نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

التفسيرات التآمرية التي صاحبت أداء المجلس العسكري كان سببها سلسلة من الاختيارات الخاطئة والأداء المضطرب

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى
TT

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

نائب رئيس الوزراء في حكومة 30 يونيو: أهم معاركنا إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى

* زياد بهاء الدين يروي لـ («الشرق الأوسط») تجربة 10 سنوات داخل أروقة الحكم في مصر بين الاقتصاد والسياسة (1 - 3)
* الحوار مع الدكتور زياد بهاء الدين أشبه بالبحث عن «قالب سكّر» داخل كوب ماء، فهو حذر إلى أقصى درجة، كلما حاولت أن تحاصره ذاب، وكلما اجتهدت أكثر تلاشى أسرع. لكن إذا قررت أن تستوعب أثره في الماء.. ستكتشف قيمته.
تردد نائب رئيس الوزراء السابق طويلا في أن يفتح قلبه ويتكلم في حوار مطول مع «الشرق الأوسط»، يحكي تفاصيل قصته داخل أروقة الحكم في مصر خلال 10 سنوات هي عمر تجربته في العمل العام، تحفّظ أن يذكر أسماء كثيرة ومواقف كثيرة، بحكم أن أصحابها في مواقف لا تسمح لهم بـ«حق الرد»، رفض أن يفصح عن رأيه في أشخاص ومواقف حرصا على حرج اللحظة التي تمر بها مصر، واعتذر عن عشرات الأسئلة وطلب حذف عشرات الأجوبة، في حوار حكمه «القانون» تخصصه ومجال عمله، كما لم يخلُ من قدر من «السياسة». برز اسم بهاء الدين وسجل في التاريخ، عندما نادت به جموع المتظاهرين التي خرجت في 30 يونيو (حزيران) 2013 ليكون رئيسا للوزراء في أول حكومة تشكلت بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن القدر أتى به نائبا لرئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوي الذي تحمّل مسؤولية واحدة من أخطر الحكومات في تاريخ مصر وإلى نص الجزء الأول من الحوار:

