«لقاء بعبدا» يعدّ الأزمة الحالية أخطر من الحرب... ودعوات لعودة لبنان إلى سياسة «النأي بالنفس»

عون ينتقد «وضع العصي في الدواليب»... ودياب يقرّ بأن «البلد ليس بخير»

«اللقاء الوطني» الذي ترأسه عون أمس (دالاتي ونهرا)
«اللقاء الوطني» الذي ترأسه عون أمس (دالاتي ونهرا)
TT

«لقاء بعبدا» يعدّ الأزمة الحالية أخطر من الحرب... ودعوات لعودة لبنان إلى سياسة «النأي بالنفس»

«اللقاء الوطني» الذي ترأسه عون أمس (دالاتي ونهرا)
«اللقاء الوطني» الذي ترأسه عون أمس (دالاتي ونهرا)

لم يخلُ «اللقاء الوطني» الذي عُقد في قصر بعبدا أمس، من انقسامات بين صفوف الحاضرين حول قضايا جوهرية؛ أبرزها طرح مسألة «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة من خلال الدعوة إلى «العودة الفورية» إلى «إعلان بعبدا». ولم يختلف الحاضرون على أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية ومعيشية «أخطر من الحرب»، حسبما ورد في البيان الختامي الذي لم يوافق عليه الرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان، كما خرج رئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط من الجلسة قبل تلاوته، بعدما قدّم مذكرة مقدمة من «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«اللقاء الديمقراطي» تشمل جميع «العناوين الأساسية التي لا بد من مقاربتها للخروج بحلول حقيقية للأزمة الراهنة».
وفي غياب أركان المعارضة المسيحية، الرئيس الأسبق أمين الجميل وحزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» و«تيار المردة»، وبمقاطعة رؤساء الحكومات السابقين وكتلة «المستقبل»، افتتح الرئيس اللبناني ميشال عون اللقاء قائلاً إن الدعوة إليه تنطلق من التفلت الأمني والتوتر الطائفي والمذهبي «غير المسبوق، وشحن النفوس، والعودة إلى لغة الحرب البائدة التي دفع لبنان ثمنها غالياً في الماضي»، وذلك «لوضع حد نهائي لهذا الانزلاق الأمني الخطير».
وإذ تحدث عن الأزمة الاقتصادية والمعيشية؛ أكد أن الإنقاذ غير ممكن «إذا ظل البعض مستسهلاً العبث بالأمن والشارع، وتجييش العواطف الطائفية والمذهبية، ووضع العصي في الدواليب، والتناغم مع بعض الأطراف الخارجية الساعية إلى جعل لبنان ساحة لتصفية الحسابات، وتحقيق المكاسب، عبر تجويع الناس، وترويعهم، وخنقهم اقتصادياً».
وقال عون: «أمام التحديات المصيرية التي يعيشها لبنان، وفي ظل الغليان الإقليمي والأمواج العاتية التي تضرب شواطئنا، والمخاطر التي قد تنشأ عما يعرف بـ(قانون قيصر)، فإن الوحدة حول الخيارات المصيرية ضرورة. وما هدفنا اليوم من هذا الاجتماع إلا تعزيز هذه الوحدة ومنع الانفلات».
وركز رئيس مجلس النواب نبيه بري في مداخلته على أهمية الوضع الاقتصادي، مشيراً إلى أنه لا يمكن فصل الاقتصاد عن السياسة. وعدّ بري أنه على الحكومة في المرحلة المقبلة أن تركز على الإصلاحات. وأيد دعوة الوزير السابق جبران باسيل إلى ضرورة الوصول إلى الدولة المدنية التي عدّ أنها ليست ضد الدستور، بل يمكن من خلال «دستور الطائف» تطوير الأوضاع للوصول إلى الدولة المدنية. كما أيد بري ما قاله رئيس الجمهورية حول الاستقرار الأمني والسلم الأهلي.
بدوره؛ قال رئيس الحكومة حسان دياب إن «البلد ليس بخير»، من غير أن ينفي أن الجوع يداهم المواطنين. وقال: «العلاج هو مسؤولية وطنية، وليس فقط مسؤولية حكومة جاءت على أنقاض الأزمة، وتمكنت من تخفيف الوطأة على الاحتياطي واحتواء تداعياته»، وأضاف أن هذه الحكومة «جاءت لتكشف بجرأة وشفافية أرقام الخسائر المالية المتراكمة في سياق خطة مالية إنقاذية هي الأولى في تاريخ لبنان».
ولفت إلى «أننا نمر في مرحلة مصيرية من تاريخ لبنان، وهي تحتاج منا إلى تضافر الجهود، وتقديم مصلحة البلد، وتعويم منطق الدولة، كي نتمكن من تخفيف حجم الأضرار التي قد تكون كارثية».
وأعاد سليمان طرح ملف «إعلان بعبدا» الذي تم إعلانه في يونيو (حزيران) 2012 خلال ولايته الرئاسية، ويتركز حول «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة، داعياً إلى تبنيه في هذه الظروف. وقال في مداخلته إن «حزب الله» ‎ نقض الاتفاق؛ «ما حال دون تنفيذ تعهدات الدولة وتسبب بعزلتها القاتلة، وبفقدان مصداقيتها وثقة الدول الصديقة وأهلنا في الانتشار والمستثمرين اللبنانيين والأجانب والمودعين والسياح بحكوماتها، ما ساهم في تراجع العملة الوطنية».
وأعلن سليمان بعد انتهاء «اللقاء الوطني» أن «لب مطالبتي يكمن بالعودة إلى (إعلان بعبدا) وأنا معترض على بيان حوار اليوم (أمس)». وأكد أنه «لا حل على المستوى الاقتصادي والأمني، إلا بالعودة إلى (إعلان بعبدا)، ولا أحد يريد أي مشكل أمني جديد في البلاد».
وكان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل هاجم خصومه الذين قاطعوا الجلسة، وعدّ أن «من يعتقد أنّه برفضه حواراً، يعرّي حكومة أو عهداً أو مجموعة، إنمّا يعرّي لبنان من جوهر وجوده، خصوصاً إذا كان هدف الحوار منع الفتنة، من خلال الاتفاق على وقف التحريض الطائفي ووقف التلاعب بالأمن، ومن يرفض الحوار إنما يدل على نواياه بتعطيل الإنقاذ».
وكان النائب جنبلاط تحدث داخل الجلسة قبيل مغادرته، قائلاً: «لقد وضعنا تصوراتنا للإنقاذ في وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية معيشية فيها رؤيتنا للمبادئ الأساسية التي من الضروري التركيز عليها؛ ومنها الحفاظ على (اتفاق الطائف) وعروبة ووحدة لبنان ضد كل المحاولات الداخلية والخارجية لتقسيمه. ومن الضروري أيضاً التركيز على المعالجات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤمن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة».

