جوزيف بوريل: النظام مسؤول عن معاناة السوريين... والتطبيع رهن تنفيذ 2254

ممثل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبي يؤكد في حديث لـ «الشرق الأوسط» دعم الحوار الأميركي ـ الروسي

جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
TT

جوزيف بوريل: النظام مسؤول عن معاناة السوريين... والتطبيع رهن تنفيذ 2254

جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)
جوزيف بوريل مسؤول الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (المفوضية الاوروبية)

أعرب جوزيف بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، عن أمله بتقديم الجهات والدول المشاركة في مؤتمر بروكسل للمانحين الذي يعقد اليوم، التزامات توازي ما كان في العام الماضي وقدرها حوالي ستة مليارات يورو، لافتا إلى أن الأوروبيين قدموا حوالي 20 مليار يورو إلى سوريا والدول المجاورة منذ 2011.
وقال بوريل، الذي يشغل أيضا نائب رئيس المفوضية منذ تسلمه منصبه نهاية العام الماضي خلفا لفيدريكا موغريني، إنه «لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية» إلى المؤتمر على غرار السنوات السابقة، مضيفا «ربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط، وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وأشار إلى «ترحيب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر».
وأوضح ردا على سؤال أن «العقوبات الاقتصادية» الصادرة عن الاتحاد الأوروبي «تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب»، مؤكدا أنها «لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء (كورونا) في الآونة الراهنة»، مضيفا «يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية».
وأشار بوريل إلى أن قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي تضم حاليا 273 شخصية و70 كيانا بـ«هدف ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب القرار الدولي 2254 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة». وزاد: «من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى مفروضة»، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيشارك في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب 2254».
وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عن بعد وتناول أيضا الحوار الروسي - الأميركي و«الانتخابات السورية»، عشية مؤتمر بروكسل اليوم:
> ما الذي تتوقعونه من مؤتمر المانحين في بروكسل المقرر انعقاده اليوم 30 يونيو (حزيران) الجاري؟ وكيف يختلف هذا المؤتمر عن مؤتمرات الجهات المانحة السابقة؟
- دخلت سوريا عامها العاشر من الحرب. وعلى مدار الأعوام التسعة الماضية، كان على نصف سكان البلاد النزوح من منازلهم. وتوفي أكثر من نصف مليون سوري. ولدينا جيل كامل من الأطفال السوريين الذين لم يعرفوا سوى الحرب. وجميعهم يستحقون مستقبلا أفضل ينعمون فيه بالسلام. وإننا نعتبر مؤتمر بروكسل المقبل من الأدوات الأكثر فاعلية في جذب انتباه العالم والمحافظة على اهتمامه بالحاجة الماسة إلى حل هذا النزاع المستمر ومواصلة تعبئة المجتمع الدولي بشأن الحل السياسي على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وهذه الطريقة هي السبيل الوحيد لاستعادة السلام والاستقرار إلى السوريين.
وإن المؤتمر المقبل، سيكون الحدث الأهم في العام 2020 من حيث التعهدات لأجل سوريا والمنطقة بأسرها، ومن حيث التعامل مع الاحتياجات بالغة الأهمية التي تمخضت عنها الأزمة الراهنة، لكنه يتجاوز مجرد كونه مؤتمرا اعتياديا للجهات المانحة، إذ إنه يتعلق بمواصلة الدعم، على المحاور السياسية والمالية، للبلدان والشعوب المجاورة لسوريا، الذين أظهروا قدرا كبيرا واستثنائيا من التضامن مع اللاجئين السوريين النازحين قسرا من ديارهم.
والمؤتمر، أيضا تحول إلى فرصة سانحة وفريدة من نوعها بالنسبة إلى المجتمع المدني السوري بغية الدخول في حوار مفتوح ومباشر مع مجتمع الجهات المانحة ومع البلدان المضيفة للاجئين السوريين. لم نتمكن من حشد الناس بصورة شخصية ومباشرة خلال العام الحالي، لكننا استطعنا ترتيب أسبوعا من الفعاليات المهمة، حيث تمكن الشباب السوري، والنساء السوريات، فضلا عن منظمات المجتمع المدني المختلفة من التفاعل والتشارك فيما بينها مع مختلف مكونات المجتمع الدولي. وهذا من الأمور بالغة الأهمية، ليس لأنهم يمثلون الأصوات الحقيقية الناطقة باسم الشعب السوري فحسب، وإنما لأنهم يحملون في طيات أنفسهم المفتاح في مستقبل أفضل لسوريا.