* كيف جاء ترشيحك لمنصب رئيس هيئة الاستثمار المصرية عام 2004 في ظهورك الرسمي الأول في العمل العام؟
- عملت قبلها بـ3 سنوات، أول عمل حكومي لي كمستشار قانوني لوزير الاقتصاد (آنذاك) د. يوسف بطرس غالي، اشتركت وقتها في إعداد تشريعات كثيرة خاصة بسوق المال وقانون الاستثمار وقانون الشركات والتأجير التمويلي والإيداع المركزي للأوراق المالية في البورصة، فارتبط اسمي بالقوانين الاقتصادية، ثم تركت وزارة الاقتصاد وعدت إلى العمل بالمحاماة، وبعدها بفترة شكلت حكومة الدكتور أحمد نظيف في 2004 وكان من ضمن وزرائها محمود محيي الدين وزير الاستثمار، وهو من رشحني لرئاسة هيئة الاستثمار، وبالفعل توليت رئاستها بعد تشكيل الوزارة بـ3 أشهر.
* وما دوافعك لقبول هذا المنصب، مع معرفتك بأوضاع النظام المصري وقتها؟
- ارتبط دافعي بفكرة التفرقة بين العمل السياسي والعمل التكنوقراطي، بالمشاركة في خدمة الاقتصاد الوطني، فهناك من يهتم بالعمل السياسي بمفهومه المحدد، ولكن هذا مختلف عمن يكون لديه الاستعداد للعمل لبناء مؤسسات وطنية، وأنا سعيد وفخور بما أنجزته في هذا العمل، حيث تم تطوير هيئة الاستثمار، وزاد حجم الاستثمارات الأجنبية التي وردت إلى مصر في تلك الفترة، ووصل إلى أعلى معدل له منذ بداية الاستثمار في مصر.
* لماذا لم تنضم إلى الحزب الوطني الحاكم في ذلك الوقت؟
- لم يكن لدي طموح سياسي، وقد عرض علي بالفعل الانضمام إلى الحزب الوطني في فترة تجديده، وشاركت بالرأي في اجتماعات مختلفة حول مستقبل الحزب ولائحته الأساسية، وفي نهاية هذه المناقشات عرض علي الانضمام كأحد أعضاء المكاتب العليا فيه واعتذرت.
* صنفك البعض في تلك الفترة بأنك كنت ضمن فريق جمال مبارك، ما صحة هذا التصنيف؟
- التصنيفات في الغالب مدفوعة بتصفية حسابات سياسية وفيها كثير من عدم الدقة، فلا يوجد في مصر تفرقة بين السياسي والتكنوقراطي، والمفترض أنه يكون أمرا طبيعيا أن تكون بعيدا عن العمل السياسي وتشغل منصبا حكوميا مهما، وهذا أمر موجود في دول كثيرة. ولو كنت من مجموعة جمال مبارك لما أنكرت ذلك كما أنكره الكثيرون ممن كانوا قريبين منه، ولكن الواقع أنني لم أكن في الحزب ولا في مجموعته ولا على اتصال مباشر به خلال السنوات السابقة على الثورة.
* قد يكون سبب ذلك قربك الشديد من الدكتور محمود محيي الدين؟
- هذا موضوع مختلف، لأني كنت فعلا قريبا وما زلت من الدكتور محمود محيي الدين على المستوى الإنساني والشخصي، وهذا أمر يسعدني؛ محمود محيي الدين صديق عزيز ولا يزال، فهو زميل دراسة حيث درسنا معا في إنجلترا، واتفقنا في أشياء كثيرة في قضية الاستثمار والترويج له وكيفية دفعه، واختلفنا في أشياء أخرى، وكان من مزاياه أنه مدرك تماما لفكرة أنه يجب أن يستفيد البلد ممن اعتبرهم خبرات وكفاءات، حتى لو كان انتماؤهم السياسي غير محسوب على الحزب الحاكم.
* ألم تفاجأ بخروجه من الوزارة ومن مصر كلها قبل شهور من ثورة يناير؟ خصوصا أنه كان مرشحا لرئاسة الوزراء كما أشيع وقتها؟
- لم أفاجأ لأنه أبلغني بذلك، وكنت أتابع معه المناقشات التي تجري بينه وبين الدولة في ذلك الوقت، وكنت أعرف رغبته في تغيير مجال عمله، وشعوره بأن هذا هو الوقت المناسب لتحقيق هذا التغيير بعد أن وصل إلى سكة «مسدودة» هنا في مصر، ولا أريد أن أقول أشياء نقلا عنه، لكن تأثير خروجه علي كان مختلفا لأني لم أربط بقائي في العمل الرسمي ببعد سياسي، فالأمر كان بالنسبة لي هو أنني أؤدي مهام وظيفية وفق فكرة بناء المؤسسات التي أوضحتها.
* اقتربت بشكل ما من دائرة صنع القرار في مصر، إلى أي مدى ترى صدق مشروع التوريث؟
