بالوتيلي... ضحية لون بشرته أم ضحية نفسه؟

عاد المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيلي لإثارة المشاكل مرة أخرى خلال الأيام الماضية. وكان بالوتيلي قد سُمح له للتو بالعودة للمشاركة في تدريبات نادي بريشيا، بعد الابتعاد عن التدريبات لستة أيام بسبب إصابته بالتهاب في المعدة والأمعاء. وكان من المقرر أن يخضع اللاعب لحصتين من التدريبات الفردية، لكنه غادر مقر النادي بعد الانتهاء من الحصة الأولى، بعد أن عانى من انتكاسة واضحة. ونشر اللاعب منشورا مقتضبا على إنستغرام قال فيه كلمة واحدة هي «مريض».
وقبل ذلك بساعات، نشر اللاعب مقطع فيديو لنفسه على إنستغرام أيضا، وهو لا يزال يتصبب عرقا من جلسة التدريب الصباحية، وقال: «توقفوا عن التساؤل عما إذا كنت سأذهب للتدريبات أم لا. سأتدرب أيها الرجال، وأنا دائما ما أتدرب». بالوتيلي لم يتدرب مع زملائه منذ أوائل مارس (آذار) الماضي. وعندما حصلت أندية الدوري الإيطالي الممتاز على الضوء الأخضر لاستئناف التدريبات الشهر الماضي، كان بالوتيلي غائباً بشكل ملحوظ عن تدريبات نادي بريشيا.
ولمعرفة من المسؤول عن عدم حضور بالوتيلي للتدريبات قد ينتهي الأمر باللجوء إلى القضاء. وقد بدأ مالك النادي، ماسيمو تشيلينو بالفعل اتخاذ إجراءات خلال الشهر الجاري لإنهاء تعاقد النادي مع اللاعب، وهي خطوة غريبة بعض الشيء نظرا لأن عقد اللاعب سينتهي بالفعل خلال الصيف الجاري.
ولم يتحدث بالوتيلي بشكل مباشر حول هذه المسألة، لكن مشاركاته على وسائل التواصل الاجتماعي وتفاعلاته القصيرة مع الصحافة تشير إلى أنه يشعر بأنه مُستبعد من الفريق بشكل غير عادل. وبعد إصابته الأولى بالتهاب في المعدة والأمعاء، سعى بالوتيلي لاستئناف التدريبات في مقر التدريب بالنادي في التاسع من يونيو (حزيران)، لكن لم يسمح له بالدخول وتم إبعاده عند بوابات النادي - على ما يبدو لأنه لم يخبر النادي بتعافيه في وقت مبكر بما فيه الكفاية. وهو في طريق عودته إلى سيارته، سُمع وهو يقول: «ثم يقولون إنني لا أتدرب»!
وهناك خيوط أخرى في هذا النزاع، حيث كان بالوتيلي قد اتخذ إجراءات قانونية ضد بريشيا بسبب عدم حصوله على راتبه منذ شهر مارس الماضي. واتهم وكيل أعماله، مينو رايولا، النادي بالفشل في إخضاع بالوتيلي للاختبار الإلزامي للكشف عن الإصابة بفيروس «كورونا». لكن نادي بريشيا وصف هذه الادعاءات في وقت لاحق بأنها «كذب وافتراء»، محذراً من أن الفريق القانوني بالنادي قد تلقى تعليمات بمتابعة القضية في الجهات ذات الصلة.
لكن كيف وصل الأمر إلى هذا الحد؟ كان من المفترض أن يكون انتقال بالوتيلي إلى بريشيا بمثابة عودة مُظفرة من قبل لاعب موهوب - رغم أنه لم يستغل أبدا القدرات والإمكانيات الهائلة التي يمتلكها - للمكان الذي نشأ به، من أجل أن يدافع عن ألوان النادي الذي كان يجمع الكرات من خلف مرماه وهو طفل صغير. وصعد نادي بريشيا إلى الدوري الإيطالي الممتاز بعد ثماني سنوات من الابتعاد عن دوري الأضواء والشهرة، وكان النادي يمني النفس بأن يحرز بالوتيلي الأهداف التي تساعده على البقاء بين الكبار.
ويعد بالوتيلي بالفعل هو هداف النادي خلال الموسم الجاري برصيد خمسة أهداف، لكن إحراز هذا العدد القليل من الأهداف في 19 مباراة لم يكن كافيا لمساعدة النادي على الابتعاد عن شبح الهبوط. وكما كان الحال دائما في المحطات السابقة للاعب المثير للجدل، لم يتألق بالوتيلي إلا على فترات متباعدة، حيث سجل هدفين رائعين في مرمى فيرونا ولاتسيو، لكنه فشل في ترك بصمة واضحة في باقي المباريات.
وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل كانت التوقعات بشأن ما يمكن أن يقدمه بالوتيلي غير واقعية دائماً؟ ولا يفتقر نادي بريشيا للمواهب، حيث يضم النادي اللاعب الموهوب ساندرو تونالي البالغ من العمر 20 عاما والذي يعد من أبرز المواهب الكروية الصاعدة في إيطاليا، لكن النادي يفتقر إلى القوة التي تمكنه من المنافسة في هذا المستوى. كما أن صبر تشيلينو قد بدأ ينفد، وهو ما زاد الأمور سوءا، حيث أقال تشيلينو المدير الفني السابق أوجينيو كوريني من قيادة الفريق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وعين بدلا منه فابيو غروسو لثلاث مباريات فقط، قبل أن يعيد كوريني مرة أخرى. وأقيل كوريني من منصبه مرة أخرى في فبراير (شباط) الماضي، ليحل محله هذه المرة لوبيز.
ومن المعروف أنه ليس من السهل على أي لاعب التكيف باستمرار مع مديرين فنيين مختلفين بأفكار مختلفة فيما يتعلق بالخطط التكتيكية وفيما يتعلق بطريقة معاملة كل منهم للاعبين، والدليل على ذلك أن غروسو قد استبعد بالوتيلي من إحدى الحصص التدريبية واستبعده من رحلة إلى روما، في حين منحه لوبيز شارة قيادة الفريق. وعلاوة على كل ذلك، وجد بالوتيلي نفسه في مركز الصراع المستمر لكرة القدم الإيطالية مع العنصرية، حيث تعرض اللاعب لصافرات الاستهجان وتقليد أصوات القرود خلال المباراة التي خسرها بريشيا ضد فيرونا، ورد بالوتيلي على ذلك بتسديد الكرة تجاه من يسيء إليه. لكن المثير للسخرية أن المدير الفني لفيرونا، إيفان جوريتش، ورئيس النادي، ماوريسيو سيتي، أصرا على عدم وقوع أي انتهاكات عنصرية!
وقد أكد مراقبون مستقلون تعرض بالوتيلي لهتافات عنصرية في تلك المباراة، لكن حتى العقوبة التي كانت مفروضة على النادي بخوض عدد من مبارياته وسط إغلاق جزئي لمدرجات الملعب تم قبول الاستئناف عليها وتم إيقاف تنفيذ العقوبة! ومنع نادي فيرونا أحد مشجعيه من حضور مباريات الفريق بعد أن صرح لمحطة إذاعية محلية بأنه يعتقد أن بالوتيلي لا يمكن أن يكون «إيطالياً بالكامل». وحتى على ملعب بريشيا نفسه، تعرض بالوتيلي لمضايقات عنصرية، حيث توقفت مباراة الفريق أمام لاتسيو، وناشد المدير الفني للفريق الضيف، سيموني إنزاغي، المشجعين بالتوقف عن ترديد هتافات عنصرية ضد اللاعب.
ثم جاءت تصريحات تشيلينو في نوفمبر الماضي، فعندما سئل مالك النادي عن قرار غروسو باستبعاد بالوتيلي رد قائلا: «ماذا يمكنني أن أقول؟ هل أقول إنه شخص أسود ويعمل على تبييض بشرته لكنه يواجه صعوبات كبيرة في ذلك»! وقد دافع البعض عن تصريحات تشيلينو، وزعموا أن كلمة «نيرو» التي تعني بالإيطالية «أسود» تُستخدم أحياناً للتعبير عن الغضب - لكن تشيلينو رفض حتى الإشارة إلى أن تصريحاته ربما يكون قد أسيء فهمها! ومع كل ذلك، لا يزال أمام بالوتيلي بعض الوقت لكي يكتب فصولا أكثر سعادة في مسيرته الكروية. وقال لوبيز عن ذلك «إنه لا يزال في الثلاثين من عمره فقط، وليس في الأربعين. إنه يمتلك مصيره بيديه، لكنه يحتاج إلى العمل بعقلية مختلفة».
وكان مدرب منتخب إيطاليا روبرتو مانشيني حث بالوتيلي على «الاستيقاظ» قبل أن يدمّر مسيرته الاحترافية. وقال مانشيني في حديث تلفزيوني: «قلت له ألف مرة إنه يهدر موهبة كبيرة. أحببت ماريو مذ كان صغيرا وقام بأمور رائعة. لديه بنية جسدية خارقة، سرعة، تقنية، وبعمر الثلاثين لا يزال في منتصف مسيرته».
وتابع «آمل أنه يستيقظ في يوم من الأيام ويتغيّر». وأعاد مانشيني استدعاء بالوتيلي إلى تشكيلة المنتخب الأزرق عندما تولى منصبه في مايو (أيار) 2018. وذلك بعد نجاحهما سويا مع مانشستر سيتي الإنجليزي وإنتر ميلان الإيطالي.