«تفكيك الميليشيات»... الاختبار الأول للسراج بعد استعادة العاصمة

ضغوط أميركية تزيد الصراع بين مجموعتي طرابلس ومصراتة

TT

«تفكيك الميليشيات»... الاختبار الأول للسراج بعد استعادة العاصمة

عقب سيطرة قوات حكومة «الوفاق» على الحدود الإدارية للعاصمة الليبية طرابلس، طرح الكثير من السياسيين في البلاد سؤالاً عن إمكانية نجاح رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، في تفكيك الميليشيات المسلحة، وإخراجها من العاصمة، في ظل ضغوط أميركية تدفع في هذا الاتجاه، وتباين في تصنيف هذه المجموعات المسلحة.
وسريعاً شكك نواب ينتمون إلى شرق البلاد، في إمكانية اتخاذ وزارة داخلية حكومة «الوفاق» أي خطوات جادة في هذا الملف، وتوقعوا قيامها بما سموه «تزييف الواقع للتهرب من أي قيود قد تفرض عليها في هذا الإطار».
وكانت مناقشات جرت في العاصمة نهاية الأسبوع الماضي، بين عدد من العسكريين الأميركيين وقيادات عسكرية ليبية بحكومة «الوفاق» تناولت سبل تسريح الميليشيات وإمكانية إعادة دمجها في الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي تعاطى معه فتحي باشاغا وزير الداخلية بإيجابية، ووعد بأنه سيمضي في سبيل تحقيقه.
ورأى عضو مجلس النواب الليبي أبو بكر الغزالي، أن وعود باشاغا وحديثه المتكرر عن اتجاهه لتفكيك الميليشيات ليس إلا «محاولة منه للظهور أمام الرأي العام الخارجي بمظهر رجل الدولة الذي يسوّق نفسه لإمكانية الاعتماد عليه في قادم الأيام»، وقال «حديثه (باشاغا) يحمل تناقضات وانفصالاً عما يجري على أرض الواقع». وأضاف الغزالي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الميليشيات التي يصفها باشاغا في تغريداته بأنها خارجة عن القانون ويفكر في تفكيكها الآن، كانت تقاتل معه طيلة الأشهر الماضية ضد (الجيش الوطني)»، متابعاً «اليوم وبعد أن تحدثت أميركا عن ضرورة تسريحها، وأصبح الأمر واقعاً لا يمكن لوزير داخلية (الوفاق) تجاهله، صار يتحدث ويحاول الإيهام بأن هناك ميليشيات منضبطة تابعة للمجلس الرئاسي وأخرى لا علاقة لهم بها!».
ويتوقع الغزالي أن تلجأ «الوفاق» إلى تفكيك وحل بعض الميليشيات الضعيفة على الأرض في محاولة منها للتهرب من المطلب الأميركي، «في حين ستبقي، بل وتتحالف مجدداً مع الميليشيات القوية المحصنة في مصراتة بعد أن تتم إعادة تسميتها بمسميات جديدة لمنحها شرعية وهمية لخداع المجتمع الدولي».
ويرصد متابعون للشأن الليبي حالة من الصراع بين الميليشيات المتحكمة في العاصمة، ومجموعات مماثلة لها في مدينة مصراتة والتي يستمد باشاغا قوته منها، ويرى أحقيتها في التواجد بالمشهد الراهن؛ وهو ما يعيد طرح السؤال بشكل آخر: هل يمكن لحكومة «الوفاق» التخلي عن ميليشيات طرابلس، التي تتولى حماية المجلس الرئاسي منذ أن تولى السلطة بالعاصمة، في مطلع عام 2106؟
وأجاب النائب الغزالي «إذا أقدمت حكومة (الوفاق) على هذه الخطوة فهي كمن شنق نفسه بيده؛ إذ إنه لا شعبية لها بالداخل الليبي، وتعرف جيداً أنها تستمد حمايتها من الميليشيات، وبالتالي من الصعب اتخاذ هذه الخطوة».
ويخالف صلاح البكوش، المحلل السياسي والمستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة بطرابلس، الرأي السابق؛ إذ يرى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ظاهرة الميليشيات موجودة في كل مدن ليبيا، وليس الغرب فقط. واستند البكوش إلى «تقارير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي منذ عام 2015 وحتى آخر تقرير في 2019، ويشير إلى أن الميليشيات ليست ظاهرة محصورة في غرب ليبيا، بل إنها موجودة في الشرق والجنوب، وهذا ما اعتمدت عليه الخارجية الأميركية، خلال اجتماعها الأخير مع باشاغا والسفير الأميركي في ليبيا، وقيادة (أفريكوم)، حيث أكدت الخارجية أن الوفد الأميركي سيعقد محادثات مع ممثلي (الجيش الوطني) حول القضية ذاتها، أي تفكيك الميليشيات».
ويرى البكوش أن التعامل الأمثل مع قضية الميليشيات «لن يتحقق إلا في ظل حل سياسي موثوق به وعادل لجميع الأطراف، في ظل عملية أوسع تختص بإصلاح القطاع الأمني بالكامل وهو يتضمن الجيش والشرطة والمخابرات والميليشيات». وقال البكوش، إن الاهتمام الأميركي المتزايد بقضية تفكيك الميليشيات تواكب مع التوجه الأميركي إلى الحل السياسي في ليبيا سعياً «لإنهاء التواجد الروسي على الأرض».
في السياق ذاته، رأى أحمد كامل البحيري، الباحث والخبير بالوحدة الأمنية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك عقبات عدة، تعترض طريق تفكيك الميليشيات، متسائلاً «هل سيتم السماح للميليشيات التي تضم بشكل كلي أو جزئي عناصر من (القاعدة) أو (السلفية الجهادية) بالانضمام للمؤسسات الأمنية والعسكرية الوطنية»؟ وزاد البحيري «ثم ما هو المقصود بالحديث عن الميليشيات الموجودة بالشرق الليبي، هل سيتم النظر والمساواة بين (الجيش الوطني) وبين الميليشيات المسلحة الموجودة بالغرب والعاصمة طرابلس؟» هذه النقطة لم يتم توضيحها من الجانب الأميركي خلال اجتماعهم الأخير.
ويرى الباحث المصري، أن الحديث عن تصنيف الميليشيات بين منضبطة وخارجة عن القانون يوحي بأنه قد يعتمد على تصنيف اللائحة الأميركية للإرهاب والتي تضم مثلاً تنظيمات «القاعدة في بلاد المغرب» و«جماعة المرابطين»، لكنها لا تضم على سبيل المثال ميليشيات «ثوار طرابلس» والتي تضم مقاتلين وعناصر مسلحة إرهابية معروفة، وبالتالي قد يتم تصنيف تلك الميليشيات الأخيرة بكونها ميليشيات منضبطة ويتم السماح بدمجها بالمؤسسات الرسمية خاصة في ظل عدم توافر الرقابة الكافية على حكومة «الوفاق».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.