> يأتي مؤتمر هذه السنة في وقت هناك أزمة اقتصادية و«كورونا» في سوريا؟
- هناك جملة من العوامل التي تثير المخاوف بشأن مؤتمر العام الحالي. ومن بينها التدهور الخطير للغاية في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد، والهجوم العسكري الأخير الذي شنه النظام السوري وداعموه، وتدمير وانهيار البنية التحتية المدنية في البلاد، فضلا عن كارثة وباء «كورونا» المستجد التي اجتاحت البلاد ولا تزال. هذه كلها من العوامل التي تزيد من تفاقم الظروف المعيشية بالنسبة للمواطنين السوريين. لقد فاض بهم الكيل بالفعل.
وبالتشارك الفعال مع منظمة الأمم المتحدة، التي تضطلع بدور حاسم وحيوي وكبير، فإننا لا ندخر جهدا في الوقوف إلى جانبهم والعمل على تحقيق آمالهم وأحلامهم في مستقبل أكثر سلاما وإشراقا.
> قدمت الجهات المانحة في مؤتمر العام الماضي مساعدات مالية بقيمة بلغت 6.2 مليار يورو. هل تعتقدون أنه يمكن تأمين نفس التعهدات في مؤتمر العام الحالي؟ وهل بإمكانكم الاستجابة لنداءات منظمة الأمم المتحدة من أجل المساعدات الإنسانية؟
- من المستحيل قبل المؤتمر، تقديم رقم محتمل بشأن التعهدات المالية من جانب الجهات المانحة خلال مؤتمر العام الحالي. كما أن المبالغ المالية الملتزم بها تتغير حتما من عام إلى آخر، ذلك حسب المقاربات المعتمدة لدى الجهات المانحة. لكننا، على غرار كل عام، يحدونا طموح كبير في دعم وإسناد الشعب السوري والمجتمعات المضيفة للاجئين السوريين في البلدان المجاورة. وإننا جميعا نواصل العمل سويا، وليس أقلها التفاعل المستمر مع الرئيس المشارك من الأمم المتحدة، ذلك بهدف ضمان أن المواطنين السوريين في كافة أنحاء سوريا، فضلا عن اللاجئين النازحين إلى بلدان الجوار في الأردن، ولبنان، وتركيا، يحصلون جميعا على الدعم والحماية المناسبة من المجتمع الدولي على مدى السنة القادمة بأكملها. وهذا هو أقل ما يمكن أن يتوقعوه، وأقل ما يمكننا القيام به لأجلهم.
> ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟
- بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لقد قدمنا أكثر من 20 مليار يورو منذ بداية الأزمة السورية في صورة المساعدات الإنسانية، والاستقرار، والتنمية، والمساعدات الاقتصادية المختلفة. وإننا نُعتبر أكبر الجهات المانحة بالنسبة إلى الشعب السوري، من واقع ثُلثي الأموال التي جرى إنفاقها في مساعدة الشعب السوري والبلدان المجاورة لسوريا التي جاءت من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. وسنواصل الاضطلاع بدورنا في هذا المسار.
ومما يُضاف إلى الأزمة الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة، وكافة المآسي والمعاناة التي يكابدها الشعب السوري، فإن السوريين يعانون في الآونة الراهنة أيضا من عواقب وباء «كورونا». ومن شأن المؤتمر، أن يتطرق إلى هذه المسألة المهمة والملحة ضمن جدول الأعمال. وفي الاتحاد الأوروبي، لقد عملنا على تهيئة المساعدات الحالية كي تتسق وفق الاستجابة المطلوبة لهذه التحديات الجديدة والإضافية، فضلا عن العمل الجاد والمستمر لضمان وصول المعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين لها في سوريا.
