على منصب رئاسة الجمهورية العراقية اختلف الكرد لأول مرة على الشخصية التي تمثلهم. برهم صالح الرئيس الحالي... أم فؤاد حسين الوزير الحالي؟ والواقع أنهم كانوا دائماً منذ ما بعد عام 2003. وحين يختلفون على كل شيء في إقليم كردستان العراق، يأتون موحَّدين إلى بغداد إلا مرة واحدة... أما السبب فهو فؤاد حسين الكردي الفيلي من حيث القومية الشيعي المذهب من حيث الديانة.
للخلافات بين الحزبين الرئيسيين التاريخيين في كردستان العراق تاريخ حافل قبل سقوط النظام السابق.
الحزبان المقصودان هما «البارتي»، وهو مختصر اسم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، بزعامة مسعود بارزاني، و«اليكتي»، وهو مختصر «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي أسسه وتزعمه جلال طالباني حتى وفاته عام 2017 في أحد مستشفيات ألمانيا حيث كان يتلقى العلاج.
في عام 2018 تنافس على منصب رئاسة الجمهورية الدكتور برهم صالح مرشحاً من الاتحاد الوطني، على الرغم من وجود خلافات داخل الاتحاد كادت تطيح بفرص صالح للفوز بالرئاسة، لولا تحوّل لم يكن محسوباً لأطراف كثيرة - في المقدمة منها الحزب الديمقراطي الموحّد والشديد التماسك - والدكتور فؤاد حسين المدعوم بقوة من بارزاني.
آليات «المحاصصة»
ومعلومٌ أنه في العراق ما بعد عام 2003 يجري تقاسم كل شيء على أساس المحاصصة العرقية والطائفية، وبالذات بين المكوّنات الرئيسية الثلاثة، أي الشيعة والسنة والكرد. وإذا كان عرب العراق ينقسمون مذهبياً إلى سنّة وشيعة، فإن الكرد بدورهم ينقسمون أيضاً إلى شيعة وسنة... لكن بطريقة تبدو مسكوتاً عنها لأسباب كثيرة، تقف في المقدّمة منها غلَبة البعد القومي على الكرد من منطلق البحث عن هوية موحّدة يمكن أن تفضي مستقبلاً إلى دولة كردية.
ولقد كان الاستفتاء الذي أُجري في الإقليم على إنشاء هذه الدولة عام 2017 أول محاولة عملية من هذا النوع بعد تأسيس «الإقليم الكردي»، بموجب الدستور العراقي النافذ بعدما جرى التصويت عليه بأغلبية كردية - شيعية كاسحة عام 2005.
يضاف إلى ما تقدَّم عامل مهم، هو أن الكرد الشيعة الذين يُطلق عليهم اسم «الكرد الفيليّون» يُعدّون أقلية بالمقارنة مع غالبية الكرد الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، ثم إن غالبية الكرد الفيلية يسكنون مناطق في شرق العراق خارج نطاق حدود إقليم كردستان. ومن هؤلاء فؤاد حسين نفسه، الذي فشل في منازعة صالح على منصب الرئاسة فتولى منصب وزير المالية في حكومة عادل عبد المهدي، وها هو اليوم يتبوأ منصب وزير الخارجية في حكومة مصطفى الكاظمي.
وزير «متنازَع عليه»
وُلِد فؤاد حسين في قضاء خانقين التابع إدارياً لمحافظة ديالى، وهو قضاء متنازَع عليه بين العرب والكرد، أو بين بغداد وأربيل، أو الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق بموجب المادة 140 من الدستور العراقي.
ومن ثم، هذا القضاء، مع مناطق وأقضية - بل محافظات كاملة مثل محافظة كركوك - منطقة متنازع عليها بين الطرفين... تماماً كما أن فؤاد حسين نفسه الذي خسر سباق الرئاسة؛ فكوفئ بمنصب وزير المالية - وهو منصب سيادي - يبدو شخصية متنازعاً عليها.