- لم أقترب إلى الحد الذي يجعلني أستطيع أن أقول: هل كان هناك مشروع يجري تنفيذه بالفعل أم لا، خصوصا في السنوات الأربع الأخيرة قبل الثورة؟ ربما كان اتصالي الوحيد بمحمود محيي الدين بصفته وزير الاستثمار وبصفته صديقا وببعض الأصدقاء الآخرين بالحزب الوطني الذين ما زالت تربطني بهم علاقة صداقة، لكن لم أكن قريبا من الدائرة العليا. لكن رأيي كمواطن ومتابع، أعتقد أنه سواء كان هناك مشروع حقيقي جار تفعيله أو لم يكن، فإن ما كان يحدث كافيا للإيحاء للمجتمع المصري كله بأنه جار تنفيذ مشروع التوريث، وهذا يجعله مشروعا حقيقيا فعلا، وتصرفات مؤسسة الرئاسة ساعدت على ذلك.
* بمعنى أنك لا تبرئ مبارك وأسرته من هذا المشروع؟
- على الأقل هم تركوا «التوريث». يبدو كأنه أمر جار تنفيذه بالفعل، ولم يكن رفضهم قاطعا أو حقيقيا. وشعور المواطن بوجود مشروع توريث كان يتزايد مع مرور الوقت، لهذا لا يفرق وجود خطة محكمة من عدمه لأنه ترك الأمور تنحدر في هذا الاتجاه.
* هل عرض عليك فعليا أي منصب وزاري في هذه الفترة، خصوصا مع تكهنات كثيرة رشحتك لحقائب وزارية عقب نجاحك في هيئة الاستثمار؟
- بعد استقالة محيي الدين، نقل لي عن رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف هذا الأمر، وسئلت عن استعدادي لتولي وزارة الاستثمار، لكني رفضت لأني حسمت أمري من البداية بأن حجم اشتغالي بالعمل العام يقتصر على العمل التكنوقراطي ولا يتجاوزه إلى العمل السياسي تحت أي ظرف، ولم أغير هذا الرأي إلا بعد ثورة يناير، أما قبلها فكانت اختياراتي قائمة على أنه لا مانع، بل إنه واجب على كل شخص عنده فرصة للمشاركة في بناء مؤسسات وطنية ألا يتردد في ذلك.
* هل رفضت الوزارة لعدم رغبتك في أن تحسب على الحزب الوطني الحاكم بكل ما أثير حوله من شبهات؟
- لم أكن راضيا عن أداء الحزب الوطني وعلاقته بالدولة وتحوله إلى وسيلة لحماية المصالح الخاصة، ولذلك رفضت أن أكون عضوا، ولكن لا يعجبني ما حدث بعد ثورة يناير من مبالغة في نفي الصلة والاتصال بالحزب والنظام، خصوصا ممن كانوا أعضاء بالفعل في الحزب الوطني أو مستفيدين من النظام. ما أقوله هو الحقيقة، لقد رفضت أن أكون عضوا في الحزب لكن لي أصدقاء كانوا أعضاء به، وأعلم أن بعض الناس دخلته من باب الفساد والتقرب إلى السلطة واعتلاء المناصب، لكن هناك أيضا أناس انضموا له للمساهمة في العمل الوطني، وهي اختيارات، وأنا اخترت ألا أدخل العمل السياسي مطلقا قبل ثورة يناير، خصوصا من بوابة الحزب الوطني.
* بعد 4 سنوات تفصلنا عن تلك الأيام، بم تسمي ما حدث في يناير (كانون الثاني) 2011؟
- ثورة بلا شك.. اندفاع الناس بهذا الشكل وخروج هذه الأعداد من المصريين، لا يمكن أن يكون مؤامرة، لست محلل علوم سياسية لكن خروج الناس كان وراءه رغبة في التغيير، كنت مثل كثيرين غير متوقع أن يكون حجم الغضب الشعبي بهذا الشكل. فاجأتني الثورة مثلما فاجأتهم، واشتركت فيها كمواطن عادي، وكنت حاضرا في ميدان التحرير، ولكن لم تربطني رابطة بأي تنظيم سياسي من المشاركين فيها أو المنظمين لها.
* إذا اتفقنا أن ما حدث يمكن أن يطلق عليه «ثورة»، هل ترى أن التغيير الراديكالي يتناسب مع طبيعة البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لمصر؟
- مناسب أو غير مناسب مساءلة أكاديمية، لكن الثورة قامت ليس لأنها الأنسب بل لأنها حتمية، بمعني أنه كان هناك انسداد تام في المجتمع ووسائل التغيير الممكنة لم تعد مجدية، فكان يجب أن تحدث ثورة.
