منذ بداية انتشار «كوفيد - 19» في أوروبا من مقاطعات الشمال الإيطالية أواخر فبراير (شباط) الماضي، كانت إيطاليا سبّاقة في معظم تدابير مكافحة الوباء واحتوائه، وأيضا في ردود الفعل الاجتماعية لرفع المعنويات التي كانت تنهار مع ارتفاع عدد الإصابات والوفيّات وأمام المشاهد المأساوية التي كانت تتعاقب يوميّاً على الشاشات. وها هي اليوم تنضم إلى فرنسا في فتح الباب أمام المحاسبة القانونية للمسؤولين الذين تولّوا إدارة الأزمة، وأمسكوا بزمام قراراتها والتدابير التي فُرضت لاحتوائها.
أوّل المسؤولين الذين سيخضعون لهذه المحاسبة هو رأس السلطة التنفيذية ورئيس الحكومة جيوزيبي كونتي، الذي سيمثل اليوم الجمعة أمام قضاة النيابة العامة من بيرغامو الذين وصلوا مساء أمس الخميس إلى روما، بعد أن قررت السلطات القضائية في تلك المدينة قبول الدعوى التي رفعها العشرات من ذوي ضحايا الوباء للمطالبة بمحاسبة المسـؤولين عن عدم إعلان المدينة وجوارها «منطقة حمراء» وعزلها في ذروة انتشار الوباء. وكانت تقارير الخبراء قد أكدت أنه كان بالإمكان إنقاذ المئات لو تمّ عزل المدينة في الوقت المناسب، وعدم الرضوخ للضغوط التي مارسها أصحاب المؤسسات والمصانع لمواصلة الحركة الإنتاجية.
ومن المنتظر أن يمثل أيضا أمام النيابة العامة وزير الصحة روبرتو سبيرانزا، ووزيرة الداخلية لوتشيانا لامورغيزي، للإدلاء بالشهادة بصفتهما من الأشخاص المطّلعين على وقائع الأحداث، لكن من غير توجيه أي تهمة إليهم في هذه المرحلة.
وتقول مصادر النيابة العامة إن هذه المرحلة الأولى ستقتصر على تجميع المعلومات والاستماع إلى الشهود من مسؤولين إقليميين ومركزيين وذوي الضحايا، تمهيداً لتحديد الجهات التي ستوجّه إليها التهم في المرحلة التالية. ويقول الخبراء إن هذه الخطوة التي أقدم عليها القضاء الإيطالي تفتح الباب في أوروبا أمام محاكمة المسؤولين السياسيين عن إدارة الأزمة التي أوقعت حتى الآن ما يزيد عن 34 ألف ضحية في إيطاليا وأكثر من 185 ألفا في أوروبا.
وستطلب النيابة العامة من أعضاء الحكومة الإجابة عن الأسئلة حول الأسباب التي حدت بهم إلى عدم إعلان المدينة وجوارها «منطقة حمراء» رغم تحوّلها إلى بؤرة انتشار رئيسية للوباء، وما إذا كانوا قد خضعوا للضغوط التي مارستها جهات اقتصادية ضد توجيهات اللجنة العلمية وتوصياتها. وفي أوّل تعليق له على مثوله اليوم أمام النيابة العامة، قال رئيس الوزراء جيوزيبي كونتي: «لست قلقاً، فالمواطنون من حقّهم أن يعرفوا ومن واجبنا أن نجيب عن الأسئلة».
وتجدر الإشارة إلى أنه عندما رُصدت الإصابة الإيطالية الأولى بـ«كوفيد - 19» في 21 فبراير (شباط) الماضي في بلدة «كودونيو»، فرضت الحكومة العزل التام في اليوم التالي على إحدى عشرة بلدة مجاورة في إقليمي لومبارديّا وفينيتو، لكنها لم تفرضه على بيرغامو والبلدات المحيطة بها حيث يوجد عدد كبير من المصانع الكبيرة التي تشكّل العمود الفقري للصناعة في إقليم لومبارديّا المحرّك الرئيسي للاقتصاد الإيطالي. وقد استمرّت الحركة الإنتاجية في تلك المنطقة طوال ثلاثة أسابيع كان الضحايا يسقطون خلالها بالمئات في مدينة بيرغامو ومحيطها، ولم يُفرض العزل عليها إلا في 12 مارس (آذار). وكانت معلومات قد أفادت أن الحركة الإنتاجية استمرّت في مصانع عديدة من تلك المنطقة حتى بعد قرار الحكومة الإيطالية عزل البلاد بكاملها ووقف النشاط الاقتصادي.
ويقول لوكا فوسكو، الناطق بلسان ذوي ضحايا «كوفيد - 19» في بيرغامو، والذي فقد والده ولم يتمكّن من دفنه: «طوال 15 يوماً واصلنا التنقّل والعمل وشرب القهوة،، فيما كان الفيروس يتجوّل بصمت بيننا. ولو أن السلطات المسؤولة قررت عزل المنطقة منذ بداية الانتشار، لما كنّا اضطررنا لإقفال لومبارديّا وإيطاليا بكاملها». ويؤكد ذوو الضحايا أن الضغوط التي مارستها المؤسسات الصناعية على السلطات الإقليمية والمركزية هي التي حالت دون عزل المنطقة في الوقت المناسب.
ويثير هذا الموضوع منذ أسابيع مواجهة بين الحكومة المركزية والسلطات الإقليمية التي تتذرّع بأنها لم تكن تملك الصلاحيات لعزل المنطقة بعد إعلان حالة الطوارئ، وحصر جميع الصلاحيات بيد السلطة المركزية. لكن روما من جهتها تعتبر أن الحكومة الإقليمية كان بوسعها عزل المناطق الموبوءة لو أرادت ذلك.
ويُذكر أنه في الأيام الأولى لانتشار الوباء في الشمال الإيطالي، قام العديد من المسؤولين المحليين الذين ينتمون إلى حزب الرابطة اليميني المتطرف، خاصة في ميلانو وبيرغامو، بحملة واسعة ضد إجراءات العزل داعين إلى مواصلة الحياة الطبيعية وعدم وقف عجلة الاقتصاد والأنشطة الاجتماعية.
إيطاليا تفتح الباب لمحاسبة المسؤولين عن إدارة أزمة «كورونا»
النيابة العامة تسائل وزراء عن تأخرهم في إعلان بيرغامو منطقة حمراء
إيطاليا تفتح الباب لمحاسبة المسؤولين عن إدارة أزمة «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة