«الخارجية الأميركية»: تركيا منفذاً لتدفق الإرهابيين إلى سوريا والعراق

قالت إن أنقرة استخدمت الانقلاب الفاشل لتصفية المعارضة

TT

«الخارجية الأميركية»: تركيا منفذاً لتدفق الإرهابيين إلى سوريا والعراق

اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية تركيا بلداً مصدراً للإرهابيين، وتسهل عبور المقاتلين الإرهابيين الذين يسعون للانضمام إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق، كما قالت بأن أنقرة استخدمت حركة الانقلاب الفاشلة في عام 2016 ذريعة لها في تصفية المعارضين، واعتقال المواطنين. وكشف تقرير الدول ومكافحة الإرهاب لعام 2109 الذي أعدته وزارة الخارجية، عن انتهاكات تركيا لحقوق الإنسان واعتقال مواطنين أتراك، وكذلك مواطنين أجانب مقيمين في تركيا، بما فيهم مواطنون أميركيون، وموظفون محليون في بعثة الولايات المتحدة إلى تركيا، بزعم ارتباطهم بحركة غولن المعارض التركي للرئيس رجب إردوغان. وأفاد التقرير (حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه) بأن تركيا بلد يسهل عبور المقاتلين الإرهابيين، الذين يسعون للانضمام إلى «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى التي تقاتل في سوريا والعراق، رغم أنها عضو نشط في التحالف العالمي لهزيمة داعش. ووفقًا للبيانات العامة، اعتبارًا من نوفمبر (تشرين الثاني) تضمنت قائمة «الممنوعين من الدخول» في تركيا حوالي 7600 فرد. وبين منتصف نوفمبر وأوائل ديسمبر (كانون الأول) 2019. قامت الحكومة التركية بترحيل أو منع دخول أكثر من 70 شخصًا بسبب الإرهاب المزعوم، وأفادت وزارة الداخلية أنه حتى 9 ديسمبر (كانون الأول)، كان هناك 1.174 عضواً في داعش و115 من أعضاء «القاعدة» في الحجز التركي. وأضاف التقرير: «في أعقاب محاولة الانقلاب في يوليو (تموز) 2016. وصفت الحكومة التركية حركة فتح الله غولن المنفي بأنها «منظمة فتح الله الإرهابية»، وهي ليست مصنفة على أنها منظمة إرهابية في الولايات المتحدة، وواصلت الحكومة أيضاً فصل الموظفين العسكريين والأمنيين والمدنيين من الوظائف العامة في عام 2019. منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، قامت الحكومة بفصل أو تعليق أكثر من 130.000 موظف مدني وأفراد من القوات المسلحة من الوظائف العامة. وأشار تقرير وزارة الخارجية أن تركيا قبضت على أكثر من 80 ألف مواطن تركي وسجنهم بسبب ادعاءات انتمائهم لحركة غولن، وأغلقت أكثر من 1500 منظمة غير حكومية. واعتبر التقرير أن تركيا لديها تعريف واسع للإرهاب يشمل الجرائم ضد النظام الدستوري، والأمن الداخلي والخارجي للدولة، وجميعها تستخدمها الدولة تحت بند الإرهاب، واستخدمت الحكومة بانتظام القانون لتجريم ممارسة حرية التعبير، وحرية التجمع، وحقوق الإنسان الأخرى. ووفقا لوزارة الداخلية التركية، أحالت السلطات أكثر من 10 آلاف حساب على وسائل التواصل الاجتماعي إلى السلطات القضائية، متهمة تلك الحسابات بأنها تنشر دعايات مزعومة تتعلق بالإرهاب، وفي الربع الأول من عام 2019 وحده، ألقت القبض على أكثر من 3600 مستخدم يواجهون إجراءات قانونية بسبب أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما أدت الضربات الأميركية على أهداف تنظيم «داعش» في ليبيا إلى مزيد من التدهور لهذه المجموعة، فيما واصلت حكومة الوفاق الوطني العمل مع الولايات المتحدة لمكافحة انتشار الجماعات الإرهابية مثل داعش في ليبيا وتنظيم «القاعدة» في المغرب، وإن كان ذلك بدرجة محدودة بعد مغادرة القوات الأميركية من ليبيا في أبريل (نيسان) من عام 2019.
لبنان: وفي لبنان، قال التقرير الخاص للدول في مكافحة الإرهاب لعام 2019. بأن الجماعات الإرهابية العاملة في لبنان مثل حزب الله وداعش وحماس وكتائب عبد الله عزام. كانت حاضرة في لبنان، ومن بين هؤلاء ظلت جماعة حزب الله الإرهابية والمدعومة من إيران هي الأكثر قدرة. وأشار إلى أنه في أغسطس (آب) 2019. نشرت إسرائيل علانية معلومات حول جهود «حزب الله» لإنتاج صواريخ موجهة بدقة إلى الأراضي الإسرائيلية من داخل لبنان، كما أعلن حزب الله أن المجموعة تمتلك ما يكفي من الصواريخ لمواجهة إسرائيل لكنه نفى أنها تطور الأسلحة في مصانع في لبنان. وأضاف: «بين ديسمبر (كانون الأول) 2018 ويناير (كانون الثاني) 2019. كشفت إسرائيل ودمرت أنفاقاً متعددة حفرها حزب الله تحت الحدود مع إسرائيل، والتي كان يمكن استخدامها في الهجمات الإرهابية، ورغم السياسة الرسمية للحكومة اللبنانية المتمثلة في الانفصال عن النزاعات الإقليمية، واصل «حزب الله» دوره العسكري في العراق وسوريا واليمن، بالتعاون مع النظام الإيراني. وتطرق التقرير إلى المخيمات الفلسطينية الـ12 في لبنان أنها ظلت خارج سيطرة قوات الأمن اللبنانية إلى حد كبير، وتشكل تهديداً أمنياً بسبب احتمال تجنيد النشطاء والتسلل الإرهابي. بالإضافة إلى ذلك، ورد أن العديد من الأفراد المدرجة أسماؤهم في قائمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، المطلوبين أو المدرجين من قبل وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة، على أنهم إرهابيون عالميون مصممون خصيصاً، ظلوا في لبنان.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