السلطة الرمزية في الرواية العربية... والعنف

«فاكهة الغربان» لليمني أحمد زين و«عدن الخاوية» للعراقي فاروق السامر نموذجاً

السلطة الرمزية في الرواية العربية... والعنف
TT

السلطة الرمزية في الرواية العربية... والعنف

السلطة الرمزية في الرواية العربية... والعنف

هل يمكن للتفويض الثقافي أن يمنح مؤسسة أو آيديولوجية ما سلطة رمزية، بها تفرض مثالها الثقافي التعسفي، مالكة الحق في ممارسة العنف الرمزي، بوصف تلك السلطة هي المرجعية التي فوضتها الجماعات أو الطبقات أمرها وأعطتها الشرعية في تمثيلها؟
إن هذا التساؤل يتعلق بصلب كتاب (العنف الرمزي) لبيير بورديو، وفيه اهتم بالكيفية التي بها تتمكن السلطة الرمزية من جعل الثقافة نسقاً من الأمثلة الثقافية التعسفية، فتضيع الحقيقة الموضوعية ويصبح الجهل هو أصل التناقضات التي تطبع مختلف الآيديولوجيات بطابع رمزي تتعالق فيه الثقافات الغالبة والمغلوبة التي تعنى بالطبقات المقهورة وفي الوقت نفسه تمارس النماذج الثقافية الاستغفال بحقها كي لا تكون لها أي صحوة ثقافية.
وهو ما سماه بورديو (العنف الرمزي) الذي من أنماط تعسف نماذجه الاحتجاب أو التمويه أو الإرغام الثقافي إزاء جماعة أو طبقة، ممارسة عليها سلطتها الرمزية التي فيها يتجلى الازدواج والتناقض المستعصي في إثبات حقيقة الرموز الثقافية.
وبتعدد أنماط هذه النماذج وتنوع السلطات الرمزية تصبح لكل آيديولوجيا طريقتها الخاصة في إخفاء حقيقة عنفها الرمزي مظهرة إياه كحق مشروع به تدعم تعسفها وتؤكد تسلطها فيذعن لها الأفراد والجماعات ثقافيا ويضعونها من ثم في مقام أسطوري غير عقلاني.

فرض السلطة على القارئ
ونجد لهذه السلطة وأنماطها التعسفية تمثيلات روائية تقترب من هذه الصورة النظرية لثقافة العنف الرمزي، ومن ذلك رواية (فاكهة الغربان) للروائي اليمني أحمد زين والصادرة عن منشورات المتوسط إيطاليا 2020. وفيها شخصية (جياب) هي النموذج التعسفي «جياب الماركسي الذي يأخذ اسمه الحركي من المناضل الفيتنامي فون نغوين جياب العدو الشريف الذي هزم الغرب الأمبريالي» (ص42) والذي تحول فجأة من عامل صغير في مرفأ في عدن إلى شخص يرتدي بدلة سوداء بربطة عنق حمراء، ممارسا سلطة رمزية على سائر حيوات الرواية وأهمها (نورا) التي تحولت بسببه من راقصة في فرقة للفنون الشعبية إلى رفيقة جاسوسة وحبيبة مقربة.
ولأنها وحدها التي تعرف لغز جياب المحير، يدفعها ماضيها وعظم الورطة التي وضعت نفسها فيها إلى تدوين مذكراتها التي خصص لها السارد شخصية صلاح بينما أخفى الشخصية المدونة جياب. ويتضح في المذكرات عنف الآيديولوجيا الرمزي وحالة الشرخ الفكري الذي تخلفه تعسفية سلطة النموذج الرمزية أولاً من خلال إقحام السرد الذاتي داخل السرد الموضوعي مما فرض على القارئ نوعا من السلطة الرمزية مجبرا إياه على التماشي مع هذا الإقحام ولا سيما في مفتتحات الفصول التي فيها تظهر الشخصية وهي تتحدث بضمير الأنا ثم فجأة يسكتها السارد ليتحدث بدلا عنها بضمير الغائب. وثانياً، من خلال مركزية شخصية نورا التي لا تكف عن تكرار تقليب صور جياب (سرعان ما انشغلت بتقليب الصور) أو (تطيش نظراتها في صورهما معا) و(وصمتت وعادت لتنظر في الصور) و(تحدق طويلا في الصورة التي تظهر جياب شابا) و(تعيد التحديق في صورة جياب... لا يمكن أن يكون أمس ثوريا واليوم عميلا إمبرياليا). وثالثاً، انخراط الشخصيات في حزب واحد واجتماعهم في غرفة واحدة ومع ذلك هم متفرقون ذهنيا، كأن يعاشر أحدهم كل الفصائل بينما هو ينظر إليهم مجرد عبيد أو تكون شخصية حالمة بالثورية والنقاء الآيديولوجي لكنها تعترف في قرارة نفسها أنها لن تصل إلى ذلك أبدا. وهو ما دللت عليه المنولوجات المروية التي بها تبدو كل شخصية معطلة حياتيا ومخفية حقيقة شرخها ما بين عبادة الشعارات والأناشيد الثورية والوعود الوردية والالتزام الحزبي وتبجيل القيادات من جهة وبين الوشاية والعبث والتزوير والاغتيال وكتابة التقارير من جهة أخرى. ورابعا كتابة المذكرات التي فيها تبوح (نورا) بالأسرار وفي الوقت نفسه تنشغل بالتحديق التكراري في الغربان التي هي معادل موضوعي للعنف الرمزي «له ريش متسخ بدوره أخذ يبادلها التحديق بينما يميل بمنقاره ناحية أسلاك تتلوى في الشكل بلا غاية جمالية وتجد... نفسها في مواجهة مباشرة مع واحد منها... كانت تراه من مسافة بعيدة وهي تتملى في عيني الغراب القلقتين وتتوقف عند ساقيه النحيلتين ومنقاره الذي بدا ثخينا وطويلا قليلا وتفكر في احتمال أن يكون مؤذيا» (ص42).
وخامساً، مقصدية المؤلف في إضفاء العنف الرمزي على العنونة الرئيسة (فاكهة الغربان) ولا يخفى ما للغراب، صوتا ولونا وسلوكا، من دلالة شؤمية في المخيال العربي لذا يكون في تحديق نورا في الغربان إحساس بفشل النظرية الاشتراكية وعلم الجمال الماركسي والنزعات الثورية والمادية الجدلية (تطلق نداءات لم يجد العلماء لها تفسيرا بعد) والتي عبر عنها السارد بهذا التناص الشعري لمظفر النواب: (يا ريل طلعوا دغش والعشق جذابي نتوالف ويه الدرب وترابك ترابي) (ص49).
وأخيراً، تحالف السارد مع المؤلف على المستوى الآيديولوجي وهو يعدد نواقص وسلبيات الحزب كشعارات وقيادات واستراتيجيات وتواريخ منحازا له مرة بصورة علنية وهو يجعل نورا تتحين الفرص للثأر من كل الرفاق مظهرة حنينا للماضي الإمبريالي: «إن أحلامنا تواضعت بعد أن كنا حالمين كبارا... صنعت لنا مخيلاتنا جنات... وكأنما أجنحتنا كانت من شمع. إذا بها تذوب في حرارة عدن وجوها الجحيمي فتساقطنا مرتطمين بالأرض» (ص44).

