دفاع دميرطاش يطالب بالإفراج الفوري عنه

حزب إردوغان يواجه خطراً من حزبي باباجان وداود أوغلو

TT

دفاع دميرطاش يطالب بالإفراج الفوري عنه

طلب فريق الدفاع عن الرئيس المشارك السابق لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش إخلاء سبيله بموجب القرار الصادر، الأسبوع الماضي، عن المحكمة الدستورية العليا بأنه تم انتهاك حقوقه القانونية، وأنه يجب إطلاق سراحه على الفور.
وفي الوقت ذاته، أيدت محكمة استئناف إسطنبول سجن رئيسة فرع حزب الشعب الجمهوري المعارض، بسبب تغريدات قديمة على «تويتر». وفي غضون ذلك كشف استطلاع حديث للرأي عن تهديد حقيقي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان من جانب حزبي «الديمقراطية والتقديم»، برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان وحزب «المستقبل»، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو.
وتقدم فريق الدفاع عن دميرطاش إلى المحكمة المختصة في أنقرة بطلب الإفراج عن موكلهم، بموجب قرار المحكمة الدستورية العليا الصادر في 9 يونيو (حزيران) الحالي، الذي تضمن أن الحقوق القانونية لدميرطاش وحريته الشخصية وأمنه تم انتهاكها بتجاوز فترة الحبس الاحتياطي المعقولة، وأنه يجب إطلاق سراحه فوراً، مع تعويضه بمبلغ 50 ألف ليرة تركية.
ورغم صدور العديد من القرارات بتبرئته من التهم الموجهة إليه، التي جرى الاعتراف فيها بانتهاك حقوقه، فإن السلطات أصرّت على استمرار حبسه بعد أن صدر ضده حكم في قضية أخرى بالحبس 4 سنوات و8 أشهر.
في الوقت ذاته، أيدت محكمة الاستئناف في إسطنبول عقوبة السجن الصادرة بحق المعارِضة جنان قفطانجي أوغلو، بقرار قابل للطعن أمام محكمة التمييز الأعلى. وسبق أن أصدرت محكمة في إسطنبول في 6 سبتمبر (أيلول) 2019 حكماً بالسجن 9 سنوات و8 أشهر و20 يوماً، بحق جنان قفطانجي أوغلو رئيسة فرع حزب «الشعب الجمهوري» المعارض في إسطنبول، بتهمة «الدعاية الإرهابية»، و«إهانة رئيس الجمهورية»، و«الحض على الكراهية». وبعد إدانتها، لم يجرِ إيداعها السجن خلال فترة إجراءات الاستئناف.
وقال حزب «الشعب الجمهوري»، وهو أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، إنه بما أنه يحقّ لها الطعن بالحكم الجديد، فلا يُتوقع سجنها في هذه المرحلة، لافتاً إلى أن قراراً نهائياً في الملف قد يصدر خلال ستة أشهر إلى سنة.
وتُحاكم قفطانجي أوغلو، بسبب تغريدات نشرتها بين عامي 2012 و2017 على علاقة بمظاهرات «جيزي بارك» الضخمة المعارضة للحكومة في 2013، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، واغتيال الصحافي التركي من أصل أرميني هرانت دينك.
إلى ذلك، كشف أحدث استطلاع للرأي في تركيا أن حزبي «الديمقراطية والتقدم»، برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، و«المستقبل»، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، باتا يمثلان تهديداً حقيقياً لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، برئاسة إردوغان، بعد انفصالهما عنه وتأسيس كيانيهما الجديدين. وأظهر الاستطلاع أن الحزبين الجديدين سيسحبان من قاعدة إردوغان، وأنهما بعد أشهر قليلة من تأسيسهما باتا يشكلان تهديداً له، لأنهما قدما البديل المناسب له أمام الناخب.
وأوضح الاستطلاع، الذي أجرته شركة «سوسيو بولتيك» بين 8 و14 يونيو(حزيران) الحالي تراجع تأييد «العدالة والتنمية» بنسبة 11 في المائة، ليهبط إلى 30.9 في المائة مقابل 42.56 في المائة من أصوات الناخبين حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها تركيا في 24 يونيو (حزيران) عام 2018.
وهبطت نسبة مؤيدي حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، إلى 21.2 في المائة، ليخسر نحو 7 في المائة، بينما تراجعت نسبة «الشعوب الديمقراطية» (المؤيد للأكراد) إلى 10.4 في المائة من نحو 13 في المائة حصل عليها في الانتخابات الأخيرة لكنه حافظ على فرصته في دخول البرلمان.
أما حزب «الحركة القومية»، الحليف لحزب إردوغان، فشهد أكبر تراجع بين الأحزاب السياسية التركية بحصوله على 7.9 في المائة من الأصوات، فيما حصل حزب «الجيد»، الذي خرج من رحم الحركة القومية عام 2018 على 7.2 في المائة من الأصوات. اللافت في الاستطلاع هو تأكد 5.3 في المائة من المشاركين فيه أنهم سيصوتون لحزب «الديمقراطية والتقدم»، بزعامة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، في حين قال 3.7 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنهم سيصوتون لحزب «المستقبل»، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