تغييرات جذرية تعصف بـ«صوت أميركا»... ومحطاتها ومنصّاتها

TT

تغييرات جذرية تعصف بـ«صوت أميركا»... ومحطاتها ومنصّاتها

بعد أكثر من عامين من إصراره على تعيين صديقه وأحد أكثر المؤمنين برؤيته السياسية، نجح ستيف بانون كبير الاستراتيجيين السابق للرئيس دونالد ترمب في تعيين مايكل باك، على رأس «الوكالة الأميركية لوسائل الإعلام العالمية» أو ما تسمى اختصارا «البي بي جي»، إحدى أكبر المؤسسات الإعلامية العالمية الممولة من الكونغرس والموجهة نحو الخارج، والتي تشرف على «صوت أميركا» ومحطات إذاعة وتلفزة ومنصات رقمية أخرى.
لم يكن تثبيته هو المفاجأة، بل سرعة الإجراءات التي اتخذها قبل أقل من أسبوع على تسلمه منصبه، حيث نفذ ما وصف «بمجزرة الأربعاء»، عبر إقالته الفورية لرؤساء محطات وراديو تلفزيون «مارتي» وشبكة الشرق الأوسط «الحرة»، وراديو «آسيا الحرة» وراديو «أوروبا الحرة» ومنصة التكنولوجية المفتوحة، فيما يتوقع أن يعين جيفري شابيرو، المحسوب أيضا على ستيف بانون، على رأس تلفزيون كوبا، وانضمام سيباستيان غوركا، أحد أشد المناصرين لترمب وبانون إلى صوت أميركا.
وقال كبير الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور بوب مننديز، إن ما جرى ليلة الأربعاء «يؤكد ما كنا نخشاه من وراء تعيينه. إنه آت لتنفيذ مهمة سياسية لتدمير استقلالية الوكالة الأميركية للإعلام وتقويض دورها التاريخي». وأضاف مننديز أن طرد رؤساء شبكة الوكالة وتفكيك مجالس إدارتها لتثبيت الحلفاء السياسيين للرئيس ترمب، يعد انتهاكا صارخا لتاريخ هذه المنظمة ومهمتها التي قد لا تتعافى منها أبدا.
وبعيد تسلم باك منصبه بساعات قدمت رئيسة تحرير «صوت أميركا» أماندا بينيت ونائبتها ساندي سوغاوارا، استقالتهما في كتاب واحد. وكتبتا «لقد حان الوقت بالنسبة لنا للمغادرة»، من دون أن تذكرا أي أسباب أخرى ما عدا تسلم مايكل باك لمنصبه. وأضافتا «مع تثبيت مجلس الشيوخ له، يحق له استبدالنا بمساعدين له في صوت أميركا».
وحصل باك الذي رشحه ترمب منذ بداية العام 2018 لهذا المنصب، على موافقة مجلس الشيوخ في جلسة تصويت جرت الأسبوع الماضي، نال فيها موافقة 53 صوتا جمهوريا، مقابل اعتراض 38 صوتا ديمقراطيا. وعكس هذا التصويت مجددا عمق الانقسام السياسي الذي بات يخترق المؤسسة السياسية الأميركية، حيث الخلافات هي العنوان الأبرز بين الحزبين، خصوصا في سنة انتخابية يراها الجميع حاسمة في رسم مستقبل سياسات الولايات المتحدة داخليا وخارجيا.
منذ أن طرح اسمه، أثار مايكل باك اعتراض أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، بسبب إشكاليته السياسية ومواقفه التي اعتبرت منحازة للمتشددين اليمينيين. ونجح الديمقراطيون في عرقلة تثبيته لنحو سنتين، بعدما أثاروا قضية تهرب ضريبي بحق شركته الخاصة، لا يزال المدعي العام في العاصمة واشنطن ينظر فيها. وساندهم في اعتراضهم هذا رئيس لجنة العلاقات الخارجية السابق في مجلس الشيوخ السيناتور الجمهوري بوب كوركر، أحد أشد المنتقدين لترمب، الذي لم يترشح لعضوية الكونغرس بعد انتهاء مدته. ورغم تسلم السيناتور جيم ريش رئاسة اللجنة بعده، إلا أنه لم يكن مستعجلا لتثبيته رغم صداقته مع الرئيس، إلى أن بدأ ترمب هجومه على «صوت أميركا» قبل نحو شهرين، بعد اندلاع أزمة الفيروس التاجي مع الصين.
