اغتيالات جديدة جنوب سوريا وسط صراع خفي بين روسيا وإيران

TT

اغتيالات جديدة جنوب سوريا وسط صراع خفي بين روسيا وإيران

شهد ريف درعا جنوب سوريا عملية اغتيال جديدة لأحد عناصر «الفيلق الخامس» المدعوم من روسيا، ما رفع إلى 525 عدد الذين قتلوا أو اغتيلوا خلال سنة، كان بينهم 56 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا «تسويات ومصالحات»، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية، من بينهم قادة سابقون، و19 من الميليشيات السورية التابعة لـ«حزب الله» اللبناني والقوات الإيرانية، بالإضافة إلى 17 مما يُعرف بـ«الفيلق الخامس».
وبعد مرور سنتين على عودة قوات النظام السوري إلى درعا في جنوب البلاد، عادت إلى الواجهة في المحافظة حالة من الانفلات الأمني، ما بين عمليات اغتيال واستهدافات وتفجيرات وخطف... وما إلى ذلك، بينما يستمر نزف الدم الذي لا تزال تتجرع درعا وأهلها مرارته منذ يونيو (حزيران) 2019، حسب تقرير لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وقال: «تفاقمت الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار في درعا، بسبب رغبة النظام في الانتشار العسكري، وإحكام قبضته على جميع مناطق محافظة درعا، بعد استعادتها من الفصائل المعارضة؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى دائرة من العنف، بينما تم إبرام اتفاق تسوية الوضع 2018 مع الفصائل التي رفضت التهجير، بضمانة روسية، والذي يقضي بتسليم أسلحتهم الثقيلة مقابل ضمان عدم اعتقالهم، وتأجيل التحاق المتخلفين منهم عن الخدمة العسكرية الإلزامية، في الوقت الذي عُرض عليهم التجنيد ضمن المجموعات المسلحة الموالية للنظام أو لروسيا أو لإيران».
ولا تتوقف مظاهر الانفلات الأمني والاضطرابات في درعا؛ حيث عادت المظاهرات بشكل متصاعد في الآونة الأخيرة؛ إذ حصلت في 16 من الشهر الحالي مظاهرة في مدينة طفس غرب درعا، لـ«المطالبة بإسقاط النظام، وطرد الميليشيات الإيرانية من الأراضي السورية». ورصد «المرصد السوري» مظاهرتين: الأولى في درعا البلد، والثانية في بلدة الجيزة، للمطالبة بـ«إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وإسقاط النظام السوري، والإفراج عن المعتقلين الذين يقبعون في أقبيته».
وفيما يتعلق بالانفلات الأمني والفوضى، أشار «المرصد» إلى انتشار عمليات خطف الأطفال والبالغين من قبل مجهولين بشكل كبير جداً خلال الشهرين الماضيين، فقد تعرض طفل للاختطاف على الطريق الواصلة بين بلدتي الغارية الشرقية والمسيفرة. وفي مطلع مايو (أيار) الماضي، اختطف 9 ضباط شرطة على يد مسلحين مجهولين وجرى قتلهم، بينما اعتقلت «استخبارات النظام» قيادياً سابقاً لدى الفصائل في مدينة جاسم، ممن رفضوا إجراء «تسوية ومصالحة».
ومنذ يونيو 2019، سجل «المرصد» ارتفاعاً في أعداد الهجمات ومحاولات الاغتيال التي نفذت بأشكال عدة، عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار من قبل خلايا مسلحة، والتي وصلت إلى أكثر من 529 عملية اغتيال، بينما وصل عدد الذين قتلوا إثر تلك العمليات خلال الفترة ذاتها إلى 345 شخصاً.
