هزيمة حزب ماكرون في انتخابات فرنسا المحلية

الخضر يكتسحون كبريات المدن واليسار يلتقط أنفاسه

حزب الخضر أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأحزاب التقليدية (رويترز)
حزب الخضر أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأحزاب التقليدية (رويترز)
TT

هزيمة حزب ماكرون في انتخابات فرنسا المحلية

حزب الخضر أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأحزاب التقليدية (رويترز)
حزب الخضر أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأحزاب التقليدية (رويترز)

«زلزال سياسي» ضرب فرنسا وعنوانه الانتخابات المحلية في دورتها الثانية. ليس فقط لأن نسبة المشاركة لم تتخط عتبة الـ40 في المائة، وهي الأدنى في تاريخ هذا النوع من الانتخابات التي عادة يتدافع إليها الناخبون لأنها تمس قراهم ومدنهم وحياتهم اليومية المباشرة. لكن أيضاً «وخصوصاً» لأنها أعادت تشكيل المشهد السياسي في البلاد، حيث أصيب حزب «الجمهورية إلى الأمام» الرئاسي بنكسة مؤلمة بينما برز حزب الخضر كقوة سياسية مركزية يحسب حسابها ويتيعن أخذها بعين الاعتبار للاستحقاقات القادمة. وبالتوازي، وفرت هذه الانتخابات التي دعي إليها ما يزيد قليلاً على 16 مليون ناخب، وكانت المدن الرئيسية والمتوسطة مسرحها الفرصة للحزب الاشتراكي واليسار المتحالف في غالبية المدن الرئيسية مع الخضر، للعودة إلى الواجهة السياسية بعد أن كاد يضمحل ويغيب عنها عقب الهزائم الثلاث التي مُني منذ عام 2017 وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية والأوروبية.
جرت الانتخابات في أجواء من الانهيار الاقتصادي وارتفاع أرقام البطالة والخوف من المستقبل وبعد شهرين من الحجر في المنازل... ورغم أنه أن لا لبس في شرعيتها، فإن تساؤلات ستطرح حتماً في المستقبل حول مدى تمثيلها حينما يكون المجلس البلدي قد انتخب بأقل من خمس الناخبين المسجلين. ولم يتأخر الرئيس ماكرون في التعبير عن «قلقه» من ضعف الإقبال عليها لما في ذلك من إضعاف للديمقراطية ولممارستها.
إذا نحي هذا الجانب، فإن العلامة الفارقة لهذه الانتخابات هو الانتصارات الرئيسية التي حققها حزب الخضر الذي فاز بالتحالف مع اليسار بمدن رئيسية مثل مرسيليا وليون «وهما المدينتان الأولى والثانية في فرنسا» وبوردو غرونوبل، واستراسبورغ، وبيزونسون، وتور، وبواتيه... وكاد يفوز في مدينتي ليل وتولوز. وذلك يبين وبشكل لم يعد يقبل الجدل أن حزب الخضر أصبح يشكل تهديداً حقيقياً للأحزاب التقليدية مثل اليمين الكلاسيكي (الجمهوريون) أو اليمين المتطرف (التجمع الوطني)، وخصوصاً الحزب الرئاسي «الجمهورية إلى الأمام»؛ إذ أصبح لاعباً رئيسياً. وكانت هناك إرهاصات بأن حزب الخضر مستمر في مسيرته بعد النجاحات التي حققها العام الماض في الانتخابات الأوروبية. والسؤال المطروح اليوم يتناول زعامة اليسار بشكل عام: هل سيعقد لواءه لـيانيك جادو، زعيم الخضر والنائب في البرلمان الأوروبي، أم سيبقى بيدي الحزب الاشتراكي؟ وسارع أمين عام الاشتراكيين أوليفيه فور إلى القول، إنه مستعد للسير وراء من يكون قادراً على تجسيد «الجبهة الاجتماعية - البيئوية أفضل تمثيل»؛ ما يعني عملياً التسليم سلفاً بالسير وراء الخضر. ومن جانبه، وقطعاً لأي مناورة سياسية، سارع جادو إلى تأكيد أن أياً من الخضر لن يدخل الحكومة الجديدة التي سيشكلها الرئيس ماكرون في الأيام القليلة المقبلة، مستنداً في ذلك إلى تجربة نيكولا هولو، وهو شخصية رائدة في مجال الدفاع عن البيئة، وقد استقال من الحكومة العام الماضي بعد أن وجد طموحاتها البيئوية بالغة الضعف. بيد أن ماكرون سارع أمس، في خطاب له أمام الهيئة الوطنية التي تشكلت من 150 شخصاً لتقديم مقترحات لمحاربة الاحتباس الحراري والمحافظة على البيئة والتوجه نحو ما يسمى «الاقتصاد الأخضر» إلى تبني 146 مقترحاً «من أصل 149» تقدمت بها الهيئة، وكأنه بذلك يسعى لسحب البساط من تحت أرجل الخضر وتفكيك هذه القنبلة السياسية الموقوتة قبل الاستحقاق الرئاسي. وقال ماكرون «حان الوقت للعمل والتحرك» بيئوياً.
لا شك أن خيبة «الجمهورية إلى الأمام» جاءت بالغة، إذ لم تفز لوائحه الخاصة أو تلك التي تشكلت مع اليمين بأي من المدن الرئيسية. وأخذ عليه تحالف ماكرون مع اليمين الذي يعد الأقل حماسة لجهة البيئة بينما يقدم نفسه على أنه الأكثر التزاماً بهذه القضية التي ستصبح، وفق الخبراء، عنوان العامين وهو ما تبقى له من ولايته. وراهن الحزب الرئاسي على وزيرة الصحة السابقة في معركة باريس. إلا أنه جاءت في المرتبة الثالثة متأخرة بأشواط عن الفائزة الاشتراكية «ما يزيد على خمسين في المائة» ومنافستها اليمينية رشيده داتي «32 في المائة». كذلك خابت آماله في مدينتي ليون، وبوردو، وبيايرتز، ومونتيليمار، وأنسي، وبورج، وتور... وفي المدن الأخرى التي راهن عليها. ورغم ذلك، فإن مسؤول الحزب خفف من وقع الهزيمة باعتبار أنه «حديث العهد» وليس متجذراً في المدن والمناطق والأرياف. واعتبر أنه حقق بعض النجاح بحصوله على 10 آلاف مستشار بلدي من أصل 500 ألف ما يشكل 2.5 في المائة من المستشارين.
قد يكون فوز رئيس الحكومة إدوار فيليب في مدينة لو هافر (شمال غرب) بأغلبية مريحة الضوء الوحيد للأكثرية. إلا أن فيليب لا ينتمي إلى الحزب الرئاسي واليوم يطرح موضوع بقائه أو خروجه من الحكومة في إطار التعديل الذي يخطط له ماكرون. وثمة إجماع على أن رئيس الحكومة الحالي عزز مواقعه مع فوزه وأيضاً مع تنامي شعبيته بفضل الدور الذي لعبه في إدارة أزمة «كوفيد – 19».
من نتائج الامتحان، أن صوت الاشتراكيين أخذ يُسمع من جديد بعد أن اقتربوا من الاندثار. وجاء فوزهم ببلدية باريس رمزاً بارزاً بالنظر لما تمثله العاصمة ديموغرافياً وسياسياً ودولياً. فقد نجحت رئيسة البلدية الحالية في المحافظة على العاصمة مقدمة لحزبها انتصاراً مدوياً. والنجاح الثاني تمثل بفوز الوزيرة السابقة مارتين أوبري في مدينة ليل للمرة الرابعة، وهي أحد أهم الأصوات المسموعة والمحترمة داخل الحزب. والمفارقة أن فوزها جاء على حساب مرشح الخضر في المدينة، حيث لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق لتقاسم المسؤوليات.
أما يميناً، فإن حزب الجمهوريين فحصد نصف نجاح في المحافظة على عدد من عرائنه. إلا أنه أصيب بالهزيمة في مدن رئيسية رغم تحالفه مع «الجمهورية إلى الأمام» كما في بوردو ومرسيليا. والخلاصة التي فرضت نفسها عليه أن التحالف مع الحزب الرئاسي لا يعطي بالضرورة نتائج إيجابية، وأنه من الأفضل أن يبقى تحت رايته الخاصة من أجل المحافظة على هويته من جهة وللتحضر للاستحقاقات القادمة. وأخيراً، فإن التجمع الوطني «اليمين المتطرف» وحزب مارين لوبان أنقذ صورته بالفوز في بلدية بربينيان المتوسطية (أكثر من مائة ألف نسمة)، بينما كان يعول على كسب مزيد من المواقع تيمناً بما حققه في الانتخابات الأوروبية العام الماضي، حيث حل في المرتبة الأولى.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.