجودين في خارج البلاد، وأن تتسم الانتخابات بالحرية والنزاهة المطلوبة. ومع ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم ذلك مقام الحاجة الماسة إلى الانخراط الحقيقي في العملية السياسية مع التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
< كيف ترون سوريا بعد مرور عام من الآن؟
- أما بالنسبة إلى كيف ستبدو سوريا في عام من الآن، فإن هذا يتوقف بالأساس على مدى التزام النظام السوري بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتبار أنه السبيل الوحيد والمقبول للمضي قدما. وليس ذلك لفائدتنا، أو لمصلحة داعميه (النظام)، وإنما هو لصالح جميع السوريين.



«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)
مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

أعاد الاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين الذي أُبرم في العاصمة العُمانية مسقط، برعاية أممية، ملف الأسرى والمختطفين إلى صدارة المشهد، مثيراً موجة من التفاؤل الحذر بين اليمنيين، في ظل آمال واسعة بأن يضع حداً لمعاناة آلاف الأسر التي تنتظر منذ سنوات عودة ذويها من السجون ومراكز الاحتجاز.

ويشمل الاتفاق الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف لدى طرفي الصراع، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، وتتقدمها قضية السياسي البارز محمد قحطان، المشمول بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، ما منح الاتفاق بُعداً سياسياً وإنسانياً في آن واحد، ورفع سقف التوقعات بشأن إمكانية تحويله إلى مدخل لإجراءات بناء ثقة أوسع.

وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الخميس، رشاد العليمي، الوفد الحكومي المفاوض المعني بملف المحتجزين، برئاسة عضو مجلس الشورى هادي هيج، حيث استمع إلى إحاطة حول نتائج الجولة الأخيرة من المفاوضات مع الجماعة الحوثية، والمسار الذي قاد إلى توقيع الاتفاق في مسقط.

العليمي يستقبل في الرياض الوفد الحكومي المفاوض بخصوص الأسرى والمحتجزين (سبأ)

وأشاد العليمي بنتائج المفاوضات، عادّاً أن الاتفاق يمثل خطوة إنسانية مهمة، من شأنها التخفيف من معاناة آلاف الأسر اليمنية التي عاشت لسنوات على وقع الغياب والانتظار.

وأكد أن مجلس القيادة الرئاسي والحكومة يضعان ملف المحتجزين وحماية المدنيين ولمّ شمل الأسر ضمن أولويات ثابتة، بوصفها مسؤولية أخلاقية ووطنية لا تقبل المساومة.

كما ثمّن الجهود التي بذلها الفريق الحكومي المفاوض، والدور الذي لعبته السعودية وعمان، إلى جانب الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مؤكداً أن هذه المساعي أسهمت في كسر جمود أحد أكثر الملفات تعقيداً في الأزمة اليمنية.

وشدّد رئيس مجلس القيادة اليمني على أن الحكومة لن تدخر جهداً في سبيل الإفراج عن جميع المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً في سجون الحوثيين، داعياً إلى الالتزام بقاعدة «الكل مقابل الكل» دون انتقائية أو شروط، ومطالباً المجتمع الدولي بممارسة أقصى الضغوط لضمان تنفيذ الاتفاق، وإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بالقوة.

بين الأمل والشك

أثار الإعلان عن الاتفاق حالة من التفاؤل الحذر في أوساط سكان العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى، الذين أنهكتهم سنوات الحرب والانقلاب، وما خلّفته من أزمات إنسانية متفاقمة، يتصدرها ملف المحتجزين.

ويرى سكان تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن الاتفاق، في حال تنفيذه الكامل دون عراقيل أو تمييز، قد يخفف من معاناة آلاف الأسر، مؤكدين أن ملف الأسرى يُعد من أكثر الملفات إيلاماً في الصراع، حيث لا تكاد تخلو أسرة من قصة احتجاز أو اختفاء قسري.

أسرى يمنيون أفرج عنهم سابقاً على متن طائرة دولية في مطار مأرب (رويترز)

ويقول سامي (اسم مستعار)، وهو عامل بالأجر اليومي من حي مذبح بصنعاء، إن الاتفاق يُنظر إليه بعيداً عن الحسابات السياسية، بوصفه «فرصة حقيقية لعودة آباء وإخوة وأبناء غابوا عن أسرهم لسنوات». لكنه في الوقت ذاته يُبدي تشككه في مدى التزام الجماعة الحوثية، في ظل تجارب سابقة لم تُنفذ كما أُعلن عنها.

من جانبه، يؤكد «أبو عبد الله»، وهو مدرس حكومي في ريف صنعاء، أن أي خطوة تعيد إنساناً إلى عائلته «تستحق الترحيب والدعم»، معبّراً عن أمله في أن يكون الاتفاق بداية لمعالجة بقية الملفات الإنسانية العالقة، وفي مقدمتها رواتب الموظفين وفتح الطرقات.

أسر تنتظر

تعكس شهادات ذوي المحتجزين في صنعاء مشاعر مختلطة بين الأمل والخوف من تكرار خيبات سابقة. تقول أم خالد، والدة أحد المحتجزين منذ تسعة أعوام، إن الأسر «سمعت كثيراً عن اتفاقات لم ترَ النور»، مطالبة بضمانات أممية حقيقية تضمن تنفيذ ما تم التوافق عليه.

أما سامية، زوجة أحد المحتجزين، فتشير إلى أن المعاناة لا تقتصر على غياب المعيل، بل تمتد إلى ضغوط نفسية واقتصادية قاسية، مؤكدة أن الأطفال «كبروا وهم محرومون من آبائهم»، وأن الأسر لم تعد تحتمل مزيداً من الوعود.

اجتماع يمني سابق في عمان بشأن الأسرى والمعتقلين (الأمم المتحدة)

ويرى مراقبون أن اتفاق مسقط جاء في ظل ضغوط دولية كبيرة لدفع الأطراف اليمنية نحو خطوات بناء ثقة، في وقت لا يزال فيه المسار السياسي الشامل متعثراً.

ويجمع المراقبون الحقوقيون على أن نجاح الاتفاق قد يخفف من حدة التوتر، ويفتح نافذة أمل في جدار الأزمة اليمنية الممتدة منذ أكثر من أحد عشر عاماً، شرط أن يُترجم الاتفاق إلى أفعال لا بيانات.


الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
TT

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «الخروج السلس والعاجل للانتقالي»

لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)
لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

على وقع الإجراءات الأحادية لقوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» في المحافظات الشرقية لليمن، جاء البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، الخميس، ليُشكل نقطة ارتكاز حاسمة في مسار احتواء التصعيد، وتثبيت مرجعية الدولة اليمنية، وحماية مركزها القانوني؛ حيث حدّد مسار التهدئة بانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة وتسليم المواقع لقوات «درع الوطن».

البيان السعودي، الذي حظي بترحيب من رئيس «مجلس القيادة الرئاسي» الدكتور رشاد العليمي والحكومة اليمنية، وضع إطاراً عملياً لمعالجة الأزمة، مستنداً إلى الشراكة مع الإمارات في «تحالف دعم الشرعية»، وإلى مرجعيات اتفاق الرياض، وإعلان نقل السلطة، مع تأكيده أن أي معالجة لـ«القضية الجنوبية» لا يمكن أن تتم خارج الحل السياسي الشامل، أو عبر فرض أمر واقع بالقوة.

أكدت السعودية في بيانها دعمها الكامل لرئيس «مجلس القيادة الرئاسي» وأعضاء المجلس والحكومة اليمنية، لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والسلام في اليمن، مشددة على أن التحركات العسكرية التي شهدتها محافظتا حضرموت والمهرة تمت بشكل أحادي ودون موافقة «مجلس القيادة الرئاسي» أو التنسيق مع قيادة التحالف، الأمر الذي أدّى إلى تصعيد غير مبرر أضر بمصالح الشعب اليمني، وبالقضية الجنوبية نفسها، وبجهود التحالف العربي.

موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» خلال حشد في مدينة عدن (رويترز)

وأوضحت وزارة الخارجية السعودية أن المملكة آثرت خلال الفترة الماضية التركيز على وحدة الصف، وبذل كل الجهود للتوصل إلى حلول سلمية لمعالجة الأوضاع في المحافظتين، في إطار حرصها على تجنيب اليمن مزيداً من التوترات التي قد تنعكس سلباً على مسار السلام الهش.

وفي هذا السياق، كشفت الرياض عن تحرك عملي لاحتواء الموقف، من خلال العمل المشترك مع الإمارات، ورئيس مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة اليمنية؛ حيث جرى إرسال فريق عسكري مشترك سعودي-إماراتي إلى عدن، لوضع الترتيبات اللازمة مع «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بما يضمن عودة قواته إلى مواقعها السابقة خارج المحافظتين، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وشدّد البيان على أن الجهود متواصلة لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، مع التعويل على تغليب المصلحة العامة، ومبادرة المجلس الانتقالي بإنهاء التصعيد والخروج السلس والعاجل من حضرموت والمهرة، بما يحفظ السلم المجتمعي، ويمنع الانزلاق نحو مسارات غير محسوبة.