* ألا ترى أن ثمن هذا الفعل الثوري كان كبيرا على المجتمع المصري؟
- يسهل الآن القول إن الأفضل ربما كان الطريق الإصلاحي حينما نجد أن الثورة لم تحقق معظم أهدافها في التغيير الإيجابي، لكن هذا كلام نظري. الإصلاح كان قد أصبح مستحيلا في السنوات الأخيرة لحكم مبارك، فانفجرت الثورة لأنها صارت حتمية وضرورية. أنا بالمناسبة بطبيعتي أميل إلى العمل الإصلاحي عن العمل الثوري، ولكن هذا لا يجعلني أقيم الثورة بشكل مختلف.
* إلى أي مدي تتفق معي في أن سوء استخدام تعبير «الثورة» أفقده قيمته كمصطلح سياسي، وأجهض قيمته التاريخية والمعنوية؟
- لا أظن أن قيمته التاريخية والمعنوية أجهضت، قد يوجد حاليا رد فعل من جانب الرأي العام لأنه يقرن كل المصاعب والمشكلات بحدوث الثورة في يناير. والعمل الإعلامي مؤثر جدا لا يجعلك تدرك القناعة الحقيقية للناس إلى أين تتجه في ضوء خطاب تعبوي واحد سائد، لكن لا شك أن حدوثها كان حتميا، لكن لأسباب كثيرة. الثورة اتخذت مسارا مضطربا، وهذا لا يعني إدانة الثورة في لحظة حدوثها لأنها كانت تعبيرا عن رغبة صادقة عند الشعب المصري في التغيير ورفض استمرار الأوضاع السابقة.
* ما تعليقك حول ما أثير عن دور أطراف داخلية أو خارجية في إشعال ثورة المصريين في يناير؟
- لا أبحث عن التفسير التآمري في ظل وجود تفسير واضح ومقنع، وهو أن يناير كانت ثورة حقيقية مدفوعة برغبة الشعب في التغيير وفي إسقاط النظام السائد. أما من يملك معلومات محددة يستطيع من خلالها أن يؤكد أن يناير «مخطط»، فعليه أن يتقدم بها.
* ما تقييمك لأداء المجلس العسكري الذي تولى مسؤولية إدارة مصر بعد تخلي مبارك عن الحكم؟
- بحسب طبيعية عملي فأنا أقدر من يتولى مسؤولية إدارة عمل تنفيذي في وقت بهذه الصعوبة التي كانت مصر فيها ولا تزال، وأي انتقاد لكل من تولى مسؤولية الحكم من يناير إلى اليوم يبدأ بهذا التحفظ، أما عن تقييمي فأرى أنه كان هناك فرصة تاريخية لرسم مستقبل مصر بصورة أفضل، وهذا لم يحدث، فقد تم رسم مسار دستوري مضطرب جعل الثورة تفقد زخمها وقدرتها على التغيير الإيجابي.
* كنت نائبا في أول برلمان تشكل بعد الثورة عام 2012، ماذا قدم النائب زياد بهاء الدين في تجربته البرلمانية الأولى بعد يناير؟
- سعيد بتجربتي البرلمانية وفخور بها للغاية، فالمعركة الانتخابية كانت ثرية جدا بالنسبة إلي وبالنسبة إلى مصر كلها، كانت انتخابات مفتوحة وكان فيها أخطاء كثيرة، ولكن بشكل شخصي ورغم أن عائلتي من أسيوط ونشاط جمعية أحمد بهاء الدين الثقافية هناك وأشرف عليه بنفسي منذ عام 1998 بلا انقطاع، لكن لم تكن تربطني بأسيوط رابطة سياسية، وأكثر ما استفادته منذ يناير هو الإقامة والاتصال الحقيقي بالناس في أسيوط، وهذه تجربة مهمة جدا في حياتي. أكيد كان هناك مشكلات تعرضت لها وربما تتعرض لما هو أكثر، فقد حذرنا من غياب ضوابط إجراء الانتخابات في أمرين: الأول التمويل، فبعض الأحزاب السياسية انهمرت عليها سيول من التمويل غير موثق وغير معروف المصدر، خصوصا في الأرياف. والأمر الآخر أن الدولة تركت استخدام المساجد، كمنابر للعمل السياسي، وهذا أمر يتعارض تماما مع أصول العمل السياسي في الدولة المدنية.
* ونجحت على قائمة الحزب المصري الديمقراطي.
- وكنت رئيس كتلة الحزب البرلمانية المكونة من 21 عضوا، وقد كانت تجربة العمل داخل البرلمان صعبة، وقد شكلنا تعاونا مع حزب المصريين الأحرار ونجحنا في تقديم بعض الأفكار والتشريعات المهمة، لكن الأهم أننا استطعنا أن نوقف اندفاع قطار تغيير هوية البلد، كانت أهم معاركنا في إسقاط الجمعية التأسيسية الأولى.
