النرويجية هانه أورستافيك تكشف تناقضات واقعها في «حب»

الرواية تُرجمت لأكثر من 18 لغة أجنبية وأخيراً للعربية

النرويجية هانه أورستافيك تكشف تناقضات واقعها في «حب»
TT

النرويجية هانه أورستافيك تكشف تناقضات واقعها في «حب»

النرويجية هانه أورستافيك تكشف تناقضات واقعها في «حب»

عن مخاطر الاطمئنان للآخرين، والتسليم للمشاعر الفائرة أمام الغرباء، وأوهام الحياة السعيدة تحت مظلة علاقات طارئة تنشأ دون أساس يدعم نجاحها، تدور رواية «حب» للكاتبة النرويجية هانه أورستافيك، متخذة من أحد البلدان شمال النرويج مسرحاً لها.
صدرت النسخة العربية للرواية ضمن مطبوعات «دار صفصافة»، بترجمة شيرين عبد الوهاب، وسها السباعي، وتقع أحداثها في ليلة واحدة. بطلة الرواية «فيبيكة» تعمل مستشاراً ثقافياً في أحد المراكز التابعة لإحدى المحافظات، وتعيش بمفردها مع طفلها الوحيد «يوون»، وهي تعاني من الوحدة وتفتقد للحب، وحين تلتقي «توم» عامل الملاهي تظن أنها عثرت عليه، لكنها بعد أن تقضي ليلتها في صحبته، تدرك أنها كانت تعيش وهماً كبيراً، وأنها أوقعت نفسها في مأزق، لأنها لم تفصل بين ما تقرأه في الكتب والروايات، وبين ما تعيشه في الواقع وما ينشأ عنه من مصاعب وأزمات.
ترصد الرواية، تحركات «فيبيكة» منذ تسلمت عملها للتو في المدينة، ولم تتعرف بعد على زملائها، ولم ترتبط بعلاقات معهم، ولا مع غيرهم من جيرانها، لكنها وقبيل صبيحة اليوم الذي يواكب العيد السابع لميلاد ابنها «يوون»، تقرر في وقت متأخر، زيارة المكتبة للحصول على كتب تستغرق في عوالمها، «كانت تشعر بالحاجة لكتاب جيد، كتاب ضخم، من ذلك النوع من الكتب الذي يبدو قوياً وأكثر واقعية من الحياة نفسها»، وقالت لنفسها «أنا أستحق ذلك، بعد جهدي في العمل».
تركت «فيبيكة» منزلها قبل حلول الظلام، دون أن تتأكد ما إذا كان طفلها الوحيد نائماً في سريره، أم لا، أما هو فقد تسلل عبر الباب، واتجه إلى منطقة يتراكم فيها الجليد، وهناك صادف فتاتين ترقصان، ومن لحظة خروج كل من «فيبيكة» و«يوون»، يبدأ توتر الأحداث وتقاطعها، فبعد أن وجدت المرأة المكتبة مغلقة قررت قضاء باقي ساعات الليل بصحبة شخص يدعى «توم» يعمل بمدينة ملاهي متجولة بين البلدان، قبلت دعوته على العشاء، وفي مقطورته المجهزة للمعيشة والتنقل من مكان لآخر، رأت بعد أن لعب الخمر برأسيهما أن مجاراته في لحظات حب سريعة لا تليق بها، فما كان منه إلا أن دعاها للسهر في أحد الأماكن البعيدة عن منزلها، اقترح عليها أن تترك سيارتها في مكانها، وأن يصطحبها بسيارته، إلى بار يقع خارج المدينة، وهناك ظلا حتى موعد إغلاق البار، وحين عادت لبيتها دون سيارتها دخلت غرفتها ونامت من شدة الإرهاق، فيما كان طفلها هو الآخر يستقل سيارة بصحبة سيدة غريبة الأطوار، تعمل هي الأخرى في الملاهي، وعندما عاد لم يجد سيارة والدته في مكانها، ولم يكن معه مفتاح ليدخل المنزل، وعبثاً يدق الباب فجلس يعاني البرد القارص خارج الدار فيما تأكل المخاوف روحه خشية أن يكون قد أصاب أمه مكروه.
ويصف الراوي الطفل بأنه يعاني من اضطراب يجعله لا يتحكم في حركة رموش عينيه، وقد فرض عليه أسلوب والدته التي تعيش في الكتب، أن يرقد وحيداً طوال وقته في غرفته بين مجلاته وألعابه، أما هي فتظل جالسة، تضع كتاباً مفتوحاً في حجرها، وتلقي برأسها إلى الخلف مغمضة العينين، تتخيل وجوه زملائها أمامها، والناس وهم يمرون على مكتبها، وتفكر إلى أي درجة صار المكان جميلاً.