باك هو مخرج أفلام محافظ تربطه علاقات وثيقة بستيفن بانون، ويرأس مجموعة إعلامية غير ربحية تدعى «بابليك ميديا لاب»، أفيد أنه حول من أموالها مبلغ 1.6 مليون دولار من التبرعات التي تحصل عليها، إلى شركة إنتاج مستقلة يرأسها أيضا تدعى «مانيفولد برودكشن». ويقول الديمقراطيون إن باك لا يمكن ائتمانه على مؤسسة ممولة من أموال دافعي الضرائب، بميزانية تفوق 250 مليون دولار سنويا. وقال السيناتور بوب مننديز خلال جلسة تثبيته: «هل من المناسب أن نعين مايكل باك؟ هل يجب تثبيته عندما يكون قيد التحقيق؟ بعد أن كان غير أمين مع مجلس الشيوخ ومصلحة الضرائب، نظرا لاستخدامه المزعوم لمنظمة صغيرة غير ربحية للإثراء الذاتي، هل يمكننا أن نثق أنه لن يستخدم الموارد الهائلة للحكومة الأميركية لجيبه الخاص؟» غير أن رئيس اللجنة السيناتور جيمس ريش دافع عن باك قائلا: «هذا الرجل مؤهل بشكل فريد لشغل هذا المنصب، لقد قام بعمل رائع».
ترمب من جهته غرد على تثبيت باك قائلا: «مبروك لمايكل باك! لا أحد لديه أي فكرة عن هذا النصر الكبير لأميركا. لماذا؟ لأنه سيدير «صوت أميركا» وكل ما يرتبط بها».
ترمب ومنذ بداية عهده اتخذ سلسلة مواقف مثيرة للجدل تجاه موقفه من الإعلام، واصفا غالبية مؤسساته، وخصوصا التي تعارضه، بأنها إعلام كاذب. وفيما يخشى معارضوه أن يستغل هذا المنفذ الإعلامي للترويج لأجندته السياسية، وخصوصا تجاه الخارج، يرى آخرون أن مواقف بعض المؤسسات الإعلامية المعارضة، بالغت في هجماتها على ترمب. وتتهم بعض المؤسسات باتخاذها مواقف مثيرة للجدل تجاه دول تعتبرها إدارة ترمب، معادية أو منافسة كإيران وسوريا وروسيا والصين وفنزويلا وتركيا. غير أن أصواتا أخرى أشارت إلى أن الدور الذي كانت تلعبه «صوت أميركا» وشقيقاتها اضمحل، أو على الأقل تراجع كثيرا في العقد الأخير، في ظل مراوحة خطابها الإعلامي وقصوره عن التعبير عن موقف الإدارة الأميركية، بمعزل عن الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس. وكذلك تراجع برامجها الموجهة، أمام منافسين آخرين في شبكات إعلامية باتت تبث محليا وعالميا وعبر الأقمار الصناعية والرقمية. ويرى هؤلاء أن المحطة التي تأسست عام 1942 بهدف الترويج لـ«قصة أميركا» ومواجهة الدعاية النازية، تحتاج إلى إعادة تعريف بعدما باتت تنتمي إلى حقبة عفا عنها الزمن.
ترمب كان أعرب مرارا عن رغبته في السيطرة على «صوت أميركا» واصفا إياها في عدد غير قليل من المرات بأنها أصبحت «صوتا للاتحاد السوفياتي، وللشيوعية». وقبل نحو شهرين نشر دان سكافينو مستشار البيت الأبيض للاتصالات، ما وصفه بقصة «صوت أميركا مع الصين» في تغريدة له على تويتر مع تعليق يقول: «دافعو الضرائب الأميركيون يمولون الدعاية الصينية عبر صوت أميركا الممول من الحكومة الأميركية! عار!!» وبعد أيام زاد ترمب على تغريدة سكافينو ووصف صوت أميركا بأنها مثيرة للاشمئزاز، وطالب مجلس الشيوخ بتأكيد حزمه في تعيين مايكل باك.
وما يثير حفيظة المعترضين على تعيين باك، أنه قد يعمد إلى تحويل المؤسسة إلى بوق إضافي لترمب، ويلغي استقلاليتها التحريرية. ويرفض باك تلك المخاوف ويقول إنه لن يسمح بتحويل المؤسسة إلى آلة دعائية لترمب. لكن أوساطا في «صوت أميركا» رفضت الكشف عن اسمها قالت لـ«الشرق الأوسط» إن حالة من القلق تسود في صفوف الموظفين، خصوصا بعد استقالة رئيسة التحرير ونائبتها. وفيما عبر موظفون في «شبكة الشرق الأوسط» عن الهواجس نفسها، قال هؤلاء إنهم يخشون حركة إقالات واستقالات كبيرة معربين في الوقت ذاته عن تخوفهم من تراجع صوت المرأة في المؤسسة وفقدان استقلاليتها وتحولها إلى منصة للمتشددين اليمينيين.
يعمل في «صوت أميركا» نحو 1100 موظف، بميزانية سنوية تفوق 250 مليون دولار، وتنتج أخبارا إذاعية وتلفزيونية ورقمية بـ47 لغة وتبث في جميع أنحاء العالم وخصوصا في البلدان المحكومة بنظم استبدادية. ويتبع لها محطات شقيقة هي راديو أوروبا الحرة وراديو ليبرتي وراديو آسيا الحرة وتلفزيون كوبا وراديو وتلفزيون فاردي بالفارسية وشبكة الشرق الأوسط وراديو سوا...



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».