تشكّلت الدولة العراقية الحديثة قبل نحو مائة سنة، ومرّت بعهدين أساسيين، هما العهد الملكي (1921 - 1958) والعهد الجمهوري (1958 - إلى اليوم).
لقد كان العهد الملكي مستقرّاً على المستوى السياسي على الرغم من أن الدولة العراقية تشكلت بعد 4 سنوات فقط من نهاية الحرب العالمية الأولى. ومن ثم، شهد العهد الملكي لاحقاً الحرب العالمية الثانية (1939). والواقع، أن استقرار ذلك العهد انعكس على منصب وزير الخارجية الذي شغله في الجزء الأول من ذلك العهد رؤساء الوزارات أنفسهم، من أمثال عبد المحسن السعدون ونوري السعيد وياسين الهاشمي وعلي جودت الأيوبي.
أما الجزء الثاني من ذلك العهد؛ فبدأ في الأربعينات من القرن الماضي. وفي تلك الحقبة، كان السواد الأعظم ممن تعاقبوا على منصب رئاسة الجكومة في العراق ينتمون إلى المذهب السنّي، طبقاً لتركيبة الدولة العراقية. أما السبب الأبرز لذلك فكان تأخر الشيعة عن الانخراط في مؤسسات الدولة والحكومة نتيجة لفتوى مراجع الشيعة عند قيام الدولة العراقية. ولكن، مع هذا فإن دبلوماسياً وأكاديمياً لامعاً، مثل الدكتور محمد فاضل الجمالي يُعد من أبرز من شغل منصب وزير الخارجية في ذلك العهد. وللعلم، الجمالي نفسه كان شغل منصب رئيس الوزراء لسنتين، ولمرة واحدة. ومن جانب ثانٍ، شغل هذا المنصب شيعي آخر، هو صالح جبر، الذي أصبح رئيساً للوزراء لمرة واحدة عام 1948، وارتبطت باسمه «معاهدة بورتسموث» مع بريطانيا. وهي معاهدة أسقطها العراقيون في انتفاضة جماهيرية راح ضحيتها العشرات وسقطت معها حكومة صالح جبر.
العهد الجمهوري
في العهد الجمهوري الذي بدأ بانقلاب عسكري قاده الزعيم عبد الكريم قاسم (1958) وانتهى باحتلال أميركي (2003) لم تختلف التركيبة السياسية - المذهبية كثيراً على مستوى المناصب العليا، ومنها منصب وزير الخارجية. إذ إنه على امتداد ذلك العهد شغلت عدة شخصيات بارزة منصب وزير الخارجية، كان الأبرز فيهم الدكتور عبد الجبار الجومرد، الذي اختاره قاسم كأول وزير خارجية في حكومته. ومن بعد الجومرد، شغل منصب وزير الخارجية في عهدي الأخوين عبد السلام عارف (1963 - 1966) وعبد الرحمن عارف (1966 - 1968) من الشخصيات المهمة ناجي طالب، وهو شيعي، وكان من بين «الضباط الأحرار» الذين شاركوا بثورة عبد الكريم قاسم. ثم إن طالب نفسه أصبح رئيساً للوزراء خلال فترة قصيرة خلال فترة عبد الرحمن عارف. أيضاً شغل المنصب رجل القانون والمفكر البارز الدكتور عبد الرحمن البزّاز الذي (على غرار ناجي طالب) تولى أيضاً منصب رئاسة الوزراء خلال فترة عارف.
أما إبان فترة حكم حزب «البعث»، بقيادة أحمد حسن البكر، ثم صدام حسين، وهي فترة امتدت لنحو 35 سنة (1968 - 2003)، فقد تداول هذا المنصب شخصيات كثيرة، بقي الأبرز فيهم طارق عزيز الذي ربما يُعدّ أشهر من تولى منصب وزير الخارجية... وهو المسيحي الوحيد الذي تسلَّم هذا المنصب في تاريخ الدولة العراقية الحديثة التي وُلدت قبل 100 سنة. كذلك أصبح وزيراً للخارجية في عهد صدام حسين أحد أبرز قادة البعث في العراق، وهو الدكتور سعدون حمادي، الذي شغل لفترة طويلة نسبياً من الزمن منصب وزير النفط. حمادي، وهو شيعي من مدينة كربلاء، تسلم أيضاً منصب رئيس الوزراء لفترة محدودة بعد غزو الكويت عام 1990. وتولى أيضاً منصب رئيس البرلمان.
ما بعد 2003
بعد الغزو الأميركي عام 2003، ومن ثم، بعد المرحلة الانتقالية، حصلت مفارقة على صعيد توزيع المناصب في الدولة العراقية، وهي أن طريقة توزيع أخضعت للمحاصصة العرقية والطائفية بشكل علني ورسمي.
وعلى مدى 17 سنة من العملية السياسية التي أدارها الأميركيون خلال السنوات الأولى، قبل أن تتولى إيران (إلى حد كبير) التأثير في القرارات المهمة، كانت حصة الكرد الحالمين بدولة مستقلة خاصة بهم هي بمثابة حصة الأسد من منصب وزير الخارجية. ذلك أنه منذ «مجلس الحكم» الانتقالي عام 2003 إلى عام 2014 تولى المنصب هوشيار زيباري، الذي تولى بعد إقالته منه منصب وزير المالية. واليوم، بعد تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي، عاد المنصب إلى كردي آخر هو فؤاد حسين... الذي يُعتبَر في عُرف مناوئيه انفصالياً، لكونه وقّع على استفتاء كردستان عام 2017.