المعطيات الأمنية لا تدعم حديث دياب عن تدبير «انقلاب» ضده

رئيس الحكومة حسان دياب موجهاً كلمة إلى اللبنانيين أول من أمس (الوكالة الوطنية).
رئيس الحكومة حسان دياب موجهاً كلمة إلى اللبنانيين أول من أمس (الوكالة الوطنية).
TT

المعطيات الأمنية لا تدعم حديث دياب عن تدبير «انقلاب» ضده

رئيس الحكومة حسان دياب موجهاً كلمة إلى اللبنانيين أول من أمس (الوكالة الوطنية).
رئيس الحكومة حسان دياب موجهاً كلمة إلى اللبنانيين أول من أمس (الوكالة الوطنية).

لن تترتب على الكلمة التي وجّهها رئيس الحكومة حسان دياب، إلى اللبنانيين، مفاعيل سياسية يمكن أن تدفع، كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط»، باتجاه إحداث تغيير في المشهد السياسي، لأنها لم تحمل أي جديد، وكان في غنى عنها، إذ ليس هناك من يصدّق بأنه يكاد يوحي بالإعداد إلى «حرب كونية» ضده لمنعه من تحقيق الإنجازات التي وعد بها، والضغط للإطاحة بحكومته.
ويلفت رئيس الحكومة السابق، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن ما قاله دياب في كلمته إلى اللبنانيين ما هو «إلا تجسيد للعجز الذي أوقع نفسه فيه، ونراه يحاول الهروب إلى الأمام، خصوصاً أنه لم يأت على ذكر الإنجازات التي يتباهى بأن حكومته تمكّنت من تحقيقها»، ويسأل عن الجهات التي ألمح إليها بأنها تعد للانقلاب عليه؟
ويرى أن ما قاله دياب يوحي للقاصي والداني بأنه «يعيش في كوكب آخر تحيط به الغرف السوداء التي تصدر أوامر بمحاصرته». ويسأل: «لماذا يتجنّب الكشف عمّن يدير هذه الغرف؟ وهل أراد أن ينصّب نفسه على أنه القاضي الذي يهدد بفتح ملفات المفسدين من جهة، وأن ينوب عن القيادات الأمنية والعسكرية في ملاحقة من يدبّر الانقلاب الذي يستهدفه؟».
كما يسأل دياب عن الأسباب الكامنة وراء عدم تواصله مع رئيس الجمهورية ميشال عون، لدعوة المجلس الأعلى للدفاع لملاحقة الذين ينظّمون الانقلاب بأوامر عمليات محلية وخارجية مشتركة؟ وأيضاً عن تجاهله لكل ما نجم عن «غزوة بيروت» من اعتداء على الأملاك العامة والخاصة كادت تُحدث فتنة طائفية ومذهبية؟ وبالتالي هناك ضرورة لوأدها.
ويدعو رئيس الحكومة السابق، الرئيس دياب، إلى «الكف عن استحضار الماضي بدلاً من أن يسلّط الأضواء على ما ستقوم به حكومته التي تعهّدت بوقف الانهيار الاقتصادي والعمل لإنقاذ البلد». ويرى أن «لا مبرر للتصرف من حين إلى آخر، وكأن شبح الرئيس سعد الحريري يلاحقه لإسقاط حكومته». ويؤكد أن «لا مبرر لهذه الهواجس طالما أن الحريري لا يترك مناسبة إلا ويعلن فيها عدم رغبته في العودة إلى رئاسة الحكومة، وإلا لو كان يخطط للإطاحة بدياب لِمَ يشارك في الجهود لتهدئة الشارع ومنع إحداث فتنة مذهبية؟».
ويعتقد أن «مشكلة دياب تكمن في أنه يتعرّض إلى ضغوط اضطرته للتسليم في إدارته شؤون البلاد والعباد على الطريقة الباسيلية»، في إشارة إلى دور رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، في تقرير ما يريد من دون أن يردعه رئيس الحكومة في ظل تلقيه الضوء الأخضر من عون الذي يطلق يده في تسخير إدارات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، رغم أنه يعتقد أن هناك صعوبة في تسويقه.
ويؤكد رئيس الحكومة السابق، أن دياب يتحدّث عن اكتشاف انقلاب يحاك ضده، «رغم أنه أوتي به على رأس انقلاب قاده باسيل برعاية عون الذي لم يقدّم له الدعم بغية تعويمه في مواجهة الشارع السنّي الذي لا يتناغم معه».
في هذا السياق، يستغرب أكثر من مصدر أمني وعسكري بارز ما قاله دياب حول وجود انقلاب يستهدفه، ويؤكد هؤلاء لـ«الشرق الأوسط»، أن «لا معلومات لدى الأجهزة الأمنية في هذا الخصوص، وكنا نفضل أن يبادر إلى إعلامنا بكل ما لديه من معطيات لنبني على الشيء مقتضاه وهذا لم يحصل، وبالتالي لا نظن أن ما صدر عنه يقوم على معطيات سياسية توافرت للأجهزة».
لذلك تقول مصادر في المعارضة، إن دياب أقحم نفسه في المجهول، ولم يكن مضطراً لتقديم شخصه للرأي العام بأن هناك من يخطط لمنعه من تحقيق الإنجازات، لأن ما قاله انعكس عليه، وقُوبل باستغراب شمل «أهل البيت» ممّن لم يأخذوا كلامه على محمل الجد.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.