> لماذا لم توجه الدعوة إلى الحكومة السورية لحضور مؤتمر؟
- على غرار ما خبرناه في مؤتمرات بروكسل الماضية ذات الصلة بالشأن السوري، لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية. وربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ونص قرار مجلس الأمن بكل وضوح على أن «الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا». وهذه ليست من كلمات المجاملات اللطيفة من زاوية الاتحاد الأوروبي، بل إنها البوصلة التي تحدد اتجاهات مساراتنا إزاء القضية. ولا يحق لأحد أن يأخذ مستقبل سوريا رهينة. ولأجل هذا السبب، فإننا نضمن المساهمات ذات الفائدة مع المشاركة الكبيرة والفعالة من جانب المجتمع المدني السوري، استمرارا مع المشاورات المكثفة عبر الإنترنت في سوريا وفي المنطقة قبل عقد المؤتمر.
كما جرى ترتيب أيام من الحوار بصورة افتراضية في تاريخ 22 و23 يونيو الجاري، وكانت تتألف من مناقشات بين المجتمع المدني، والوزراء، وصناع القرار السياسي من البلدان المضيفة للاجئين، ومن الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة، وغير ذلك من الشركاء الدوليين المعنيين. ومن شأن هذه الإسهامات الجادة، أن تندرج ضمن الاجتماع الوزاري الخاص بالمؤتمر في 30 يونيو، إذ إننا نعتبر المجتمع المدني السوري، وعمال الإغاثة على أرض الواقع، والمنظمات النسائية والشبابية السورية، الممثلين الحقيقيين لمستقبل البلاد.
> كيف تفسرون المشاركة الروسية في المؤتمر المقبل رغم انتقاد موسكو المعلن لعدم توجيه الدعوة إلى الحكومة السورية؟
- على غرار ما تقدم في السنوات الماضية، جرى توجيه الدعوة إلى كافة أعضاء المجتمع الدولي ممن يملكون النفوذ القائم والتأثير الواضح في مجريات النزاع السوري الراهن، وممن أعربوا عن رغبتهم في دعم الجهود الدبلوماسية، اتساقا على نحو كامل مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية. وعلى هذا النحو، يرحب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر المقبل.
> يأتي المؤتمر المقبل إثر تجديد الاتحاد الأوروبي لحزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ومع بدء دخول «قانون قيصر» الأميركي في حيز التنفيذ الفعلي. فهل لذلك من تأثير يُذكر على مجريات المؤتمر؟
- إن من بين الأهداف الرئيسية لمؤتمر بروكسل القادم هو إجماع المجتمع الدولي وراء العملية السياسية التي تهيئ منظمة الأمم المتحدة الأجواء لأجلها تحت قيادة سورية واضحة. الضغوط الدولية الممارسة على دمشق (ترمي) للضغط عليها للمشاركة الكاملة والصادقة في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الأمر الذي نحاوله راهنا من خلال حزمة العقوبات المفروضة، التي هي بالطبع جزء من هذه الجهود (الضغوط).
> أعلنت الحكومتان الروسية والسورية أن هذه العقوبات الاقتصادية من شأنها إلحاق الأضرار بتدفقات المساعدات الإنسانية والطبية إلى البلاد، فما هو ردكم على ذلك؟
- ليست العقوبات الاقتصادية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بالأمر الجديد ولا هي موجهة لاستهداف المدنيين في سوريا. بل إنها تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب.
والعقوبات الاقتصادية الأوروبية مصممة بحيث إنها لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء «كورونا» في الآونة الراهنة. ولا تحظر العقوبات الأوروبية تصدير المواد الغذائية أو الأدوية أو المعدات الطبية. وحتى بالنسبة إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج التي من الممكن أن تحمل قدرا من المخاطر، مثل المواد الكيماوية الضرورية في الاستخدامات الدوائية، فهناك قدر متصور من الاستثناءات ذات الصلة بالأغراض الإنسانية.
> لكن دمشق حملت العقوبات مسؤولية المعاناة. من يتحمل المسؤولية؟
- لقد كان الاتحاد الأوروبي - ولا يزال - أكبر الجهات المانحة على الصعيد الإنساني للأزمة السورية، مع جمع أكثر من 20 مليار يورو لهذه الأغراض منذ عام 2011 وحتى اليوم. وطوال كل هذه السنوات، وصل دعمنا الحيوي والمهم إلى الشعب السوري.
يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية. بل على العكس من ذلك، يرجع كل الفضل إلى المساعدات الدولية، إذ لا يزال من الممكن توفير خدمات الرعاية الصحية، أو الغذاء، أو التعليم، أو الحماية للأشخاص المعوزين في داخل سوريا.
كما يمكنني أن أضيف أيضا، أن النشاط التجاري ما زال مستمرا طوال فترة الحرب الماضية بين الاتحاد الأوروبي وبين سوريا. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي أي نوع من أنواع الحظر أو الحصار على سوريا طيلة تلك الفترة.
> ما الشروط التي يمكن للاتحاد الأوروبي بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق؟
- دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بسوريا حيز التنفيذ الفعلي اعتبارا من 9 مايو (أيار) في العام 2011 ردا على أعمال القمع العنيفة التي مارسها النظام السوري ضد شعبه، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، وانتشار واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري. ولم تفرض العقوبات ببساطة، وإنما كانت نتيجة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب المحتملة، والجرائم ضد الإنسانية، والتي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان.
> هناك قائمة طويلة من العقوبات؟
- تضم قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي حاليا 273 شخصية و70 كيانا. والهدف المقصود من وراء هذه التدابير هو ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى (مفروضة)، إذ إنها تُعتبر جزءا أصيلا لا يتجزأ من منهج الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا إزاء الأزمة السورية. كما أن العقوبات محل المراجعة المستمرة من جانبنا بغية تقدير ما يتمخض عنها - ضمن أمور أخرى - من آثار وتطورات على أرض الواقع.
> ربط الاتحاد الأوروبي سابقاً أي مساهمة في إعادة إعمار سوريا بنجاح العملية السياسية هناك. ما موقفكم الحالي من إعمار سوريا؟
- كان موقف الاتحاد الأوروبي - وما زال - واضحا للغاية في هذا الشأن. الأوروبيون على استعداد تام لدعم مستقبل الشعب السوري ومساعدتهم في إعادة إعمار بلادهم، لكن هناك معايير لانخراط الاتحاد الأوروبي في ذلك. سيُشارك الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فمن شأن كافة الجهود المبذولة على هذا المسار أن تذهب هباء. إذ تستلزم إعادة الإعمار توفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار، والحوكمة، والمساءلة العامة، والتمثيل في السلطات الحاكمة. ولا تتوافر حالياً أي من هذه المعايير لدى سوريا.
> إذن، المساهمة تنتظر هذه المعايير؟
- لا يمكن على الإطلاق استثمار دعم الاتحاد الأوروبي لإعادة الإعمار في سوريا، في سياق من شأنه تأجيج عدم المساواة وما سواه من المظالم التي كانت موجودة قبل الحرب ولا تؤدي إلى المصالحة وبناء السلام والاستقرار. ولا تقتصر جهود إعادة الإعمار على مجرد إعادة بناء البنية التحتية والإسكان في البلاد - وإنما هي تتعلق باستعادة وصون النسيج الاجتماعي داخل سوريا، وإعادة بناء الثقة، مع تهيئة الظروف والأجواء التي من شأنها التخفيف أو الحيلولة دون تكرار أعمال العنف، فضلا عن الاستجابة للمظالم التي أطلقت شرارة النزاع في المقام الأول. ويستحق الشعب السوري أن يعيش في بلد يشعر فيه بالأمان، والحماية من قبل قضاء محايد، وتحت سيادة القانون، وحيث يمكن ضمان الكرامة الإنسانية.