* لماذا انسحبت بعد انتخابك في أول جمعية تأسيسية تشكلت لكتابة الدستور المصري الجديد؟
- كنت مرشحا للجمعية مع الزميل والصديق أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار، وكان زميلي في هذه المعركة، وفي يوم انتخاب الجمعية التأسيسية في قاعة المؤتمرات، وقبل إعلان النتيجة، كان قد تم تداول أسماء أعضائها، وكنت فيها أنا وأحمد، فأجرينا مع الدكتور سعد الكتاتني رئيس البرلمان وقتها اجتماعا استغرق ساعتين لنحاول إقناعه بأن تشكيل الجمعية حتى لو حظي بالأغلبية القانونية المطلوبة من البرلمان فهو غير مقبول لأنه تشكيل منحاز ولن يكتب له النجاح. ولم نخرج بأي نتيجة، ورغم ذلك أعلن التشكيل كما هو واعتمد المجلس النتيجة، وبعد ربع ساعة أعلنت مع أحمد سعيد انسحابنا وكتلنا البرلمانية من الجمعية، وقتها كنا نحو 10 أعضاء، ومع مرور أسبوعين وصل العدد إلى 38 وقبل أن تسقط من نفسها صدر الحكم القضائي ببطلان تشكيلها.
* إلى أي مدى ترى شبهة مؤامرة وراء حل البرلمان بعد شهور من انتخابه؟
- لست من مؤيدي نظرية المؤامرة، وأذكرك أن حزبي وأحزابا أخرى وعددا من السياسيين حذروا من عدم دستورية هذا القانون، وقت صدوره وقبل إجراء الانتخابات، لكنها كانت فترة كما وصفتها مليئة بالاضطراب الدستوري. كما أن حكم المحكمة الدستورية في هذا الشأن منسجم تماما مع حكمين سابقين تم بموجبهما حل برلماني 1984 و1987. يمكن أن نقول إن الحكم صدر بسرعة بعد 7 شهور فقط.. يجوز.. لكنه أمر لا يجعلها مؤامرة، وهذا يكفيني للاطمئنان لهذا الحكم.
* هل عايشت أي تجاوزات إخوانية في الانتخابات البرلمانية عام 2012، بصفتك شاهد عيان ومنافسا لكوادرهم فيها؟
- من التجاوز ما يوصف بالعرف الدائم في الانتخابات، مثلا وصفت بأني «حزب وطني» وشيوعي من قبل مرشحي الإخوان في أسيوط، وليلة الانتخابات أعلنوا ترشحي للوزارة في حكومة الجنزوري وانسحابي من انتخابات البرلمان وعودتي إلى القاهرة لحلف اليمين، وهو ما لم يكن صحيحا، وغير ذلك من ألعاب سياسية معتادة في كل الانتخابات، لكن التجاوزات الفعلية كانت في أمرين: الأول هو استخدام الكارت الطائفي، وكان أمرا متجاوزا لكل الحدود، فأي شخص يعمل في الصعيد يدرك تماما خطورة هذا الأمر، فأنت عندما تفرق بين المرشحين بأن هؤلاء «إسلاميون» وهؤلاء كتلة «صليبية» فأنت تدعو إلى فتنة مرعبة، وهذه جريمة لا تغتفر في أي وقت. الأمر الآخر كان التسيب في التمويل بشكل مبالغ، وللأمانة كانت أموال السلفيين أكثر من الإخوان.
* هل حاول الإخوان استمالتك ومجموعتك الحزبية خلال زمالتكم في البرلمان؟
- الإخوان حاولوا بعض المحاولات لتحقيق ما كانوا يعتقدون أنه توافق بمفهومهم، وهذه كانت الإشكالية. مثلا رشحوني رئيسا للجنة الاقتصادية في البرلمان، ولكن كحزب ومجموعة الأحزاب المتسقة معنا، أخدنا قرارا بعدم قبول مناصب رئاسية في اللجان، لأنه كان واضحا لنا أن دافعهم كان من أجل تجميل الصورة فقط.
* إلى أي مدى تقيم أداء الجماعة وقيادتها في هذه التجربة القصيرة كحزب حاكم؟
- هي تجربة فشلت، ولا أريد التعليق على رئيس البرلمان، لكن الجماعة في إدارة البرلمان كانت فاشلة تماما، بمعنى أن البرلمان بعد فترة وجيزة فقد مصداقيته بين الناس وصار يبدو كأنه مكان لـ«الطنطنة وكتر الكلام»، وبه خليط من الممارسات التي كنا نعيبها على برلمانات مبارك. والإخوان أيضا كانوا كثيري الحديث عن أن يكون حكمهم حكما توافقيا، لكن عند الفعل الحقيقي غلبت عليهم في البرلمان فكرة «أنا معايا الأغلبية.. أنا أخلص»، وهذا نفس ما حدث في الرئاسة والحكومة بعد ذلك.