تحاول المؤلفة إبراز ملامح التناقض الذي تسعى «فيبيكة»، بقبولها مصاحبة «توم»، والقفز عليه وتجاوزه، حيث تضع عالم مدينة الملاهي والعاملين فيها، في مواجهة مع الذين يعيشون في خيالاتهم مع الكتب والروايات، وهي مواجهة يخسرها الجميع، لأنهم لا يلتقون أبداً، على أرضية مشتركة، وإن التقوا يستهلك كل واحد منهم مشاعر الآخر، وهو ما يظهر واضحاً في المشهد الذي جمع بين «فيبيكة» و«توم» في السيارة.
وتظهر الشخصيات في الرواية، التي تمت ترجمتها لأكثر من 18 لغة أجنبية، كأنها كائنات تعيش على حافة الطموحات والمشاعر والأحاسيس، التي لا تتحقق أبداً، ينتظرون دائماً من يدفعهم في اتجاه اكتمالها، ففي طريق «توم» مع بطلة الرواية صوب البار. يقول الراوي الذي يسيطر على حركة السرد: «يبدو الأمر كما لو كان يريد أن يطلب منها شيئاً، ولكنها لا تستطيع معرفته، تبتسم لتجعله يشعر بالراحة، وتتمنى لو كان أكثر وضوحاً، فهي تحب أن يكون الناس مباشرين بشأن ما يدور في أذهانهم».
ولا يتوقف الأمر بالنسبة للكاتبة عند حدود المشاعر فحسب، لكنها تركز على وعي الناس المشوه، تقول على لسان «فيبيكة»، وهي تقارن بين عالمها الذي تعرفه وعالم الملاهي: «سوف يتحدث الناس عن مدينة الملاهي غداً، تلك فكرتهم عن الثقافة، هذا ما يريدونه، ولكن متى كانت آخر مرة أقيمت فيها حفلة لموسيقى الجاز في الكنيسة أو آخر قراءة لمؤلِف في المكتبة».
وخلال تصاعد الأحداث تلجأ الكاتبة لتقنية الحلم كنوع من التنفيس عن رغبات أبطالها وشخصيات روايتها، وطموحاتهم المبتورة التي تحاول التعبير عن نفسها، فالطفل الذي يفتقد للصحبة والأصدقاء «يحلم أنه يلعب كرة السلة مع بعض أصدقائه، حيث الجو مشمس ودافئ، ويسجل عدداً من الأهداف، أما الأم التي تحتاج للحب، فتحلم أن رجلاً يقول لها تبدين فاتنة، عبر الرجل أحد الأبواب ولمحها وهمس، عندها شعرت بالسعادة ومالت إلى الأمام لتعانقه، فقبَّلها بنعومة على وجنتها، ثم استدار ورحل عبر باب دوَّار، أما هي فقد وقفت هناك للحظة، نظرت لنفسها في المرآة، وكانت مبتسمة، وسعيدة». لكن الأحلام لا تعبر عن الطموحات والرغبات لديها فقط، فدائماً تختلط بالمخاوف والشعور بالوحدة، محاولة تلافيها، ربما بالقراءة والانغماس في أجواء الكتب والروايات، حتى أنها تحلم بما سوف تراه في الواقع، فحين تلتقي «توم»، يقول لها إنه معجب بشعرها، وتبدأ معه رحلة ترى فيها واقعياً الكثير مما حلمت به، سواء في مسكنه بالمدينة أو في البار.
وتُسَيّر المؤلفة حركة السرد في مسارين متوازيين بين «فيبيكة» وطفلها «يوون»، ففي اللحظة التي تقرر فيها والدته الخروج للمكتبة، يسبقها هو إلى خارج المنزل، ويذهب إلى مركز القرية، وهناك يصادف فتاتين تتزلجان، على الطريق، تأخذه واحدة منهما إلى منزلها، وفي غرفتها ينام، ويحلم أنه يتجه إلى البيت بصحبة والدته، «عندما يصلان يجدان أن باب المنزل مفتوح، وأن هناك رجلاً يرتدي ملابس المطبخ ويأكل، ويتبين أنه والده، كان وهو يمضغ الطعام، يحكي قصصاً حزينة عن حياته فيجعله يبكي».
هكذا ينمو السرد بحرفية بالغة، حيث تضع المؤلفة لبنة هنا وأخرى هناك، وهي تتابع ما تقوم به الأم وما يفعله الطفل، كل في مساره، بينما يتصاعد الحدث بينهما بشكل متزامن، ثم تتداخل الأصوات والتفاصيل في مقاطع مكثفة تجمع بينهما، وتكشف ما يشعران به، وتحدد حركة كل منهما واتجاهاته.
وهكذا تظل الأحداث تتصاعد في مقاطع متواصلة بلا فواصل منذ بداية الرواية حتى نهايتها، ثمة مشاعر ترصد برهافة، كأنها مرآة لأحاسيس أبطالها وهم يصطدمون بالواقع، وتعقيداته وركامه وثلوجه وبرودة أجوائه التي تحيط بهم في كل مكان، فيما تترك الكاتبة النهاية مفتوحة على عديد من الاحتمالات.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».