حرب أميركية ـ إيرانية بالوكالة تعرقل نهوض الموصل من أزماتها

شكاوى من فصائل موالية لطهران تتحكم في مفاصل الحياة بها

الموصل القديمة لا تزال في قبضة الخراب بعد ثلاثة أعوام على تحريرها من «داعش» (رويترز)
الموصل القديمة لا تزال في قبضة الخراب بعد ثلاثة أعوام على تحريرها من «داعش» (رويترز)
TT

حرب أميركية ـ إيرانية بالوكالة تعرقل نهوض الموصل من أزماتها

الموصل القديمة لا تزال في قبضة الخراب بعد ثلاثة أعوام على تحريرها من «داعش» (رويترز)
الموصل القديمة لا تزال في قبضة الخراب بعد ثلاثة أعوام على تحريرها من «داعش» (رويترز)

قبل ثلاثة أعوام احتفل العالم عندما حررت القوات العراقية مدينة الموصل القديمة من الحكم الوحشي في ظل تنظيم داعش. وثارت الآمال في نفوس سكان الموصل في إعادة بناء حياتهم بعد ما لحق بها من دمار.
اليوم تدور رحى معركة مختلفة. وحسب وكالة «رويترز»، تدور وقائع هذه المعركة إلى حد كبير خلف الكواليس، من قاعات الحكومة المحلية التي تطل على شوارع خربها القصف في المدينة إلى قاعات الاجتماعات بفنادق في بغداد. وما تلك المعركة سوى صراع على النفوذ بين أحزاب وساسة ورجال فصائل مسلحة، بعضهم تدعمهم إيران وآخرون يفضلون الولايات المتحدة. وعلى المحك، السيطرة السياسية في محافظة نينوى التي تمثل الموصل عاصمتها وهي منطقة غنية بمواردها الطبيعية وتمثل همزة وصل في طريق إمداد يمتد من طهران إلى البحر المتوسط. ويخدم هذا الطريق فصائل تدعمها إيران وتعد ألد أعداء الولايات المتحدة هنا منذ هزيمة تنظيم داعش.
سجل حلفاء إيران انتصارات في هذه المعركة. فقد عينوا محافظا تفضله إيران قبل عام. لكن النفوذ الإيراني واجه تحديات تمثلت في احتجاجات مناهضة للحكومة وعقوبات أميركية واغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني. واستطاع المعسكر المؤيد للغرب إبدال محافظ نينوى بحليف قديم للولايات المتحدة. ويعكس هذا التنافس صراعا أوسع على مستقبل العراق نفسه.
وحسب «رويترز» فإنها حاورت على مدار عام نحو 20 مسؤولا عراقيا يشاركون في هذا الصراع السياسي على نينوى. روى هؤلاء كيف كونت إيران وحلفاؤها شبكات لبسط النفوذ على الحكم المحلي وكيف حاول مسؤولون مؤيدون للغرب التصدي لهم وكيف عرقل هذا الشد والجذب نهوض الموصل من كبوتها. ويعتقد كثيرون من المطلعين على بواطن الأمور أنه إذا كان لجانب من الجانبين أن ينتصر فسيكون في النهاية الطرف المتحالف مع إيران.
وقال علي خضير عضو مجلس محافظة نينوى إن إيران تدعم حلفاءها بالمال والمساندة السياسية ولا تفارقهم. وأضاف أنه على النقيض فإن «سياسة الولايات المتحدة لم تؤثر على العراق». وقد أصبح جانب كبير من الموصل عبارة عن أطلال حيث تتعثر حركة السيارات عبر جسور مدمرة ويبيع المعاقون من ضحايا الحرب المناديل الورقية والسجائر والشاي عند التقاطعات. وتلك صورة من البؤس يخشى المسؤولون العراقيون أنها تمثل الأرض الخصبة المثالية لعودة «داعش» للظهور.
واتهم متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيران ببذل جهد كبير «للهيمنة على كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية في العراق». وأضاف المتحدث مورغان أورتاغوس أن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة العراق على بناء قدراته الاقتصادية وتحسين الاستقرار والأمن.