- صراع خفي
تتصاعد الصراعات بين الأطياف المختلفة للمعارضة والنظام، إلى جانب التنافس الدولي الذي يمثله الوجود الروسي والإيراني في المنطقة؛ حيث رصد «المرصد» صراعاً خفياً بين «الفيلق الخامس» التابع لروسيا و«الفرقة الرابعة» المقربة من إيران. ويتمثل هذا الصراع في المحاولات المستمرة من جانب كل منهما لفرض نفوذه الكامل على المحافظة، فبعد أن ثبتت قوات «الفيلق الخامس» نفوذها على الأرض، عادت «الفرقة الرابعة» إلى الساحة مؤخراً.
وذكرت مصادر أن «الفرقة الرابعة» تسعى لاستقطاب الرجال والشباب، لا سيما المقاتلين السابقين لدى الفصائل، مقابل رواتب شهرية مغرية وامتيازات مادية أخرى، واستطاعت مؤخراً استقطاب دفعة تضم عشرات للزج بهم على الحواجز، بعد إخضاعهم لدورات عسكرية بريف درعا الغربي. وفي المقابل، لا تزال كفة الروس راجحة عبر «الفيلق» الذي يضم مقاتلين سابقين لدى الفصائل ممن رفضوا التهجير إلى إدلب على الحدود التركية، وأبرموا المصالحة وخضعوا للتسوية مع النظام، مما ينبئ بمزيد من التوترات في المحافظة وضواحيها؛ خصوصاً مع استمرار استهداف القوات الموالية للنظام فيها.
ولا يزال التصعيد مستمراً، لا سيما «في ظل الغياب الروسي شبه الكامل عن تسيير دوريات في تلك المناطق، أو حتى المناطق التي يتكفلون بها بعيداً عن النظام، مثل طفس والصنمين، طبقاً للمصالحة والتسوية، إضافة إلى زيادة معدلات الاغتيالات والتفجيرات والاختطاف والعصيان المدني، وعدم خضوع كافة الأهالي في مناطق درعا لإجراءات التسوية»، حسب «المرصد».
وتتعدد أسباب العنف في محافظة درعا والمناطق التابعة لها؛ حيث لجأت كل من روسيا وإيران إلى إنشاء قوات تابعة لها في جنوب سوريا، على الحدود مع الأردن والجولان السوري المحتل، في ظل تنافس غير مباشر بينهما على النفوذ في المنطقة، مما يفاقم حالة انعدام الأمن، حسب «المرصد». وقال: «إخلال النظام باتفاقات المصالحة والتسوية مع فصائل المعارضة من بين أسباب استمرار العنف والانفلات الأمني، ناهيك عن فشل موسكو التي قدمت ضمانات في تلك الاتفاقات، في لعب دور الوسيط بين كل من دمشق وفصائل التسوية، لمحاولة رأب الصدع ورأب الخلافات بينهما».
ومن بين أسباب التدهور الأمني، استمرار الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية، ناهيك عن الخناق الاقتصادي المفروض على مناطق النظام بفعل عقوبات «قانون قيصر» الأميركي. وخرج أهالي المحافظة في غير مرة للاحتجاج على الأوضاع المعيشية.
وحذر «المرصد» من أن تفاقم الصراعات في ظل المصالح المتشابكة بين القوى المتضادة والمتنافسة في المحافظة بمناطقها المختلفة «سيزيد من الانفلات وعدم الاستقرار، نظراً لعدم وفاء النظام بالتزاماته تجاه مواطني درعا، إضافة إلى سعيه للاستقواء بالقوى الخارجية في خلافاته مع القوى المحلية (فصائل التسوية)، إلى جانب تعامله مع التوترات في مناطق نفوذه بعقلية أمنية قديمة وترسيخ الوجود الأجنبي» جنوب سوريا.



مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
TT

مخابز خيرية في صنعاء تتعرض لحملة تعسف حوثية

يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)
يمنيون يتجمعون أمام مخبز في صنعاء للحصول على أرغفة مجانية (الشرق الأوسط)

استهلت جماعة الحوثيين شهر رمضان بتنفيذ حملات تعسف ضد أفران الخبز الخيرية بالعاصمة المختطفة صنعاء، وذلك في سياق إعاقتها المتكررة للأعمال الإنسانية والخيرية الرامية للتخفيف من حدة معاناة اليمنيين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وتحدثت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن بدء مشرفين حوثيين برفقة مسلحين يتبعون ما تسمى «هيئة الزكاة الحوثية» تنفيذ حملات دهم بحق مخابز خيرية تتبع مبادرات تطوعية ومؤسسات خيرية ورجال أعمال في مديريات متفرقة بصنعاء، لإرغام العاملين فيها على دفع إتاوات، أو تعرضها للإغلاق والمصادرة.

وأكدت المصادر أن الحملة المباغتة استهدفت في أول يوم من انطلاقها 14 مخبزاً خيرياً في أحياء بيت معياد وبير عبيد والجرداء والقلفان والسنينة ومذبح بمديريتي السبعين ومعين بصنعاء، وأسفرت عن إغلاق 4 مخابز منها لرفضها دفع إتاوات، بينما فرضت على البقية دفع مبالغ مالية يتم توريدها إلى حسابات ما تسمى «هيئة الزكاة».

اتساع رقعة الجوع يجبر آلاف اليمنيين للاعتماد على المبادرات الإنسانية (أ.ف.ب)

وأثار الاستهداف الحوثي موجة غضب واسعة في أوساط السكان والناشطين في صنعاء، الذين أبدوا استنكارهم الشديد لقيام الجماعة بابتزاز المخابز الخيرية، رغم أنها مُخصصة للعمل التطوعي والخيري، وإشباع جوع مئات الأسر المتعففة.

استهداف للفقراء

واشتكى عاملون في مخابز خيرية طاولها استهداف الحوثيين في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، من تكثيف حملات التعسف ضد المخابز التي يعملون فيها، وأكدوا أن الحملة التي شنتها الجماعة أجبرتهم على دفع إتاوات، بينما هددت أخرى بالإغلاق حال عدم الاستجابة لأوامرها.

واتهم العاملون الجماعة الحوثية بأنها تهدف من خلال حملات التعسف لتضييق الخناق على فاعلي الخير والمؤسسات والمبادرات التطوعية الإنسانية والخيرية بغية منعهم من تقديم أي دعم للفقراء الذين تعج بهم المدن كافة التي تحت قبضتها.

امرأة في صنعاء تبحث في برميل القمامة عن علب البلاستيك لجمعها وبيعها (الشرق الأوسط)

ويزعم الانقلابيون الحوثيون أن حملتهم تستهدف الأفران التي تقوم بتوزيع الخبز خلال رمضان للفقراء بطريقة تصفها الجماعة بـ«المخالفة»، ودون الحصول على الإذن المسبق من «هيئة الزكاة»، والمجلس الأعلى للشؤون الإنسانية التابع لها، والمخول بالتحكم في المساعدات.

وبينما حذرت مصادر إغاثية من مغبة استمرار الاستهداف الحوثي للمخابز الخيرية لما له من تأثير مباشر على حياة ومعيشة مئات الأسر الفقيرة، اشتكت عائلات فقيرة في صنعاء من حرمانها من الحصول على الخبز نتيجة حملات التعسف الأخيرة بحق الأفران.

وتؤكد المصادر الإغاثية أن التعسف الحوثي يستهدف الفقراء والمحتاجين في عموم مناطق سيطرة الجماعة من خلال مواصلة انتهاج سياسات الإفقار والتجويع المتعمدة، والسعي إلى اختلاق مبررات تهدف إلى حرمانهم من الحصول على أي معونات غذائية أو نقدية.

نقص الغذاء

ويتزامن هذا الاستهداف الانقلابي مع تحذيرات دولية حديثة من نقص الغذاء في اليمن حتى منتصف العام الحالي.

وفي تقرير حديث لها، نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز حقيقي في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء.

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

ولفتت الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة إلى أن مجموعة من المناطق تحت سيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

واعتاد الانقلابيون الحوثيون منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب، على استخدام مختلف الأساليب والطرق لتضييق الخناق على الجمعيات والمبادرات المجتمعية الإنسانية والخيرية، بغية حرمان اليمنيين من الحصول على أي مساعدات قد تبقيهم على قيد الحياة.