ترحيب رئاسي وحكومي

وجدد العليمي في تدوينة على منصة «إكس» تقديره العالي للموقف الأخوي للسعودية، قيادةً وحكومةً وشعباً، إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مشيداً بجهودها الصادقة لخفض التصعيد في المحافظات الشرقية، وحماية المركز القانوني للدولة.

وأكّد العليمي التزام مجلس القيادة الرئاسي والحكومة بالشراكة الوثيقة مع السعودية على مختلف المستويات، والعمل المشترك لتوحيد الصف الوطني، بما يُحقق تطلعات اليمنيين في استعادة مؤسسات الدولة، وتحقيق الأمن والاستقرار والسلام.

جنود موالون لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي» في اليمن يحرسون محيط القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

من جانبها، رحّبت الحكومة اليمنية بالبيان السعودي، وعدّته موقفاً واضحاً ومسؤولاً إزاء التطورات الأخيرة في حضرموت والمهرة، مثمنة الدور القيادي الذي تضطلع به المملكة، بالتنسيق مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لدعم مسار التهدئة ومعالجة الأوضاع بروح الشراكة والمسؤولية.

وأكدت الحكومة اليمنية أن استقرار حضرموت والمهرة، وسلامة نسيجهما الاجتماعي، يُمثلان أولوية وطنية قصوى، محذرة من أن أي تحركات أمنية أو عسكرية خارج الأطر الدستورية والمؤسسية، ودون تنسيق مع مجلس القيادة والحكومة والسلطات المحلية، تشكل عامل توتير مرفوضاً، وتحمّل البلاد أعباء إضافية في ظرف بالغ الحساسية.

إجماع حزبي

في موازاة المواقف الرسمية، أصدرت الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية بياناً مشتركاً استنكرت فيه الخطوات التصعيدية الخطيرة، سواء من قبل «المجلس الانتقالي الجنوبي» أو من بعض الوزراء والمحافظين الذين أعلنوا تأييدهم للإجراءات الأحادية، عادّة ذلك خروجاً صريحاً على الشرعية الدستورية، وإعلان نقل السلطة، ومرجعيات الحل السياسي المتوافق عليها وطنياً ودولياً.

وأكدت الأحزاب أن فرض مشروع سياسي بالقوة، وتقويض سلطة الدولة، يُمثل نكوصاً خطيراً عن الوفاق الوطني، وضرباً لأسس الشراكة، وإضعافاً مباشراً لوحدة القرار السيادي، ويمنح جماعة الحوثي فرصاً إضافية لإطالة أمد الحرب وتعقيد مسار السلام.

قوات تابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» في منطقة جبلية بمحافظة أبين (رويترز)

وأشادت الأحزاب بالموقف السعودي الداعم للشرعية الدستورية ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً، وبجهود المملكة لمنع الفوضى في المحافظات الشرقية، كما رحّبت ببيان مجلس الأمن الدولي الذي دعا إلى خفض التصعيد، وبموقف الاتحاد الأوروبي الداعم لوحدة اليمن وسيادته.

على المستوى الحزبي الفردي، أكّد حزب «المؤتمر الشعبي العام» -جناح الخارج- أن المرحلة الراهنة شديدة الحساسية، وتتطلب اصطفافاً وطنياً حقيقياً، محذّراً من أن أي خطوات انفرادية لفرض أمر واقع لا تخدم قضية الجنوب ولا معركة استعادة الدولة، بل تصب في مصلحة الانقلاب الحوثي، وتُهدد الأمن القومي العربي.

ودعا جناح الحزب في الخارج جميع الأطراف إلى التراجع عن الإجراءات الأحادية، وتغليب الحوار، ولمّ الشمل، وتوحيد الجهود لمواجهة العدو المشترك، مع تأكيد أن القضايا الوطنية لا تُحل بالقوة أو الإكراه، بل بالحوار والتوافق.

الحوثيون المدعومون من إيران يتربصون بالحكومة الشرعية والمناطق المحررة (إ.ب.أ)

بدوره، شدد «الحزب الاشتراكي اليمني» على تمسكه بوحدة الحكومة واتفاق الرياض، ورفضه أي إجراءات تقوض التوافق الوطني، محذّراً من أن الزج بالحكومة في حالة الاستقطاب السياسي سيقود إلى العجز والشلل، وينعكس سلباً على حياة المواطنين ومعيشتهم.

