تردّي الرعاية الصحية والفساد يفاقمان معاناة مرضى «كوفيد ـ 19» في الهند

توفي أستاذ اللغة العربية والي أختار، بعدما رفضت ستة مستشفيات خاصة في مدينتي نيودلهي ونويدا استقباله لأسباب مختلفة. وقد أصيب أختار بحمى قبل أسبوع، ورفضت ستة مستشفيات دخوله بسبب عدم وجود أسرّة، فيما أفاد آخرون أنهم لا يقبلون المرضى المصابين بالحمى. تمكنت عائلة أختار أخيراً من إدخاله أحد المستشفيات، حيث أكّدت الفحوصات إصابته بفيروس «كورونا» المستجد، ووافته المنية بعد ساعتين من اليوم نفسه بعد تفاقم أعراض الفيروس القاتل.
كذلك توفي زامير أحمد منى، وهو سياسي من منطقة «سيلامبور» شمال شرقي نيودلهي، جراء إصابته بفيروس «كورونا» في 11 يونيو (حزيران). ويزعم صهره «س.م» حسين أن مستشفى خاصا كبيرا رفض استقباله بسبب عدم وجود أسرة. ومع تخطي حالات الإصابة بالفيروس في الهند 400 ألف حالة ووفاة 13 ألف شخص، بدا الضغط على البنية التحتية للرعاية الصحية واضحا في المدن الكبيرة، مع تراجع قدرتها على فحص الحالات المشتبه بها، ومعاناتها لمواكبة الطلب المتزايد على أسرّة المستشفيات في مدن مثل مومباي وتشيناي وأحمد آباد وكولكاتا ونيودلهي، وهي المدن الأكثر تضرراً في الهند بسبب الفيروس، في وضع مشابه لما حدث في شمال إيطاليا ونيويورك خلال ذروة الوباء.

- إهمال في المستشفيات
في غضون تسعة أيام فقط، دمّر «كوفيد - 19» عائلة «نيهيتي»، كاشفا عن فجوات صارخة في نظام الرعاية الصحية العامة. بدأت المأساة عندما فقد هارشال نيهيتي والدته تيلا (60 عاما) بسبب الفيروس، حيث انتظرت الحصول على سرير في مستشفى لست ساعات. وبعد أسبوع من ذلك، عُثر على جثة جدته المتحللة جزئيا ممدّدة على أرضية دورة مياه بالمستشفى نفسه. وكان عاملون في المستشفى قد أكدوا للعائلة أن الجدة البالغة من العمر 82 عاما، والمصابة بـ«كوفيد - 19»، «غادرت المستشفى» من تلقاء نفسها قبل أسبوع. وعلى مدار ثمانية أيام كاملة، لم يذهب أي من العاملين في المستشفى لتفقد أو تنظيف دورة المياه، حيث عُثر على جسد الجدة مالاتي، ناهيك عن البحث عن امرأة مسنة «مفقودة». ولم يكسروا الباب إلا بعدما اشتكى المرضى الذين كانوا يستخدمون دورات المياه الأخرى من أنهم لم يعودوا قادرين على تحمل الرائحة الكريهة. حُرم هارشال وأسرته من حضور جنازتي الأم والجدة، كما أُصيبت زوجته الحامل وووالده.
وكشفت قناة «الهند تي. في» عن صور مروعة للإهمال وسوء الإدارة في أحد مستشفيات العاصمة. وأظهرت الصور جثة عارية ملقاة على الأرض في غياب الطاقم الطبي، فيما ظهر العديد من المرضى فاقدين للوعي ومستلقين على الأرض دون مراقبة طبية.
وفي حادثة مماثلة، اندلع الغضب في أرجاء البلاد بعد تداول صور على وسائل التواصل الاجتماعي لعدة جثث ملقاة في ممر مستشفى في مومباي. ودخلت المحكمة العليا في الهند على خط الجدل، مستندة إلى تقارير إعلامية أظهرت تراكم جثث ضحايا فيروس «كورونا» في نيودلهي، وأعربت عن قلقها بشأن الوضع في بعض الولايات الأخرى. وقالت المحكمة، إنه «عُثر على جثة في صندوق القمامة»، مضيفة باستنكار: «يعامل البشر أسوأ من الحيوانات». وقالت المحكمة إن «هذا الوضع مروع. انظروا إلى معاملة المرضى، فهم يبكون ولا أحد يعتني بهم. المرضى يركضون بحثا عن مكان في مستشفى، في حين أن عدداً كبيراً من الأسرة في المستشفيات الحكومية لا يزال شاغراً. الدولة ملزمة بتوفير موظفين لإدارة الأجنحة». وتابعت: «التقارير الإعلامية التي كشفت حالة المرضى المزرية، آلمت هذه المحكمة».