> تشارك الأمم المتحدة في رئاسة المؤتمر. فما موقفكم بشأن جهود غير بيدرسن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا؟
- موقفنا لا يزال على حاله من أنه فقط الحل السياسي الذي يتحقق ضمن إطار مفاوضات جنيف برعاية منظمة الأمم المتحدة هو الذي من شأنه ضمان المستقبل السلمي لسوريا. وإننا نؤيد بالكامل أعمال الأمم المتحدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، السيد غير بيدرسن، في هذا الصدد. هذا، ويهدف مؤتمر بروكسل المقبل أيضا إلى حشد المجتمع الدولي وراء جهود الأمم المتحدة بغية التقدم في الحل السياسي.
ومن شأن المؤتمر أيضا أن يدعم ويؤيد دعوات الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، والمبعوث الخاص، السيد غير بيدرسن، من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في سوريا، مع إطلاق سراح المعتقلين، لا سيما في ضوء جائحة فيروس «كورونا» الراهنة.

الحوار الاميركي – الروسي
< أعلن الجانب الروسي استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة بغرض التوصل إلى حل سياسي في سوريا. فما موقفكم من الحوار الأميركي - الروسي بشأن القضية السورية؟
- أي تقدم يُحرز في مسار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري، هو موضع ترحيب من قبلنا. إننا نصر ونؤكد على أنه لا تنبغي المساومة بشأن مبادئ محددة. وتساند كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأي حل يُطرح للصراع السوري لا بد أن يتسق مع هذا القرار.
بالنسبة إلينا في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، ومن ثم، لا يوجد التزام من جانبنا بتوفير التمويل الدولي لإعادة الإعمار، حتى يكون هناك انخراط حقيقي في عملية سياسية صادقة وشاملة وجامعة (تمثيلية). كذلك، لا يمكن للمجتمع الدولي دعم عودة اللاجئين إلى سوريا إلا بشرط ضمان سلامتهم، وكرامتهم، وأن تكون العودة من جانبهم طوعية غير قسرية.
< هل تعتقدون أن صفقة أميركية - روسية حول سوريا ستكون كافية؟ وكيف ترون ملامح هذه الصفقة؟
- مرة أخرى أقول إن الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا، وهذا بالضبط ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ولا بد للمفاوضات السياسية بشأن مستقبل سوريا أن تكون ملكا للسوريين وتحت القيادة السورية. ولقد أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، عن دعم وإسناد العملية السياسية الحقيقية والشاملة والجامعة (التمثيلية)، على النحو المقرر والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.
< توجد لدى سوريا، في الآونة الراهنة، ثلاث مناطق من النفوذ: في شمال شرقي البلاد، وفي شمال غربي البلاد، وفي بقية أرجاء البلاد. فهل يملك الاتحاد الأوروبي نفس الرؤية فيما يتعلق بهذه المناطق الثلاث؟
- الاتحاد الأوروبي لن يتراجع أو يتردد فيما يتعلق بالتزامه بشأن السيادة الكاملة، ووحدة الأراضي السورية وسلامتها. أما الترتيبات الدقيقة للحوكمة في سوريا، فهي مسألة يتخذ السوريون القرار فيها.

< ماذا عن الانتخابات الرئاسية السورية التي ستعقد في العام 2021 كيف ترون هذا الأمر؟
- الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ومن شأن تلك الانتخابات أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه.
< لكن هناك انتخابات ستجري؟
- إذا ما أُجريت الانتخابات من قبل ذلك (ما ذكر سابقا)، فإنني أحض النظام السوري على أن يظهر التزامه بالانفتاح السياسي الحقيقي والأصيل، من خلال التأكد، على سبيل المثال، من إتاحة الانتخابات إلى كافة فئات الشعب السوري، بما في ذلك أولئك الموجودين في خارج البلاد، وأن تتسم الانتخابات بالحرية والنزاهة المطلوبة. ومع ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم ذلك مقام الحاجة الماسة إلى الانخراط الحقيقي في العملية السياسية مع التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
< كيف ترون سوريا بعد مرور عام من الآن؟
- أما بالنسبة إلى كيف ستبدو سوريا في عام من الآن، فإن هذا يتوقف بالأساس على مدى التزام النظام السوري بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتبار أنه السبيل الوحيد والمقبول للمضي قدما. وليس ذلك لفائدتنا، أو لمصلحة داعميه (النظام)، وإنما هو لصالح جميع السوريين.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.