- البيان الختامي
وفي ختام «اللقاء»، صدر بيان تلاه الوزير السابق سليم جريصاتي، دعا «إلى وقف جميع أنواع الحملات التحريضية التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الأمني الداخلي». ورأى المجتمعون أن لبنان «يمر بأزمة معقدة ومتفاقمة؛ سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وصحية مستجدة»، عادّين أنها «أزمة أخطر من حرب»، و«في زمن الأزمات الكبرى علينا جميعاً أن نرتقي بالعمل السياسي إلى المستوى الوطني، متجاوزين الاعتبارات والرهانات السلطوية». كما دعا إلى السعي «لتوحيد المواقف أو تقاربنا بشأنها؛ أقلّه حول المسائل الكيانية والوجودية التي تتعلق بوحدة وطننا وديمومة دولتنا» وتندرج ضمن ذلك «معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية وتداعياتها الاجتماعية، عبر اعتماد مسار نهائي للإصلاحات البنيوية، واعتماد برنامج صندوق النقد الدولي في حال وافقنا على شروطه الإصلاحية لعدم تعارضها مع مصلحتنا وسيادتنا، وعبر مكافحة الفساد»، وعبر «التطوير الواجب اعتماده في نظامنا السياسي ليكون أكثر قابلية للحياة والإنتاج، وذلك في إطار تطبيق الدستور وتطويره لناحية سد الثغرات فيه، وتنفيذ ما لم يتحقق من (وثيقة الوفاق الوطني)».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».