عدن «الآيديولوجية»
في رواية (عدن الخاوية) للروائي العراقي فاروق السامر والصادرة عن دار تموز 2019 تخلف السلطة الرمزية عنفا في نفوس الذين فوضوها تلك السلطة. وتصبح عدن رمزا للأوهام الآيديولوجية التي بسببها صارت المدينة مكانا للخراب والتمزق والانحشار بالعنف والحرب كما ضاعت قيمة النموذج الثقافي ممثلا بشخصية الرجل مبتور الذراع العاطل والمنعزل الذي حطمه الإخفاق وعطله الخواء وهو واقع تحت رحمة المرض والموت والتفسخ.
ويكون فيها أيضاً للغراب فعل ترميزي داخل الرواية فهو البؤرة السردية التي فيها تتكثف تعسفية هذا النموذج الذي بقي بلا اسم متسائلا (حمامة أم غراب؟). وتظل الخيبة الآيديولوجية تمارس عنفها عليه وعلى الشخصيات النسوية الأخرى كسلطة رمزية، مرة في شكل طائر يرتطم بالنافذة (شق الضبابَ طائرٌ رمادي مجنون بصورة خاطفة وتهافت متهشما على سطح الزجاج الصقي فاختلطت دماؤه القانية بقطرات المطر المتفجرة) ص112 ويكون مرة أخرى عنكبوتا تراه زوجته (مسمرا وسط الغرفة عنكبوتا بنفسجيا جبارا هائلا يحدق متتبعا حركاتها المثيرة بعينيه المدورتين الملتهبتين لا يعرف ما يفعل) ص159.
ويظل التحديق في الغراب في الروايتين هو البؤرة التي فيها تتكثف الفكرة السردية لتكونا روايتين فكريتين، فيهما الآيديولوجيا سلطة رمزية لها هيأة الغربان، وفيها تتضح ازدواجية الشكل والفعل وتدجينية الفرد والقطيع كنوع من الإذعان إلى علاقات القوة التي بسببها ينهار المشروع النضالي والتحرري وتتكشف ازدواجيته وذرائعيته ومن ثم يبان عنف الآيديولوجيا وتعسفها والنهاية الكارثية التي تنتظرها.



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.