* زياد.. ابن أحمد بهاء الدين

* يعتبر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قامة وقيمة كبيرة في تاريخ الصحافة مصريا وعربيا، لا يذكر اسمه إلا ويتبعه صفة «المحترم». وهي الصفة التي يقول نجله زياد إنها ميراثه الحقيقي عن أبيه، ويكمل: «بالطبع استمتعت بمظلة شهرته، التي منحتني حماية خاصة في بداية حياتي». ويعتبر زياد أن الفترة التي قضاها مع والده في دولة الكويت في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي هي واحدة من أهم فترات حياته، لأن الكويت وقتها - بحسب وصفه - كانت منارة ثقافية مشعة على الخليج العربي، قبل أن تظلمه الثورة الإيرانية.
درس زياد في كلية الحقوق بجامعة القاهرة مثل والده، لكنه تميز عليه بأن درس في ذات الوقت في كلية الاقتصاد بالجامعة الأميركية، ليتخرج منهما في عامي 1986 و1987، قبل أن يحصل على منحة للماجستير في قانون الأعمال الدولي من جامعة لندن سنة 1989، ثم يحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة في القانون عام 1997.
بدأت علاقة زياد بهاء الدين بالسياسة وهو طالب في جامعة القاهرة من خلال أنشطة الأسرة الطلابية القريبة من الفكر الاشتراكي القومي، لكنه اختار أن تبدأ علاقته بالعمل العام بعيدا عن السياسة أو العمل الحزبي، لكن كمتخصص «تكنوقراط» في مجال الاقتصاد. ساعدته صداقة مع الدكتور محمود محيي الدين على أن يحقق أفكاره عندما أسند إليه منصب رئيس هيئة الاستثمار عام 2004، وقد أحدث نقلة هامة في تاريخ الاستثمار خلال رئاسته للهيئة التي امتدت حتى عام 2007، ويصف دكتور زياد عمله في هيئة الاستثمار قائلا: «تجربتي كانت محاولة حقيقية لفكرة استكشاف آليات السوق المنضبطة كوسيلة مهمة لزيادة النمو والتنمية الاقتصادية وتحسين أوضاع الناس». شغل بهاء الدين منصب أول رئيس للهيئة العامة للرقابة المالية قبل أن يستقيل في أعقاب ثورة يناير 2011، ويتجه إلى العمل السياسي من خلال مشاركته لتأسيس الحزب المصري الديمقراطي، ويقول بهاء الدين: «الثورة جعلتني أخلق توازنا بين تجربة الجامعة التي غلب عليها الانتماء اليساري وتجربة العمل الحكومي التي غلب عليها الفكر الرأسمالي، وتحقق ذلك بالديمقراطية الاجتماعية، وهو ليس اسم الحزب فقط، لكنه تيار فكري نحاول من خلاله الاعتماد على اقتصادات السوق، لكن مع وجود شبكة حماية اجتماعية قوية جدا تضمن أن يتاح للناس الفرصة في الاستفادة من الاقتصاد الحر، وهو قريب من فكرة الطريق الثالث في أوروبا».
نجح زياد في أن يصبح نائبا في «برلمان» الثورة الأولى في يناير 2011، قبل أن يكون نائبا أيضا في «حكومة» الثورة الثانية في يونيو (حزيران) 2013، وبين المنصبين وبعدهما تمتد رحلته مع العمل السياسي الذي أصبح جزءا منه، وهو يشغل حاليا منصب نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي، واحد من أحزاب المعارضة الواعدة.
لم ينسَ بهاء الدين الابن والده خلال رحلته مع العمل العام، فأسس مع أسرته ورفاق الكاتب الكبير «جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين الثقافية»، التي يشغل منصب نائب رئيسها، وقد أسهم نشاطها في افتتاح قصر ثقافة أحمد بهاء الدين بمسقط رأسه في صعيد مصر، في قرية صدفا بمحافظة أسيوط.