- «نهب» المرضى
وجهت تقارير عدة اتهامات إلى مستشفيات خاصة، بالفساد والتربح من الوباء، وبمطالبة المرضى وأسرهم بمبالغ ضخمة لقبول وعلاج مصابي «كورونا». ويزعم مرضى وأقاربهم أن المستشفيات تحاول تحقيق أقصى استفادة من السيناريو القاتم، دون الالتفات إلى الوضع المالي البائس للناس. وأُدخل عم صايمة فرقان، البالغ من العمر 60 عاما، إلى مستشفى خاص في نيودلهي، وتسلمت العائلة فاتورة من 122 صفحة بمبلغ إجمالي قدّر بـ 1.6 مليون روبية (21 ألف دولار أميركي). وما أذهل فرقان هو أن الفاتورة تضمّنت مبلغا ثابتا هو 10 آلاف روبية يوميا، نظير معدات الحماية الشخصية التي يرتديها الطاقم الطبي الذي يعالج عمها.
بدوره، يروي جولي أنتوني، أحد سكان مدينة أنديري، تجربة أحد أصدقائه الذي كان عليه أن يقضي 12 يومًا في مستشفى خاص معروف، حيث «تم تحصيل 1.8 مليون روبية، بما في ذلك 8000 روبية يوميا فقط مقابل مجموعات معدات الوقاية الشخصية التي يرتديها الموظفون. لكن العائلة كانت في حالة ميسورة جدا ولا تمانع في الدفع. لكن فكر في أولئك الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف وليس لديهم ما يدفعونه». وأضاف أن «التأمين الطبي عاجز عن المساعدة نظرا لعدم وجود أسرة متاحة في المستشفيات العامة». على نفس المنوال، تسلم موكيش بهاتيا، الذي أدخل والده في مستشفى معروف، فاتورة بمبلغ مليوني روبية على الرغم من وفاته بعد 13 يومًا من دخوله المستشفى. في المقابل، رفض يوجيش سارين، المدير العام والمالي في مستشفى «ماكس هيلثكير»، مزاعم التربح من الوباء، قائلا: «نحن اليوم ندير ما يقرب من 1000 سرير لمرضى فيروس (كورونا)، وقد عالجنا حتى الآن أكثر من 2000 مريض. لدينا 1970 عامل رعاية صحية يهتمون بهؤلاء المرضى على مدار الساعة. أصيب أكثر من 427 عاملا في مجال الرعاية الصحية بالمرض، وأدخلوا المستشفى ذاته. كان لدينا 3220 موظفا في الحجر الصحي، لكنهم انقطعوا عن العمل بشكل متقطع على مدى الشهرين ونصف الماضيين، ومع ذلك فإننا لا نزال نواصل الخدمة».

- معاناة الطاقم الصحي
وقامت الحكومة الهندية بتحويل بعض المستشفيات الخاصة وعربات السكك الحديدية وحتى مضمار السباق إلى عيادات مؤقتة. ومع ذلك، لا يزال هناك نقص كبير في الأسرة وأجهزة التنفس، وفقا لتقارير من نيودلهي ومومباي. وسلّطت عدة تقارير من ولايات مختلفة في الهند الضوء على المخاطر التي يتعرض لها العاملون في مجال الصحة أثناء علاجهم لمرضى «كورونا».
من الممكن أن تعزى هذه المخاطر إلى ضراوة العدوى وعدم استعداد المستشفيات للتعامل مع الوباء. لكن هناك العديد من الجوانب الهامة التي يتعين على المستشفيات مراعاتها، وتشمل إنشاء أجنحة عزل ومرافق العناية المركزة، وأجهزة تنفس وغيرها، وبروتوكولات للعلاج والسيطرة على العدوى ومعدات الحماية الشخصية للعاملين الصحيين. وجاءت نتائج تحاليل المئات من الممرضات والأطباء إيجابية حتى في المستشفيات الخاصة المعتمدة دوليا في مومباي ودلهي.
ومع ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس «كورونا»، تعمل الهند على تعزيز سعة المشارح في المستشفيات من خلال تركيب «حاويات مبردة» للحفاظ على جثث الموتى.