لكن الحقيقة أن فؤاد حسين، الذي شغل على مدى سنوات طويلة منصب رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان العراق لم يكن له وجود في بغداد على مستوى المناصب في العاصمة الاتحادية. ذلك أن الحزبين الكرديين الكبيرين كانا يرشحان على مدى سنوات ما بعد 2003 سياسيين كرداً؛ بعضهم يُعدّون من الشخصيات التاريخية في التراتبية الحزبية، مثل جلال طالباني الذي شغل منصب رئيس الجمهورية، وفؤاد معصوم أستاذ الفلسفة وأحد مؤسسي حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، الذي خلف طالباني في منصب رئاسة الجمهورية، ثم الدكتور برهم صالح الذي ينتمي إلى الجيل الثاني في «الاتحاد الوطني الكردستاني»... ولقد تولّى رئاسة الجمهورية خلفاً لمعصوم.
والملاحَظ هنا أن ترشيحات الاتحاد الوطني تذهب، في الغالب، في اتجاه منصب رئاسة الجمهورية، وذلك نتيجة لتقاسم المناصب بين الحزبين في بغداد والإقليم؛ حيث يأخذ «الحزب الديمقراطي» حصة الأسد من مناصب الإقليم في عاصمته أربيل، وبجانب ذلك يحصل أيضاً على حصص وزارية مهمة في العاصمة بغداد.
وحقاً، صدّرت أربيل إلى بغداد شخصيات بارزة شغلت مناصب مهمة، مثل روز نوري شاويس الذي شغل لفترة وطويلة منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، وهوشيار زيباري الذي شغل على مدى سنوات طويلة (2003 - 2014) منصب وزير الخارجية، قبل أن يتحول بعدها في حكومة حيدر العبادي إلى تولّي منصب وزير المالية. والمعروف أنه عندما أقيل زيباري من هذا المنصب تعكّرت العلاقات بين مسعود بارزاني، زعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، والسلطات في بغداد، تحديداً، الطبقة السياسية الشيعية التي أخذ عليها الكرد - وبالذات بارزاني - تخليها عن اتفاقات استراتيجية سابقة عُقدت مع التحالف الشيعي أطلق عليه «التحالف التاريخي بين الكرد والشيعة».
«انفصالي» اتحادي
الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان في سبتمبر (أيلول) عام 2017 من أجل تهيئة الأرضية لإنشاء «الدولة الكردية»، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر بعير العلاقة بين التحالفين الكردي والشيعي، وتالياً بين حكومتي المركز والإقليم.
غير أن الأمر لم يقف عند هذا الحد؛ إذ إنه في حين كان إقليم كردستان موحّداً من عام 2003 إلى يوم الاستفتاء في عام 2017 بينما بغداد متفرقة، انقلبت المعادلة تماماً مع الاستفتاء؛ إذ وقفت الفعاليات السياسة في بغداد موحَّدة في رفضها القاطع إنشاء الدولة الكردية المستقلة، حتى من منظور العرب السنَّة، وذلك لكون الغالبية العظمى من المناطق المُتنازع عليها بين الطرفين - تحديداً في شمال العراق - تقع على خطوط تماس غالبية سكانها من العرب السنّة.
أما إقليم كردستان فقد بدا متفرقاً ومنقسماً على نفسه حيال الاستفتاء، الذي انتهى إلى الفشل، وكانت نتيجته هي بسط يد الدولة العراقية المركزية (لأول مرة) على مناطق بقيت لفترة طويلة حكراً على سيطرة سلطات الإقليم على الرغم من أنها تعود إدارياً إلى بغداد، ومنها قضاء خانقين الذي ينتمي إليه فؤاد حسين نفسه.
بل إن الأهم من هذا كلّه أن الخلافات الكردية - الكردية تصاعدت إلى حد كبير بين الحزب الديمقراطي وفرع من «الاتحاد الوطني الكردستاني». وكان الفرع الذي قاد الخلاف مع «الديمقراطي» ينتمي إليه رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح. وهذا الفرع، وإن كان قد صوّت بـ«نعم» في الاستفتاء الكردي من منطلق حلم أي كردي في إنشاء دولة، فإنه لم يصرّ على إجراء الاستفتاء... وما كان أصلاً متحمساً لإجرائه، مثل خصمه، فيما بعد في بغداد فؤاد حسين، الذي كاد «يضيع المشيتين» بين قوميته «الكردية» ومذهبه «الشيعي»، وهي مفارقة لم يلتفت إليها إلا ليلة التصويت على منصب رئيس الجمهورية.
مكافأة الخاسر
وهكذا، بين إجماع كردي - كردي شبه متوافق عليه مع ضمانات من قيادات شيعية بارزة... وبين انقسام كردي - كردي واضح في غياب أي ضمانات بالمطلق خاض الدكتور برهم صالح (الأمين العام المساعد لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني») معركة رئاسة الجمهورية ضد فؤاد حسين (رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان).