مصر ترفض وجود أي طرف «غير مشاطئ» بالبحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)
TT

مصر ترفض وجود أي طرف «غير مشاطئ» بالبحر الأحمر

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)

تزامناً مع تأكيد دعمها وحدة الصومال وسيادته، أعلنت القاهرة رفضها وجود أي طرف «غير مشاطئ» في البحر الأحمر. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي مشترك، الاثنين، مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي: «البحر الأحمر للدول المشاطئة له، ولا يمكن القبول بتواجد أي طرف غير مشاطئ له».

وأضاف عبد العاطي، في المؤتمر الذي عقد بالقاهرة عقب جلسة مباحثات ثنائية مع معلم فقي، إن «المباحثات تطرقت إلى القمة الثلاثية لتركيا والصومال وإثيوبيا في أنقرة»، مشيراً إلى «توافق الرؤى على عدم المساس بأرض الصومال وسيادته ووحدة أراضيه وسلامتها».

وأعلنت تركيا، أخيراً، نجاح جهود الوساطة التي أطلقتها في يوليو (تموز) الماضي، في عقد اتفاق بين الصومال وإثيوبيا، وصفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه «تاريخي»، ينهي، بشكل مبدئي، عاماً من التوتر بين مقديشو وأديس أبابا، بدأ مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي عقب «مذكرة تفاهم» وقَّعتها إثيوبيا مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي يمنح إثيوبيا منفذاً بحرياً. وهو الاتفاق الذي رفضته الصومال والجامعة العربية.

جلسة مباحثات موسعة بين مصر والصومال برئاسة وزيرَي خارجية البلدين (الخارجية المصرية)

بدوره، قال وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، في المؤتمر الصحافي، إن «إعلان أنقرة لبَّى مطالب بلاده وأكد أن الحكومة الفيدرالية الصومالية الجهة الوحيدة التي تمتلك الحق في إبرام الاتفاقيات مع الجهات الخارجية».

وأضاف أن «إعلان أنقرة أنقذ المنطقة كلها من انفجار خطير كاد أن يحرق مصالح الجميع»، مستطرداً: «لم يكن من مصلحة أحد انفجار صراع آخر في منطقة القرن الأفريقي، في وقت تعجّ المنطقة بصراعات وأزمات كبيرة».

ووجّه فقي الشكر لمصر، وقال: «نحن هنا لننسب الفضل لأهله، حيث كان لموقف مصر الشجاع أثره البالغ في صناعة الأرضية التي مهَّدت للإعلان، ودعم ثبات الموقف الصومالي». وأضاف: «لقد حققنا مطالبنا المشروعة بالتدافع الدبلوماسي، وسنحفظ لمصر فضلها في هذا النضال المثمر».

