السلطة تجد صعوبة في تحجيم دور «المنسق» الإسرائيلي

مسنّة فلسطينية تصنع أجباناً أمس في مزرعة بقرية في غور الأردن (أ.ف.ب)
مسنّة فلسطينية تصنع أجباناً أمس في مزرعة بقرية في غور الأردن (أ.ف.ب)
TT

السلطة تجد صعوبة في تحجيم دور «المنسق» الإسرائيلي

مسنّة فلسطينية تصنع أجباناً أمس في مزرعة بقرية في غور الأردن (أ.ف.ب)
مسنّة فلسطينية تصنع أجباناً أمس في مزرعة بقرية في غور الأردن (أ.ف.ب)

يحتار المسؤولون الفلسطينيون في كيفية تحجيم دور «المنسّق» الإسرائيلي الذي دأب منذ فترة طويلة على تجاوز السلطة والتعامل مباشرة مع الفلسطينيين، مستعيداً بذلك دور «الإدارة المدنية» التي كانت تحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل إقامة «السلطة».
وعلى مدار أعوام طويلة هاجمت السلطة دور «المنسق» الذي يمثّل الحكومة الإسرائيلية وهو رئيس الإدارة المدنية، لكن على خجل، في حين كان المسؤولون يلتقون به بشكل دوري، وظلت تراقب تعاظم دوره في التغلغل في صفوف الفلسطينيين دون أن تحرك ساكناً خشية تعرض الاتصالات مع إسرائيل للخطر، قبل أن توقف الاتفاقات وتقطع الاتصالات وتطلق حملة رسمية وشعبية لمقاطعته، وهي حملة يبدو أنها لا تلاقي آذاناً صاغية كافية مع تزايد أعداد الفلسطينيين الذين يتوجهون له.
وفي الأيام القليلة الماضية زار مكاتب التنسيق الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين الذين يبحثون عن تصاريح عمل أو تصاريح لدخول إسرائيل، في حين استخدم الكثيرون تطبيقاً أطلقه «المنسّق» ويحمل اسمه، متجاهلين التحذيرات «الأمنية» حوله.
واضطرت السلطة، أمس، إلى رفع مستوى التحذير حول التعامل مع المنسّق، ونشر المحافظون بياناً جاء فيه أنه «بناءً على تعليمات الرئيس (محمود عباس) ودولة رئيس الوزراء (محمد أشتية) بوقف التنسيق الأمني، يمنع منعاً باتاً على الموظفين العاملين كافة في المؤسسات الرسمية والأمنية، وكذلك المؤسسات الأهلية والبلدية وموظفوها من التعامل مع الصفحات الإخبارية التابعة لدولة الاحتلال والتي أصبحت تروّج للحصول على التصاريح أو التوجه لمكاتب دولة الاحتلال من أجل ذلك، ومن يخالف سيقع تحت طائلة المسؤولية».
وجاء هذا التحذير في خضم تصاعد الحرب «الافتراضية» التي بدأت بين السلطة وإسرائيل وأخفت السلطة بموجبها وثائق كثيرة في أماكن سرية خشية حصول تدهور أمني يسمح لإسرائيل بالسيطرة عليها إذا ما دخلت مناطق فلسطينية في الضفة.
لكن بعيداً عن هذه الحرب يفضّل بعض الفلسطينيين التعامل مع المنسق. وقال أحد العمّال لـ«الشرق الأوسط»، «بعد 30 سنة تريد السلطة وقف التنسيق الأمني وتطلب منا عدم التعامل مع الإدارة المدنية. دعهم يأتون لنا بعمل بديل كي لا نذهب لإسرائيل. أريد أن أطعم أولادي». ورفض أحد التجار أيضاً دعوة السلطة، وقال إنها مسألة سياسية لا تخصه. وأضاف «الذي ثبّت المنسّق ودوره هي السلطة، وهم (أي المسؤولين الفلسطينيين) الذين كانوا يتعاملون معه ورضوا بالواقع كل هذه الأعوام. لدينا مصالح ستتعطل إذا أوقفنا التعامل معه». وتابع «من أين ستؤمّن السلطة احتياجات الناس لو توقفت الاتصالات بالكامل. ما يطرح غير واقعي».