حسين، الكردي القومية الشيعي المذهب، جاء إلى بغداد بأمل احتلال منصب رئاسة الجمهورية بعد 16 سنة من تسلمه مناصب مختلفة داخل إقليم كردستان، كان في معظمها قريباً جداً من الزعيم الكردي التاريخي مسعود بارزاني.
أما صالح، فكان من أوائل من صدّرهم إقليم كردستان إلى بغداد بعد سقوط بغداد. وفي بغداد، احتل عدة مناصب مهمة، منها منصب نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط، قبل أن يعود إلى الإقليم ليحتل هناك موقع رئيس حكومة الإقليم مناصفة مع نيجيرفان بارزاني رئيس الإقليم الحالي.
لقد بدت المنازلة بين الرجلين داخل قبة البرلمان غير متكافئة لصالح حسين، المدعوم بقوة من بارزاني الذي كان قد حصل على تعهُّدات من كبار قادة الشيعة في بغداد بدعم مرشحه، مقابل مرشح «الاتحاد الوطني» الذي لم يكن مدعوماً من قيادات بارزة في حزبه... ولم يكن يُعرف الجو حياله في العاصمة بغداد.
ولكن ما إن بدأ التصويت داخل البرلمان حتى كانت كفة صالح قد رجحت بشكل كبير في وجه منافسه حسين. وعندما تطلب الأمر جولة ثانية من التصويت، انسحب فؤاد حسين. وهكذا، فاز برهم صالح بالرئاسة بغالبية برلمانية كبيرة جاءت أصواتها من كل الكتل بمن فيها الكتل الشيعية التي تعهد زعماؤها بدعمه في البرلمان.
مع هذا، لم يخرج حسين، بعد خسارته منصب الرئاسة، خارج الوفاض، ولم يعُد إلى إلى الإقليم... بل بقي في بغداد ليتسلم واحدة من أهم الوزارات السيادية الست، ألا وهي وزارة المالية. ومع أن إسناد المنصب إليه بدا لبعض الوقت ترضية (أو قُل مكافأة) له في أول الأمر، فإنه باعتراف كثيرين سرعان ما نجح في إدارة الوزارة، على الرغم من الاتهامات التي وُجّهت إليه بمحاباة الإقليم.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات بقيت موضع خلاف، فإن كثيراً من الأطراف والنواب في الكتل الشيعية أعلنت رفضها التام إعادة توزير أي وزير (حتى لو كان ناجحاً) من أعضاء حكومة عادل عبد المهدي المستقيلة في حكومة مصطفى الكاظمي الجديدة... وفي مقدمة من شملهم «الفيتو» على العودة، فؤاد حسين. بل وصل الأمر إلى أنه إذا تطلب الأمر إعادة بعض الوزراء الناجحين فإن فؤاد حسين ما كان من بينهم.
غير أن المفارقة اللافتة تجسّدت في أنه بينما لم يعُد أي من الوزراء الذي وُصفوا بـ«الناجحين» في حكومة عبد المهدي، كان فؤاد حسين الوزير الوحيد العائد وبوزارة سيادية من الدرجة الأولى... أما الوزارة فهي الخارجية.
بهذه الحصيلة عاد الكرد ثانية إلى تسلُّم حقيبة وزارة الخارجية بعدما كان هوشيار زيباري قد تسلمها فترة طويلة قاربت 11 سنة متصلة، هي الأطول بين كل وزراء الخارجية العراقيين في كل العهود، بمن في ذلك أشهر وزير خارجية في عهد صدام حسين... وهو طارق عزيز، الذي شغل المنصب لنحو 8 سنوات.
بطاقة هوية
* وُلد فؤاد حسين في مدينة خانقين عام 1946 (عمره 74 سنة)
* درس في جامعة بغداد وتخرج فيها عام 1971. ومن ثم تابع دراسات عليا في العلاقات الدولية في هولندا
* متزوج من سيدة هولندية، ويجيد اللغة الهولندية بجانب الكردية والعربية والإنجليزية
* كان ناشطاً في تنظيمات الطلبة الأكراد في أوروبا
* شغل منصب وزير المالية في حكومة عادل عبد المهدي (2018 – 2020)