وأبدت مصر رفضاً حاسماً للاتفاق الإثيوبي مع «أرض الصومال». وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب لقائه نظيره الصومالي يناير الماضي، أن الصومال دولة عربية، ولها حقوق طبقاً لميثاق الجامعة العربية، في الدفاع المشترك ضد أي تهديد له. وأضاف أن القاهرة لن تسمح لأحد بتهديد الصومال أو المساس بأمنه، قائلاً: «محدش (لا أحد) يجرّب مصر ويحاول (أن) يهدّد أشقاءها، خصوصاً لو أشقاؤها طلبوا منها الوقوف معهم».

وأشار عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير علي الحفني، إلى أن «دعم مصر للصومال ساهم في تحسين موقفه في مواجهة الأزمة الناجمة عن مذكرة التفاهم، كما أرسل رسالة لإثيوبيا مفادها أن القاهرة لن تقبل بانتهاك سيادة الصومال».

وقال الحفني لـ«الشرق الأوسط»: «إن مصر حريصة على الأمن والاستقرار في القرن الأفريقي وكان هذا الهدف من القمة الثلاثية التي عُقدت أخيراً في أسمرة بمشاركة رؤساء مصر والصومال وإريتريا».

واتفق معه نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق السفير صلاح حليمة، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر لديها علاقات تاريخيّة مع الصومال تطورت أخيراً في مجالات عدة، وكان لهذه العلاقات دور مهم في دعم موقف الصومال ودفع إثيوبيا للقبول بجهود الوساطة التركية التي أبطلت نتائجها (مذكرة التفاهم)».

وتوافقت القاهرة ومقديشو، بحسب بيان مشترك عقب الاجتماع، على «ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية»، مشيرين إلى أنه «سيتم عقد دورات مباحثات مُتعاقبة تُخصَّص لمحاور استراتيجية مُحددة تشمل المحور السياسي، والاقتصادي والتجاري، والأمني والعسكري، والثقافي والتعليمي، وبناء القدرات».

وبحسب البيان المشترك بين القاهرة والصومال، أكد الجانبان «أهمية الإسراع في تشكيل البعثة الأفريقية الجديدة للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM)»، ناشد الوزيران شركاء الاتحاد الأفريقي من أجل «توفير التمويل اللازم والمستدام للبعثة الجديدة أخذاً في الاعتبار تأثير الاضطرابات في القرن الأفريقي والبحر الأحمر على حركة التجارة والملاحة الدوليتين، ولمساندة جهود الجيش الوطني الصومالي في مكافحة الإرهاب وصيانة مقدرات الدولة».

كما أعاد وزير الخارجية الصومالي التأكيد على «تطلع بلاده نحو تحقيق مشاركة مصرية نوعية وفعالة بالبعثة الجديدة بما يساعد على تحقيق أهدافها بالنظر إلى القدرات العسكرية المصرية المتطورة وخبراتها الممتدة في مكافحة الإرهاب، وكذلك خبراتها في دعم بناء مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى التعاون العسكري الثنائي بين البلدين وفقاً لبروتوكول التعاون العسكري الموقّع بين البلدين في أغسطس (آب) الماضي، بحسب البيان.

في هذا السياق، أكد وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، خلال المؤتمر الصحافي، التزام بلاده بكل الاتفاقيات التي أبرتهما مع مصر، وأوضح أنه ونظيره المصري أكَّدا خلال المباحثات، «ضرورة وضع حد للأزمات في المنطقة، التي باتت تتزايد وتستفحل بشكل مرعب». ولفت إلى «تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الدفاع والأمن، خصوصاً مشاركة مصر بقوات حفظ السلام الأفريقية».

وأكد عبد العاطي، خلال المؤتمر الصحافي، أن «مصر ستشارك في البعثة الأمنية التابعة لمجلس السلم والأمن الأفريقي في الصومال بناءً على طلب الحكومة الصومالية، وترحيب من مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الأفريقي».

من جانبه، أوضح الحفني أن «قوة حفظ السلام هدفها الحفاظ على الأمن والسلم في الصومال، ومشاركة مصر فيها تتماشى مع سياستها الرامية لحفظ الاستقرار في القرن الأفريقي تزامناً مع تأهيل الكوادر الصومالية».