وأكد الحزب أن حكومة الشراكة الوطنية تُمثل المنجز الأبرز لاتفاق الرياض، وأن الحفاظ على وحدتها شرط أساسي لمواجهة التمرد الحوثي ومشروعات التفكيك، داعياً إلى إنهاء الاحتقان داخل مؤسسات الدولة، واستعادة وحدة القرار السياسي والعسكري.

ويجمع سياسيون يمنيون على أن الرسالة السعودية حملت توازناً دقيقاً بين دعم الشرعية، واحترام خصوصية القضية الجنوبية، والتحذير من الانزلاق نحو مسارات قد تعصف بالسلم المجتمعي، وتبدد ما تبقى من فرص السلام، في وقت لا تزال فيه البلاد تخوض معركة وجودية ضد الجماعة الحوثية والتنظيمات المتخاصمة معها.


العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
TT

العاصمة الصومالية تشهد انتخابات في خطوة أولى نحو استعادة حق الاقتراع العام

عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)
عضوان من حزب العدالة والوحدة خلال حملة انتخابية في مقديشو (إ.ب.أ)

يصوت سكان العاصمة الصومالية ​مقديشو اليوم الخميس في انتخابات بلدية تهدف إلى تمهيد الطريق لأول انتخابات وطنية مباشرة في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا منذ أكثر من نصف قرن.

وباستثناء انتخابات منطقة بونتلاند شبه المستقلة ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، أجرى الصومال آخر انتخابات مباشرة في عام 1969، قبل أشهر من سيطرة الجنرال محمد سياد بري على السلطة في انقلاب. وبعد سنوات من الحرب الأهلية التي أعقبت ‌سقوط بري ‌عام 1991، تم تبني طريقة الانتخابات غير ‌المباشرة ⁠عام ​2004. ‌وكان الهدف هو تعزيز التوافق بين القبائل المتنافسة في مواجهة حركةٍ مسلحة، على الرغم من أن بعض الصوماليين يرون أن السياسيين يفضلون الانتخابات غير المباشرة لأنها تتيح فرصا للفساد.

وبموجب هذا النظام، ينتخب ممثلون للقبائل أعضاء البرلمان، الذين يختارون بعد ذلك الرئيس. ويتولى الرئيس بدوره مسؤولية تعيين رئيس بلدية مقديشو. ويُنظر لانتخابات مقديشو، المدينة التي ⁠يبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ملايين نسمة والتي تحسنت الأوضاع الأمنية بها خلال السنوات القليلة ‌الماضية على الرغم من استمرار وقوع ‍هجمات يشنها مسلحو «حركة الشباب» ‍المرتبطة بتنظيم القاعدة، على أنها بمثابة اختبار قبل إجراء انتخابات ‍مباشرة على المستوى الوطني.

وقال عبد الشكور أبيب حير عضو لجنة الانتخابات الوطنية إن حوالي 1605 مرشحين سيتنافسون اليوم الخميس على 390 مقعدا بالمجالس المحلية بمقديشو. وسيختار هؤلاء الأعضاء بعد ذلك رئيسا للبلدية. وذكر حير لرويترز «هذا يظهر أن الصومال يقف على قدميه ويمضي قدما... وبعد الانتخابات المحلية، يمكن وسيتم إجراء الانتخابات في جميع ⁠أنحاء البلاد».

وأعاد قانون صدر عام 2024 حق الاقتراع العام قبل الانتخابات الاتحادية المتوقعة العام المقبل. ومع ذلك، توصل الرئيس حسن شيخ محمود في أغسطس آب إلى اتفاق مع بعض قادة المعارضة ينص على أنه بينما سيتم انتخاب النواب مباشرة في عام 2026، سيظل البرلمان هو من يختار الرئيس.

وتقول أحزاب معارضة إن الانتقال سريعا لتطبيق نظام انتخابي جديد من شأنه أن يعزز فرص إعادة انتخاب محمود. ويتساءلون كذلك عما إذا كانت البلاد آمنة بما يكفي لإجراء انتخابات شاملة نظرا لسيطرة حركة الشباب على مساحات شاسعة من المناطق ‌الريفية فضلا عن أنها تشن غارات بشكل متكرر على مناطق سكانية رئيسية.