ويبرر آخرون بأنهم مضطرون إلى التعامل مع المنسّق؛ لأنه الجهة الوحيدة المخولة بالتعامل مع مشاكلهم المتعلقة بالمنع الأمني ومنع السفر ومنح التصاريح. ودفعت هذه الاحتياجات إلى زيادة أعداد قاصدي مكاتب الإدارة المدينة مع وقف عمل مكاتب الارتباط الفلسطيني التي كانت تؤمّن احتياجات الفلسطينيين عبر الاتصال مع إسرائيل (أي بالنيابة عن المواطنين).
وأثارت صورة التقطت الأسبوع الماضي لمئات الفلسطينيين أمام مكاتب الارتباط في الخليل صدمة لدى المسؤولين الفلسطينيين. إذ ذهب الفلسطينيون بالمئات في ذروة حملة بدأها مسؤولون في السلطة وناشطون وأعضاء في الفصائل لمقاطعة صفحة «المنسّق» بعنوان (#ياعندي_ياعند_المنسق) لإجبار أصدقائهم على مواقع التواصل الاجتماعي على إلغاء إعجابهم بصفحته. ويعمل المنسق منذ افتتاح صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أعوام وكأنه حاكم فعلي للشعب الفلسطيني، ملقياً عليهم محاضرات أمنية، وباثاً بيانات مختلفة، ومنادياً إياهم بزيارة مباشرة لمكاتب الإدارة المدنية من أجل الحصول على تصاريح جديدة، وإلغاء المنع الأمني، والتنقل بين الضفة وغزة وإلى إسرائيل، في تجاوز واضح ومباشر لدور السلطة الفلسطينية.
وكتب أحد الناشطين ساخراً ومعلقاً على الصورة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي «لقد اختاروا المنسق».
وفيما يبدو نكاية بالسلطة، أعلن المنسّق أمس أنه في إطار «تحسين الخدمة للمواطنين الفلسطينيين، فإن إصدار معظم تصاريح الدخول إلى إسرائيل سيتم من دون طباعة التصريح، وإنما من خلال تسجيله على النظام فقط».
وقال أحد المواطنين «نعم حمّلت التطبيق لأنني أردت تقديم طلب لرفع المنع الأمني». ورفض الشاب تحذيرات حول اختراقات أمنية، قائلاً «بعد إنهاء معاملتي سأحذف التطبيق، لكنني في حاجة إليه الآن». وكان «الائتلاف الأهلي للحقوق الرقمية الفلسطينية» حذّر الفلسطينيين من تحميل واستخدام تطبيق «المنسق»، الذي أطلقته وحدة «تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية»؛ لأنه يتيح الوصول إلى الملفات والبيانات والمعلومات والموقع الجغرافي وحتى كاميرا الأجهزة الذكية.
وعززت صحيفة «هآرتس» من هذه الفرضية، وقالت إن التطبيق يشمل الكثير من التفاصيل منها الموقع الجغرافي واستخدام الكاميرا ومعرفة الملفات المخزنة على الجهاز بالإضافة لاستخدام الاحتلال التفاصيل المذكورة لغايات أمنية.
وجاء في كتاب اعتراضٍ قدمه «مركز حماية الفرد وأطباء لحقوق الإنسان»، أن إجبار الفلسطينيين على تنصيب التطبيق سعياً إلى معرفة تصاريحهم «خطوة متطرفة واختراق للخصوصية». وردت «الإدارة المدنية» بأنها ستقوم بتغيير شروط الاستخدام للتطبيق لرؤيتها بعدم وجود مواءمة بين شروط الاستخدام المنصوص عليها في التطبيق وبين ما يستطيع فعلياً التطبيق الوصول له من معلومات وبيانات.
ويعتقد أن إسرائيل تختبر من خلال المنسق مرحلة مختلفة للوضع الحالي تعيد فيها سيطرة الإدارة المدنية إلى حد كبير على حياة الفلسطينيين مع بقاء السلطة نظاماً «شرطياً»، وهو اختبار ستكشف الأيام المقبلة إذا ما كان سينجح أو سيقود إلى مواجهة شاملة.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.