وقال علي رضا مير يوسفي المتحدث باسم بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك «إيران لا تتدخل في الشؤون الداخلية للعراق». ولم ترد الحكومة العراقية على أسئلة تفصيلية. وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ردا على سؤال عن الموصل إن الفساد والخلافات السياسية يعرقلان النهوض بالمدينة لكنه نفى وجود صراع بالوكالة.
ويمثل الصراع السياسي على نينوى جانبا من الصورة الأوسع في المحافظات الشمالية وهي من المعاقل السابقة لصدام حسين وتمثل قيمة استراتيجية لطهران وتريد واشنطن أن تحد من النفوذ الإيراني فيها.
وروى 20 من مسؤولي الحكم المحلي والنواب في بغداد والقيادات العشائرية كيف عملت إيران على تدعيم نفوذها السياسي إلى أن أصبح لها حلفاء في كل إدارة إقليمية تقريبا. وقالت تلك المصادر إن من الشخصيات المحورية لتلك الجهود في نينوى اثنين من أصحاب النفوذ من السنة هما خميس الخنجر وهو رجل أعمال من محافظة الأنبار اتجه إلى العمل بالسياسة وأحمد الجبوري المعروف على نطاق واسع بكنيته أبو مازن وهو محافظ سابق لمحافظة صلاح الدين وعضو في البرلمان العراقي حاليا. كان الخنجر خصما جريئا لإيران. وكان أبو مازن في فترة من الفترات حليفا للولايات المتحدة. وفي 2018 انضم الخنجر وأبو مازن على غير المتوقع إلى تكتل من قيادات الأحزاب والفصائل المدعومة من إيران في البرلمان العراقي. وتدخل الخنجر وأبو مازن في مايو (أيار) 2019 في اختيار محافظ نينوى الجديد وفقا لما قالته تسعة مصادر منها عدد من أعضاء المجلس الإداري الإقليمي وأقارب للاثنين. وقالت المصادر إن أغلبية من أعضاء مجلس نينوى التسعة والثلاثين المكلفين بانتخاب المحافظ الجديد أيدوا في البداية مرشحا ينتقد إيران. وقالت المصادر إن أعضاء المجلس حصلوا على وعود بتولي مناصب في
الحكومة المحلية أو بتلقي مبالغ تصل إلى 300 ألف دولار للواحد إما من الرجلين أو من مكتبيهما إذا صوتوا لمرشح مختلف هو منصور المرعيد الذي كانت تؤيده إيران وحلفاؤها في بغداد. وقال عضو بالمجلس إنه قبل المال واستخدمه في شراء منزل جديد. لكن الخنجر نفى شراء الأصوات. وقال «لا أدفع مبالغ من أجل تحقيق مكاسب سياسية... لم أدفع دينارا واحدا».
وقال المرعيد المرشح الفائز إنه لا علم له بأي رشاوى قدمت لأعضاء المجلس ونفى أنه موال لإيران بأي شكال من الأشكال.
وفي غضون بضعة أشهر دارت الأحداث في الاتجاه المعاكس. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادة الفصائل المتحالفة مع إيران وعلى حلفائهم العراقيين من السنة ومنهم أبو مازن في يوليو (تموز) والخنجر في ديسمبر (كانون الأول). وقال أحد أقارب أبو مازن وخمسة من أعضاء مجلس نينوى إن أبو مازن شعر بأنه تحت ضغط نتيجة للخطوة الأميركية. وأضافوا أن هذه الإجراءات ساهمت في إقناعه بسحب تأييده للمرعيد وتأييد قائد عسكري سابق حليف للولايات المتحدة هو اللواء نجم الجبوري لكي يحل محله في منصب المحافظ. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) صوت 23 من أعضاء المجلس التسعة والثلاثين بالموافقة على عزل المرعيد وتعيين الجبوري.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.